رئيس ضمان جودة التعليم: الجامعات التكنولوجية ركيزة جديدة فى تنمية المجتمع    إتاحة الاستعلام عن نتيجة امتحان المتقدمين لوظيفة عامل بالأوقاف لعام 2023    قطع المياه عن نجع حمادي.. وشركة المياه توجه رسالة هامة للمواطنين    الحكومة: نرصد ردود فعل المواطنين على رفع سعر الخبز.. ولامسنا تفهما من البعض    «حماس» تصدر بيانًا رسميًا ترد به على خطاب بايدن.. «ننظر بإيجابية»    محامي الشحات: هذه هي الخطوة المقبلة.. ولا صحة لإيقاف اللاعب عن المشاركة مع الأهلي    رونالدو يدخل في نوبة بكاء عقب خسارة كأس الملك| فيديو    أحمد فتوح: تمنيت فوز الاهلي بدوري أبطال أفريقيا من للثأر في السوبر الأفريقي"    هل يصمد نجم برشلونة أمام عروض الدوري السعودي ؟    حسام عبدالمجيد: فرجانى ساسى سبب اسم "ماتيب" وفيريرا الأب الروحى لى    هل الحكم على الشحات في قضية الشيبي ينهي مسيرته الكروية؟.. ناقد رياضي يوضح    محامي الشحات: الاستئناف على الحكم الأسبوع المقبل.. وما يحدث في المستقبل سنفعله أولًا    مصارعة - كيشو غاضبا: لم أحصل على مستحقات الأولمبياد الماضي.. من يرضى بذلك؟    اليوم.. بدء التقديم لرياض الأطفال والصف الأول الابتدائي على مستوى الجمهورية    32 لجنة بكفر الشيخ تستقبل 9 آلاف و948 طالبا وطالبة بالشهادة الثانوية الأزهرية    استمرار الموجة الحارة.. تعرف على درجة الحرارة المتوقعة اليوم السبت    اعرف ترتيب المواد.. جدول امتحانات الشهادة الثانوية الأزهرية    صحة قنا تحذر من تناول سمكة الأرنب السامة    أحمد عبد الوهاب وأحمد غزي يفوزان بجائزة أفضل ممثل مساعد وصاعد عن الحشاشين من إنرجي    دانا حلبي تكشف عن حقيقة زواجها من محمد رجب    الرئيس الأمريكي: إسرائيل تريد ضمان عدم قدرة حماس على تنفيذ أى هجوم آخر    "هالة" تطلب خلع زوجها المدرس: "الكراسة كشفت خيانته مع الجاره"    حدث بالفن| طلاق نيللي كريم وهشام عاشور وبكاء محمود الليثي وحقيقة انفصال وفاء الكيلاني    أبرزهم «إياد نصار وهدى الإتربي».. نجوم الفن يتوافدون على حفل كأس إنرجي للدراما    مراسل القاهرة الإخبارية من خان يونس: الشارع الفلسطينى يراهن على موقف الفصائل    عباس أبو الحسن يرد على رفضه سداد فواتير المستشفى لعلاج مصابة بحادث سيارته    "صحة الإسماعيلية" تختتم دورة تدريبية للتعريف بعلم اقتصاديات الدواء    ثواب عشر ذي الحجة.. صيام وزكاة وأعمال صالحة وأجر من الله    أسعار شرائح الكهرباء 2024.. وموعد وقف العمل بخطة تخفيف الأحمال في مصر    العثور على جثة سائق ببورسعيد    الأمين العام لحلف الناتو: بوتين يهدد فقط    سر تفقد وزير الرى ومحافظ السويس كوبرى السنوسي بعد إزالته    نقيب الإعلاميين: الإعلام المصري شكل فكر ووجدان إمتد تأثيره للبلاد العربية والإفريقية    كيف رفع سفاح التجمع تأثير "الآيس" في أجساد ضحاياه؟    "حجية السنة النبوية" ندوة تثقيفية بنادى النيابة الإدارية    ضبط متهمين اثنين بالتنقيب عن الآثار في سوهاج    «الصحة»: المبادرات الرئاسية قدمت خدماتها ل39 مليون سيدة وفتاة ضمن «100 مليون صحة»    وكيل الصحة بمطروح يتفقد ختام المعسكر الثقافى الرياضى لتلاميذ المدارس    وصايا مهمة من خطيب المسجد النبوي للحجاج والمعتمرين: لا تتبركوا بجدار أو باب ولا منبر ولا محراب    الكنيسة تحتفل بعيد دخول العائلة المقدسة أرض مصر    للحصول على معاش المتوفي.. المفتي: عدم توثيق الأرملة لزواجها الجديد أكل للأموال بالباطل    القاهرة الإخبارية: قوات الاحتلال تقتحم عددا من المدن في الضفة