أعرف أن الهيئة التى يطلق عليها «الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر» هى هيئة سعودية الجنسية، أو على الأقل هى نموذج سعودى لتطبيق الشريعة الإسلامية فى الشوارع والميادين العامة، وقد تم إنشاؤها عام 1940 من 4000 رجل، وكما يقولون فى المثل: زيادة الخير خيرين. والحقيقة أنها لم تكن خيرًا أبدًا على مدى سنوات وجودها فى السعودية، وتلقت الكثير من النقد، سواء داخل المجتمع السعودى أو خارجه، لما وصفه البعض بانتهاك حقوق الإنسان وتمييزها بين من هم فى مرتبة الأمراء والعائلة المالكة وتصرفات العامة، بل إنها وصفت بالصلف والقسوة التى وصلت ذروتها فى عام 2002 عندما ساعد تشددها غير المبرر تحت ستار الدين فى موت حوالى 14 فتاة سعودية عندما شب حريق ضخم فى إحدى المدارس فى مكةالمكرمة، ورفضت هذه الجماعة إدخال عمال الإطفاء لإنقاذهن مدعية أنهن لا يرتدين الحجاب، وأغلقت عليهن المدرسة وأخرجت أولياء الأمور عنوة. حوادث كثيرة ومتكررة تبرز غلظة قلوب هؤلاء الرجال الذين يحملون دين الإسلام فى صدورهم ويمشون فى الأسواق يطبقونه، هل هذا هو الدين الذى أراد الله تطبيقه من خلفائه البشر على الأرض؟!. ألم يقل الله عز وجل فى كتابه العزيز: «ولو كنت فظّا غليظ القلب لانفضوا من حولك»، وقال: «وجادلهم بالتى هى أحسن»؟ وتحضرنى واقعة كنت شاهدة عليها، فقد عشت فى السعودية جزءًا من طفولتى، وأتذكر وأنا فى سن السادسة كنت أرتدى فستانًا قصيرًا وأسير بجوار والدتى وجدى رحمه الله وأشعر بأنى أشيك بنت فى الدنيا، فقد اشترت لى والدتى هذا الفستان توّا من الرياض، ومر علينا رجل من هذه الجماعة وقام بتوبيخ جدى بشدة لأنه سمح لى بأن أكشف عن مفاتنى، ولكم أن تتخيلوا مفاتنى وأنا فى السادسة من عمرى، ووزنى لا يتعدى ال 20 كجم.. ولم تمض ساعة وأنا ألعب بجوار البيت وجدى يجلس بعيدًا عنى بخطوات وإذا برجل آخر من هؤلاء يلقى على مسامعى كلمة عرفت من توبيخ جدى له أنها كلمة قبيحة يقصد بها معاكستى. تذكرت هذه الواقعة عندما قرأت أن مجموعة تدعى تأسيس هيئة على شاكلة النموذج السعودى تحاول أن تدعو للانضباط فى الشارع المصرى وتطبيق الشريعة، فى حين أن الأحزاب الدينية فى مصر تبرأت منها ورفضت أن تنسب إليها، والغريب أنها تسير فى عملها كأن هناك جهة ما تكلفهم بذلك، ولأننا ليس لدينا مجلس شعب ولا رئيس جمهورية فمن يا ترى هذه الجهة؟ ومن أعطاها هذا الحق؟.. وما معايير تطبيق الانضباط والدعوة بالحسنى؟ وهل سيستخدمون القوة فى تحقيق الانضباط كما تفعل الشرطة فى حالة المخالفات القانونية؟ وهل سيأتى اليوم الذى نرى فيه فتياتنا يجلدن فى الشوارع لأنهن لا يرتدين الحجاب كما حدث فى السودان؟