الغربية    «القاهرة الإخبارية»: أصابع الاتهام تشير إلى عرقلة نتنياهو صفقة تبادل المحتجزين    «ديك أو بط أو أرانب».. أحد علماء الأزهر: الأضحية من بهمية الأنعام ولا يمكن أن تكون طيور    الداخلية توجه قافلة مساعدات إنسانية وطبية للأكثر احتياجًا بسوهاج    ارتفاع الطلب على السفر الجوي بنسبة 11% في أبريل    «صحة الشرقية»: رفع درجة الاستعداد القصوى لاستقبال عيد الأضحى    وزير الصحة يستقبل السفير الكوبي لتعزيز سبل التعاون بين البلدين في المجال الصحي    مفتي الجمهورية ينعى والدة وزيرة الثقافة    الأونروا: منع تنفيذ برامج الوكالة الإغاثية يعنى الحكم بالإعدام على الفلسطينيين    الماء والبطاطا.. أبرز الأطعمة التي تساعد على صحة وتقوية النظر    «الهجرة» تعلن توفير صكوك الأضاحي للجاليات المصرية في الخارج    رئيس الوزراء الهنغاري: أوروبا دخلت مرحلة التحضير للحرب مع روسيا    «حق الله في المال» موضوع خطبة الجمعة اليوم    بمناسبة عيد الأضحى.. رئيس جامعة المنوفية يعلن صرف مكافأة 1500 جنيه للعاملين    السيسي من الصين: حريصون على توطين الصناعات والتكنولوجيا وتوفير فرص عمل جديدة    الحوثيون: مقتل 14 في ضربات أمريكية بريطانية على اليمن    أسعار الفراخ اليوم 31 مايو "تاريخية".. وارتفاع قياسي للبانيه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"اليوم السابع" تكشف مأساة مصابى الثورة مع الإهمال فى المستشفيات الحكومية

كلاهما فى نفس العمر تقريبا «العشرين عاما» حلم الشباب وريعانه، لم يبدأ أى منهما حياته التى كان يحلم بها.. الأول ظل أهله يبحثون عنه وسط عشرات الجرحى والموتى فى غرفة الطوارئ بمستشفى أحمد ماهر وسط صراخ عال لا يستطيع أحد أن يميزه هل هو صراخ المصابين من شدة الألم أم صراخ الأهالى على أبنائهم، الأجساد تتراكم فوق بعضها على السرائر وأرضية المستشفى، وعبدالهادى فرج لا يزال ينزف، لا يتذكر ما حدث له، ولا يستطيع أن يحرك ساكنا، يرى أهله لكنه عاجز عن النداء عليهم، حتى رآه خاله الذى اقترب منه ليحمله إلى أى طبيب يسعفه، إلا أن هول المفاجأة التى رآها جعله يقع على الأرض مغشيا عليه.. فرقبة عبدالهادى تكاد تكون «مخلوعة» عن جسده.
والثانى.. هرول إليه شقيقه الأكبر وعينه مليئة بالبكاء، فلم يستطع محمد أن يخفى فرحته بنجاة شقيقه الأصغر محمود البالغ من العمر 22 عاما، فور خروجه من غرفة العمليات فى مستشفى قصر العينى الفرنساوى، فتح محمود عينيه وبدأ يتفاعل مع كل من حوله، ويبتسم لشقيقه الذى ظل يحمد الله على إنقاذ قدمه من البتر.
المشهدان السابقان لشابين أصيبا فى أحداث ثورة الخامس والعشرين من يناير، وكلاهما أيضا عانى من مأساة العلاج على نفقة الدولة وفى مستشفيات وزارة الصحة أو المستشفيات الجامعية، فالإهمال والتقصير فى علاجهما جعلهما يعيشان أحداثا درامية قاسية ضاعفت من شدة وخطورة إصابتهما، ولم يقف بجوارهما سوى أصحاب القلوب الرحيمة، بعدما رفعت الدولة يديها عن علاجهما واكتفت أن تعوض الأول ب15 ألف جنيه دون تحمل نفقات العلاج، والثانى لم تمنحه سوى خطاب للقصر الفرنساوى لإنقاذ قدمه من تلوث الجرح الذى تعرض له فى قصر العينى القديم، فهما كالكثير من مصابى الثورة الذين لم يستطيعوا أن يحصلوا على أبسط حقوقهم، بما فيها الحصول على التقارير الطبية التى تثبت إصابتهم، إلا أن كم الأخطاء الفادحة التى ارتكبت فى حق عبدالهادى ومحمود تكشف عن كيف زرعت الدولة ألغاما من ملف المصابين الذين لا يوجد حصر دقيق بهم، وتحاول الآن وبعد عام تقريبا أن تلملم من أخطائها.
المشهد الأول كان بعد إصابة عبدالهادى بطلق نارى نفذ من رقبته بالعرض مهشما عموده الفقرى فى جمعة الغضب أثناء مرور المظاهرات أمام قسم السيدة زينب، وظل بسببها 9 أشهر كاملة حبيس فراش المستشفيات، لا أحد ينكر أن إصابة عبدالهادى خطيرة جدا وتأثيرها عليه سيكون شديدا، إلا أن بعض المواقف مرت عليه خلال فترة علاجه من تلك الخطورة ومن شدة تأثيرها عليه، فبصوت ملىء بالتعب والألم بدأ عبدالهادى المصاب بشلل رباعى، يروى قصته بعدما تم نقله إلى مستشفى الفرنساوى بدلا عن أحمد ماهر، فبمجرد وصوله طلب الأطباء من حمد ابن خاله، شراء «رقبة»، وبعدها طلبت المستشفى منهم إحضار فنى الأشعة من روكسى لأنه كان لا يرغب فى المجىء كأنها مسؤولية المريض وأهله، ولم يقم الأطباء وقتها بإجراء العملية له رغم أهمية إجرائها بسرعة لإنقاذ نخاعه الشوكى من التأثر، نتيجة التأخير الذى جعل عظم العمود الفقرى الذى كُسر بفعل الرصاصة يغرس فى النخاع بمرور الوقت بعدما كان ملامسا له، فكلما زادت المدة - حسب كلام والدته التى عرفت ذلك من أحد الأطباء – زادت درجة إصابته بشلل فى جميع أطرافه.
بعد إجراء العملية أمر الطبيب المعالج بأن يبدأ عبدالهادى برنامج تأهيل بالعلاج الطبيعى فى اليوم التالى للعملية مباشرة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، ولكى يخفف تأثير غرس عظمة العمود الفقرى فى النخاع، وحسب كلام خالته التى صاحبته طول فترة العلاج «فإن دكتور العلاج الطبيعى كان يأتى مرة ويتغيب عدة مرات، مما أصاب عبدالهادى بجلطة».
لتوضيح أسباب هذا التجلط يقول الطبيب محمد سامى الزهار الأستاذ بقسم العظام والأستاذ الممتحن بالأكاديمية الأمريكية لجراحى العظام والأعصاب: «إن العصب ينمو بنسبة مليمتر كل يوم وهو ما يزيد من أهمية الالتزام بالعلاج الطبيعى لأنه يقوم بتأهيل العضلة على الحركة، موضحا أن العلاج الطبيعى يقوم بتليين المفاصل ويقوى العضلات المحيطة بالعصب كما يحسن من الدورة الدموية حتى لا تصاب الخلايا بالتيبس والتجلط».
واعتبر الزهار أن حالات مثل الشلل الرباعى تحتاج إلى علاج طبيعى مكثف لا يقل عن 3 مرات أسبوعيا مع أهمية الالتزام به لأن مثل هذه الحالات تأخذ فترة طويلة تتراوح من 3 إلى 4 سنوات حتى يستطيع المريض أن يتحرك مرة أخرى، وقال إن توقف العلاج الطبيعى أو عدم الالتزام به سيؤدى إلى طول فترة العلاج، بل سيؤدى إلى ضعف العضلات ومن ثم ضمورها.
كل هذا والأهل البسطاء اعتقدوا أن علاج ابنهم سوف تتحمله الدولة باعتباره حالة خطرة، وفى نفس الوقت لأنه مواطن ويحق له العلاج على نفقة الدولة، إلا أنهم فوجئوا بإدارة المستشفى تطالبهم بدفع نفقات إجراء العملية والمقدرة ب15 ألف جنيه، بما فيها سعر الشرائح والمسامير التى تم تركيبها لابنهم فى العملية، وذلك على عكس تصريحات الدكتور أشرف حاتم وزير الصحة فى حكومة الدكتور عصام شرف آنذاك، بأن علاج مصابى الثورة على نفقة الدولة، مع العلم أن مستشفى قصر العينى الفرنساوى قبل أن يكون استثماريا فهو فى الأساس يتبع الحكومة باعتباره مستشفى جامعيا، ولهذا السبب وضعت مؤخرا ضمن قائمة تضم 52 مستشفى أعلنت عنها وزارة الصحة خلال الأسبوع الماضى فقط أى بعد مرور عام كامل على الثورة التى تضم أعدادا غفيرة من المصابين منذ بدايتها وحتى أحداث مجلس الوزراء.
قبل أن تسقط الدمعة من عينيها قالت خالته: «مش دول مصابى الثورة، اللى الحكومة اتغيرت عشانهم، إزاى نعاقبهم بالإهمال ودفع كل الفلوس دى»، الغريب هو أن أهل عبدالهادى الذين لم يمتلكوا ولو جزءا بسيطا من ثمن العملية فوجئوا بعدها بصمت المستشفى عنهم وعدم مطالبتهم بدفع التكاليف، فاعتقدوا مرة أخرى أن الدولة قررت علاجه، ولكن الحقيقة كما تقول خالته هى أن إحدى سيدات الأعمال – طلبت عدم نشر اسمها لأن ما تقوم به هو عمل خيرى - تحملت نفقات علاجه بالكامل.
وبمجرد أن ظهر صندوق رعاية أسر الشهداء ومصابى الثورة قدم عبدالهادى فيه قائلا: «أمى جريت على الورق، وجاءت إلينا لجنة من 6 أطباء وكتبوا لى نسبة عجز %100 لكنهم لم يعطونى أصل التقرير، وظلوا يكررون الاتصال بنا أكثر من مرة ويخبرونى أن أرسل إليهم أحدا لاستلام شيك ب15 ألف جنيه فقط، وبعدها انقطعت علاقتنا بالصندوق، وكل فترة يتصلوا بينا يسألونى عن طلباتى دون أى إجابة».
غياب صندوق رعاية أسر الشهداء ومصابى الثورة والذى ضم 100 مليون جنيه من القوات المسلحة، عن دوره فى التكفل بعلاج المصابين والاكتفاء فقط بمنح عدد معين بالتعويض الذى وصل 15 ألف جنيه لأكثر الإصابات خطورة ومن بينهم عبدالهادى الذى لم يحصل على حقه طيلة الفترة الماضية فى العلاج على نفقة الدولة باعتباره مواطنا مصريا قبل أن يكون مصابا فى الثورة، أدى إلى تكفل المجتمع المدنى والمتبرعين باستكمال علاج أغلب المصابين الذين كان من الممكن أن تتدهور إصاباتهم إذا لم يجدوا تلك الرعاية.
قصة عبدالهادى لم تنته عند من يتحمل مصاريف علاجه، بل استمرت كما تروى خالته «بأنه بعد العملية بفترة بدأت درجة حرارته ترتفع ولم يخبرنا أى من الأطباء ما هو السبب، ولكن عرفنا فيما بعد أنه أصيب فى ذلك الوقت بأكثر من ميكروب على الرئة وفى مجرى البول وفى المعدة لعدة أسباب، منها عدم تهوية المكان وعدم تعقيمه، فحالة بهذه الخطورة تركها الأطباء فى غرفة الرعاية المركزة دون الالتزام بإجراءات التعقيم السليم»، البكتيريا التى لم ترحم هى الأخرى جسد عبدالهادى، أدت إلى قيام سيدة الأعمال التى تولت علاجه بنقله إلى رعاية «شريف مختار» فى نفس المستشفى لعدم القدرة على نقله لمستشفى أخرى نظرا لخطورة حالته، وكانت هذه الرعاية أعلى مستوى من الرعاية المركزة، كما أنها تتمتع بفتحات تهوية جعلت حالته النفسية تتحسن نسبيا».
معاناة هذا الشاب ورحلة علاجه لم تتوقف عند هذا الحد، بل وصلت إلى أن الطبيب المعالج له أثناء قيامه بإجراء عملية له تسمى «الشق الحنجرى» قطع له أحد الشرايين وظل عبدالهادى ينزف لمدة يوم كامل منذ خروجه من العمليات وحتى دخوله الرعاية المركزة، حتى صرخ أحد أعضاء التمريض قائلا إنه قطع فى الشريان، وحاول الطبيب وقتها أن يقوم بخياطة القطع فى الرعاية المركزة إلا أن أعضاء التمريض رفضوا وطالبوا الطبيب بضرورة خياطتها فى غرفة العمليات.
أما المشهد الثانى فكان المشهد الأخير فى مأساة محمود فراج حتى كتابة هذا التحقيق الذى استغرق 10 أيام متواصلة، محمود الذى كان يعمل «صنايعى فطائر»، وجاء من الإسكندرية ليشارك لأول مرة فى حياته فى مظاهرات مجلس الوزراء التى شهدت اشتباكات بين قوات الشرطة العسكرية من جهة وبين المعتصمين أمام مبنى مجلس الوزراء فى الفترة من 16 إلى 20 ديسمبر، ففى اليوم الرابع من الأحداث والموافق 19 ديسمبر أصيب بطلقين ناريين أحدهما فى قدمه اليمنى والأخرى فى قدمه اليسرى، نقله الثوار إلى مستشفى قصر العينى القديم، بعد مرور بضعة ساعات دخل محمود غرفة العمليات وبعدها تم نقله مباشرة إلى قسم 25 ب رجال وسط ما يقرب من 20 مريضا ومصابا فى أحداث.
فى قسم 25 ب رجال شهد محمود ما لم يخطر له على باله، فعلى مدى خمسة أيام متواصلة صاحبه فيها شقيقه محمد البالغ من العمر 28 عاما، لم يقم الأطباء أو الممرضات بالتغيير على الجرح أو الاطمئنان عليه، إلى أن بدأت تفوح من قدمه اليسرى رائحة تشبه رائحة تحلل الجثث وتعفنها، هرول أخوه الذى لاحظ زيادة تلك الرائحة يوما بعد يوم، وأحضر أحد الأطباء ليفتح على الجرح ويعرف ما هو سبب هذه الرائحة، وبالفعل قام أحد الأطباء بفك الجبيرة، وبمجرد أن رآه فزع الطبيب وشقيقه مما رأوه، فمكان العملية تورم وأصبح لونه شديد الاصفرار وتخرج منه إفرازات كثيرة.
فى اليوم السادس قام الأطباء بإدخال محمود غرفة العمليات وقاموا بفك سلك الجراحة وتركوا مكان العملية بدون خياطة حتى تهدأ منطقة الإصابة التى أكد فيها الأطباء لمحمود أنها ناتجة عن تلوث الجرح نظرا لعدم تنظيف الجرح وعدم نظافة الغرفة التى يجلس فيها، بعدها ظل محمود فى المستشفى حتى يوم 1 يناير الماضى نصحه فيها أحد الأطباء بأن يأخذه شقيقه إلى أى مستشفى أخرى حتى يتم إنقاذ قدمه من التلوث والبكتيريا التى تعرض لها فى قصر العينى القديم.
خلال مدة إقامة محمود فى مستشفى قصر العينى القديم كانت ممارسات خاطئة تحدث مع المرضى بشكل نال فيها هذا الشاب ما يكفيه منها، ففى أحد أيام تواجده فى المستشفى التى جلس فيها 14 يوما متواصلة، فوجئ المرضى بما فيهم محمود وشقيقه محمد بدخول مجموعة من الممرضات والأطباء عليهم فى حوالى الساعة الخامسة والنصف صباحا يطلبون منهم إخلاء قسم 25 ب رجال كغيرهم من الأقسام والخروج بسرائرهم إلى البالكونات، والسبب هو إخلاء الأقسام لطلبة الطب لأداء امتحاناتهم فيها، وحسبما يوضح أحد مقاطع الفيديو التى حصلت «اليوم السابع» على نسخة منها، قام عمال المستشفى والممرضات بإخراج المرضى من الأقسام من خلال شد السرائر التى ينامون عليها، إلى البالكونات دون الاهتمام بحالة المرضى وخطورة ذلك عليهم ومدى تأثيره عليهم.
اللافت أنه على الرغم من حصول محمود من الصندوق على خطاب للعلاج فى مستشفى قصر العينى الفرنساوى فوجئ برفض المستشفى قبوله للعلاج، وهو ما دفع سيدة الأعمال السابق ذكرها أن تدفع مبلغ إجراء العملية، وبالفعل أجريت له هناك، يأتى ذلك بعدما صرح صابر فى 11 يناير الجارى قبل التعاقد مع ال52 مستشفى، أن علاج المصابين لن يقتصر على المركز الرياضى والقسم الخاص فى مستشفى قصر العينى الفرنساوى، بل سيمتد إلى 52 مستشفى حكوميا، وهو ما يعنى أن مستشفى الفرنساوى حسب تصريحاته كانت مسؤولة عن علاج المصابين، وهو الأمر الذى لم يحدث فمحمد فراج رفضت إدارة المستشفى قبوله تحت أى ظرف إلا بعد دفع مبلغ العملية.
محمود لم يعانِ فقط فى مستشفى قصر العينى القديم من الإهمال أو التقصير فقط، بل كانت معاناته الأخرى تتمثل فى حجب المستشفى التقرير المبدئى الذى يوضح حالته ويؤكد إصابته بطلق نارى بالساقين فى ميدان التحرير بل اختفاء الرصاصات المستخرجة منه واختفاء الإشاعات الطبية التى أجريت له قبل دخول غرفة العمليات، وكل متعلقاته الشخصية، على الرغم من أنها حق من حقوقه كمريض لكى يستطيع أخذ حقه أمام القضاء.
قصر العينى لم يرض فقط بإخفاء التقرير الأول الذى يظهر إصابته ومكانها ولكنه أصدر له تقريرا آخر جاء فيه «إن محمود فراج دخل المستشفى يوم 19 ديسمبر مصابا بطلق نارى فى الساق أدى إلى إصابة الوريد وكسر فى عظمة الساق دون الإشارة إلى أنه من مصابى التحرير، مكتوب عليه أن هذا التقرير لا يسرى إلى النيابات ولا المحاكمة والطب الشرعى والشرطة، لكن محمد شقيقه الأكبر استطاع قبل اختفاء هذا التقرير ورفض المستشفى إعطاءه له أن يسجله فى مقطع فيديو، وبعدها تقدم ببلاغ إلى النائب العام يحمل رقم 11224 عرائض النائب العام، وبالتحديد فى تاريخ 24 ديسمبر الماضى، لمطالبته بالتحقيق فيما حدث مع أخيه فى مستشفى قصر العينى فيما يتعلق برفض منحه التقرير والإهمال الذى تعرض له وكاد يفقد بسببها قدمه.
اختفاء التقارير الطبية لمصابى الثورة أمر يؤكده الدكتور أحمد سعد – أحد أطباء المستشفى الميدانى – قائلا عادة ما يحدث هذا الأمر مع المصابين حتى لا يستطيعوا الحصول على حقهم ومقاضاة الجناة على الرغم من أن التقارير قرينة طبية متعارف عليها، فالتقارير المجهلة التى يحصلون عليها لا تمنحهم أى إثبات على أنهم من مصابى الثورة، فهى إما أن تكتب نوع الإصابة والرصاص فقط دون الإشارة إلى مكان الإصابة، أو تكتفى بكتابة نوع الإصابة فقط ويكتب فيها أنها لا تستخدم أمام القضاء.. إن عددا كبيرا من المرضى لم يأخذوا تقاريرهم.
وهو الأمر نفسه الذى تعرض له خالد السنوسى «محام» الذى أصيب يوم جمعة الغضب بانزلاق غضروفى فى العمود الفقرى نتيجة لضربه من قبل جنود الأمن المركزى، خالد أقام دعوى قضائية أمام القضاء ضد الطبيب المعالج له - نحتفظ باسمه - يتهمه فيها بأنه ارتكب خطأ فى عمليته وتسبب له فى شلل فى قدمه اليسرى وسقوط فى القدم، العملية التى أجراها له الطبيب هى انزلاق غضروفى فى إحدى فقرات العمود الفقرى، ويقول خالد إنه دخل المستشفى وهو يمشى على قدمه بشكل سليم، وكان يعانى فقط من آلام فى الظهر، ولكنه فوجئ بالعجز بعد العملية، وبالتالى توجه بعدها إلى الدكتور حسنى صابر، بصفته طبيبا متخصصا فى علاج العظام قبل أن يتولى مهام الأمين العام للمجلس القومى لرعاية أسر الشهداء ومصابى الثورة، صابر قال: إن مدى التأكد من صحة اتهامات خالد من عدمها تتوقف على أمر مهم وهو التقارير الأولى والإشاعات الطبية التى أجريت له قبل دخوله المستشفى، والتى تثبت هل فعلا العجز الذى يعانى منه سببه خطأ ارتكبه الطبيب المعالج أم لا.. صابر شدد على ضرورة أن يحصل كل مريض على تقاريره الطبية حتى يستطيع أن يأخذ حقه ويطالب به، وأضاف: «ما تعرض له خالد وما كتبته فى تقريرى عن حالته أنه انزلاق غضروفى قطنى مرتجع له أسباب عديدة قد تكون من العملية أو من أسلوب المريض ودرجة التزامه بالعناية بنفسه، أو قد يكون السبب ناتجا عن الإصابة ذاتها، وفى كل الحالات أنا كطبيب معالج له لا أستطيع الجزم بشىء، فأنا لا أعرف ما سبب إصابته، فهو لا يمتلك أى دليل من التقاير أو الإشاعات الطبية حتى أقول هل حدث خطأ أم لا».
كلام الدكتور حسنى صابر يأخذنا إلى منحى جديد فى قضية علاج مصابى الثورة، وهى لماذا لم تلتزم المستشفيات «بعضها وليس كلها» بأن يأخذ المريض معه كل التقارير والتحاليل والإشاعات التى أجريت له منذ دخول المستشفى حتى خروجه منها لكى يضمن حقه فى العلاج والتعويض المناسب وحتى لا يظل المصاب معتقدا أن خطأ ما حصل له.
نعود مرة أخرى إلى قضية العلاج على نفقة الدولة الذى كان لغزا محيرا على مدى الاثنى عشر شهرا الماضية، صحيح هناك مصابون عولجوا فى مستشفيات الدولة لا أحد ينكر هذا، ولكن هناك آخرين لا يزالون غير متمتعين بحقوقهم التى كفلها لهم القانون، والتى تجعل الكل متساوين فيها، فها هو إبراهيم جمعة «27 سنة» الذى دخل مستشفى القوات المسلحة فى 28 يناير إثر إصابته بطلق نارى فى المظاهرات أدى إلى كسر مضاعف مفتت بالعضد الأيمن مع إصابة الشريان والوريد العضدى الأيمن والعصب الكعبرى الأيمن، وتم إجراء عملية استكشافية لذراعه اليمنى وإصلاح القطع الشريانى وتثبيت خارجى للكسر فى 29 يناير، واستمر فى المستشفى حتى 9 فبراير، إبراهيم أصيب بنسبة عجز %85، وفقا للقومسيون الطبى العام فى تقريره فى بداية يوليو الماضى، وعلى الرغم من ذلك فوجئ بقرار المجالس الطبية المتخصصة حول استكمال العلاج ترد عليه فى 19 أكتوبر بأنه ليس من ضمن الأولويات التى يصدر لها قرارات حاليا، وكتبت على التقرير كلمة «مرفوض».
الأزمة التى يعانى منها مصابو الثورة تتحمل مسؤوليتها جهات عديدة استهانت من البداية بضرورة العلاج الفورى والكامل لجميع المصابين، ففى الوقت الذى تتحمل فيه وزارة الصحة ومستشفياتها جزءا من المسؤولية باعتبارها المسؤولة عن علاج أى مواطن على نفقة الدولة، بصرف النظر عن كونه مصابا من الثورة أم لا، فضلا على تحمل الأطباء والمستشفيات جزءا آخر يتمثل فى مدى الحرص على سلامة المصابين ومنحهم حقوقهم فى العلاج الكامل دون استهانة أو إهمال أو تقصير بأى منهم ومنحهم حقوقهم فى التقارير الطبية التى توضح نوع إصابتهم وحجمها وأين وقعت وتاريخ وقوعها، والجزء الآخر من المسؤولية يقع على جميع الحكومات التى تولت الأمور منذ بداية الثورة وحتى أحداث مجلس الوزراء الأخيرة بما فيها حكومة الدكتور عصام شرف والدكتور الجنزورى رئيس الحكومة الحالى، فعلى الرغم من القرار الأخير للتعاقد مع 52 مستشفى فإن هذا القرار جاء متأخرا، بعدما ساءت الحالة الصحية لبعض المرضى الذين لا توجد إحصائيات دقيقة بعددهم الإجمالى سوى ما أعلنه وزير الصحة والسكان الدكتور فؤاد النواوى بأن عددهم يصل إلى 11 ألفا و500 مصاب.
الإهمال الذى تعاملت فيه حكومة عصام شرف مع ملف المصابين يتضح بشكل كبير فى عدم البحث عن حلول فعالة وعدم تطوير الاقتراحات المقدمة، منها ما حدث مع اقتراح لحل أزمة الصندوق، قدمه سيد أبوبيه - رئيس الاتحاد العام للعاملين بالدولة ونقيب العاملين برئاسة مجلس الوزراء - والذى بموجبه تم عقد اجتماعين لمناقشته فى 1 يونيو، والثانى فى 8 يونيو، وفى هذا الاجتماع الأخير وافقوا على ما جاء فى المشروع من إنشاء مؤسسة لرعاية المصابين وأسر الشهداء تضم لجنة حكومية ممثلا فيها جميع الوزارات لحل كل المشاكل المتعلقة بالمصابين وتأهيلهم صحيا وماديا وما يتعلق بالسكن والتوظيف والمساندة القضائية والتعليم، ولجنة أخرى من كبار السياسيين ورموز المجتمع المدنى الذين ساهموا فى علاج المصابين على نفقتهم الخاصة لما لديهم من معلومات كثيرة حول المصابين وعلاقتهم الجيدة بهم، إلا أن هذا الاقتراح لم يُطبق على أرض الواقع وتحول من مؤسسة متكاملة إلى مجرد صندوق أسسه شرف وجعل بانسية عصمت المدير التنفيذى له، وهو الصندوق الذى تولى فقط صرف التعويضات للدفعة الأولى من المصابين ثم تجاهل باقى الدفعات، سواء تلك الخاصة بمصابى الثورة أو بمصابى أحداث ماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء، كما أعلن المجلس العسكرى أكثر من مرة من قبل، وطبقا لمصادر من داخل الصندوق - طلبت عدم ذكر اسمها - فإن الذين تلقوا المبالغ المالية المقدرة ب70 مليون جنيه من أصل 100 مليون كرأس مال الصندوق الذى وضعه المجلس الأعلى للقوات المسلحة يبلغ عددهم 3420 من أصل 3527 مصابا تم تسجيلهم فقط داخل الصندوق حتى أغسطس الماضى ثم تم إغلاقه بعدها بحجة استيفاء الأوراق دون أن يراعى القائمون على الصندوق حاجة المصابين على الأقل إلى استكمال العلاج الذى لا يقدرون على تحمل تكلفته وحدهم.
سيد أبوبيه علق على عدم تفعيل الاقتراح بأن رئيس الحكومة السابق ضرب بهذا الاقتراح عرض الحائط والنتيجة تضخم مشكلة المصابين يوما بعد يوم، وبرزت مشاكلهم، وظهرت على السطح اعتصامات المصابين نتيجة لإهمال هذا الملف على مدى عام كامل.
السفر للعلاج فى الخارج مأساة جديدة يقابلها المصابون الذين يحتاجون للبحث عن علاج لهم فى أى دولة أخرى، فكل ما قامت به وزارة الصحة هو أنها سفرت ثلاثة مصابين فقط للخارج حسب تصريحات الدكتور هشام شيحة رئيس قطاع الطب العلاجى بوزارة الصحة، وحوالى 20 مصابا عولجوا على أيدى خبراء أجانب فى مستشفيات الوزارة ومستشفيات القوات المسلحة.
أبوبيه كشف عن أنه فى أحيان كثيرة كان يلجأ إلى الجمعيات الأهلية وبعض رجال الأعمال ليتحملوا نفقات علاج المصابين، وتسفيرهم إلى الخارج لعدم قيام وزارة الصحة بهذا الأمر، فيما اكتفى الصندوق بصرف التعويضات لعدد معين من المصابين، فضلا على عدم التزام الصندوق بنفقات العلاج، سواء لمن أخذ التعويض الذى يعد إعانة على المعيشة أو لمن يأخذ أى مليم منه.
كلمات أبوبيه تنطبق بشكل أساسى على مصاب يدعى إبراهيم على، فهو نموذج صارخ لتأكيد أن الصندوق حتى لو صرف التعويض، فإنه رفع يديه عن استكمال علاج المصابين، إبراهيم مصاب بطلق خرطوش استقر على الكبد يوم 28 يناير بشارع قصر العينى، يحتاج شهريا إلى مضاد حيوى ب 600 جنيه، لكى لا تفرز الطلقة مادة الرصاص على الكبد فتؤدى إلى التسمم، إلا أن الصندوق الذى منحه تعويضا 15 ألفا أنفقها إبراهيم على بيته بسبب ضعف حالته الصحية، لم يتكفل بعلاجه باهظ الثمن، بالنسبة له.
صحيح هناك خطوات برزت مؤخرا من جانب مجلس رعاية المصابين وأسر الشهداء الذى أنشأه الجنزورى ويضم بداخله الصندوق، ولكن هذه الخطوات لا تعفى المسؤولين من المحاسبة على هذا الإهمال الذى نال عددا من المصابين، فالخطابات التى كانت تخرج من الصندوق والتى كان يحصل عليها المريض لتوجيهها إلى مستشفى بعينها، كانت المفاجأة فيها هى أنها أحيانا توجه إلى مستشفيات لا علاقة لها بالصندوق ولا يمتلك الصندوق حق مطالبتها بعلاج أى مصاب، وعندما يذهب المصاب الذى لا حول له ولا قوة يفاجئ برد موظف الاستقبال بأن هذا الخطاب «تبله وتشرب ميته»، فلماذا وجه الصندوق المرضى إلى مستشفيات لم يتعاقد معها ولماذا لم ينبه المصاب الذى يذهب إلى المستشفى بعد عناء شديد وتكاليف تنقلات قد لا يستطيع البعض إنفاقها، ولماذا تم الترويج إلى التعاقد مع مستشفيات بعينها، رغم أن الواقع العملى أثبت عكس ذلك، لماذا لم يدرك المسؤولون عن هذا الصندوق هذه الحقيقة إلا فى وقت متأخر، سعيد فاروق، أحد المتطوعين فى العمل داخل المركز الطبى، وأحد المصابين إثر الاشتباك فى الداخلية فى 28 يناير بتهشيم الركبة اليسرى بالحديد، قال إن الخطابات التى يمنحها الصندوق للمصابين غير معتمدة والأختام غير واضحة، فهى عبارة عن أرقام فقط ولا تربطه أى علاقة بختم الصندوق القديم، وأكد فاروق أن خطابات الصندوق إذا تم قبولها فى أحد المستشفيات فهى تشمل العلاج فقط، أما إجراء الأشعة والتحاليل والعمليات فهى من حساب المريض الشخصى، وتأكيدا لكلامه اعترف الدكتور حسنى صابر بأن الختم كان غير معتمد لأنه لم يتسلمه من بانسية عصمت المسؤولة السابقة عن الصندوق قائلا: «اللى تقابله مشكلة يتصل بينا».
ما كشف عنه هذا التحقيق هو بمثابة بلاغ للنائب العام ضد كل من استهان بملف المصابين، وحتى يقدر مسؤولو الحكومة الحالية أهمية أن يحصل مصابو الثورة على حقوقهم ولا تصبح قراراتهم الأخيرة مجرد حبر على ورق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.