خطت تونس أمس خطوتها الثانية نحو استكمال مبادئ الثورة وتأسيس الدولة الجديدة، فبعد انعقاد الجلسة الأولى للمجلس التأسيسى فى نوفمبر الماضى، أدى اليوم رئيس الجمهورية التونسية الجديد محمد المنصف المرزوقى اليمين الدستورية إمام أعضاء المجلس الوطنى التأسيسى بحضور كبار مسئولى الدولة، وقال المرزوقى واضعا يده على القرآن الكريم "أقسم بالله العظيم أن أحفظ المصالح الوطنية ودولة القانون والمؤسسات وأن أكون وفيا للشهداء وأهداف الثورة". ووعد المرزوقى، الذى وضع برنسا تقليديا تونسيا بلون بنى فاتح على سترة زرقاء وقميص أبيض، وبدا فخورا وهادئا، بأن يكون "رئيسا لكل التونسيين" وأن لا "يوفر أى جهد" من أجل تحسين مستوى عيش مواطنيه، كما تعهد بضمان "الحق فى الصحة والحق فى التعليم وحقوق المرأة"، مترحما فى الوقت ذاته على أرواح "شهداء الثورة" التى أطاحت بنظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن على، وقال والدمعة فى عينيه "بدون تضحياتهم ما كنت لأوجد فى هذا المكان". وأكد المرزوقى أن حجم المسئولية الملقاة على كاهله وكاهل المجلس التأسيسى وكافة الشعب التونسى كبيرة جدا، مشيرا إلى حجم الفساد الذى كان يتفشى فى كل مؤسسات البلاد نتيجة السياسة المستبدة التى كان ينتهجها النظام السابق من مصادرة إرادة الشعب والتلاعب بالدستور وفرض إرادة الحزب الواحد على الشعب، وإنكار التعددية داخل المجتمع وإنكار هويته ورفض التداول السلمى على السلطة، مؤكدا أن النظام القضائى والأمنى كان أداة فى يد النظام السياسى السابق لخدمة الصالح الخاص وليس العام، حيث انتشر الفساد فى النظام الاقتصادى والاجتماعى والإعلامى والتربوى والثقافى والصحى، مشددا على أن ثورة 17 ديسمبر حررت المجتمع من كل أشكال الفساد، وانه سيعمل على إصلاح ما أفسده النظام السابق. وتعهد المرزوقى بسعيه الدءوب للارتقاء بالمجتمع التونسى وحل جميع مشاكله وعلى رأسها مشكلة البطالة، التى اعتبرها مسألة كرامة قبل أن تكون مشكلة اقتصادية، وأنه سيقوم بتعويض ما فشل فيه المجلس التأسيسى الأول، حتى لا تضطر تونس لثورة أخرى، مشددا على أنه لن يتوانى حتى يبنى تونس دولة حرة قوية مدنية على أسس ديمقراطية ومجتمع تعددى متسامح نكتسب فيها مفاهيم العدل والحرية. وأشار المرزوقى إلى أنه سيعمل على تحقيق أهداف الثورة وحفظ الاستقرار والإسراع فى الإصلاحات العاجلة، وخلق مواطن العمل دون الغرق فى الديون، وتشجيع الاستثمار، وأن يعمل على تنمية المناطق المحرومة وإيجاد الموازنة العادلة والمصالحة، مؤكدا على أهمية الاحتفاظ وتنمية الهوية العربية الإسلامية للتونسيين، والانفتاح على كل الشعوب مع تنمية العلاقات بالغرب والشرق وبالجنوب، كما أكد أنه سيحمى كافة الحريات والمنتقبات والمحجبات والسافرات وأن يحترم التعددية الفكرية فى المجتمع التونسى وعدم المساس أو انتهاك أى حرية. وتابع المرزوقى أنه نتيجة لتحمله مسئولية الشعب التونسى فإنه يستقيل من حزب المؤتمر، منبها إلى عدم سماحه لحدوث أى ثورة مضادة ضد الثورة التونسية المجيدة التى قامت فى 17 ديسمبر، وأفرزت عن ميلاد جديد للجمهورية التونسية الديمقراطية. وأنهى المرزوقى خطابه بالدعاء لشعوب سوريا واليمن وفلسطين التى تواجه ما أسماه بالاحتلال الداخلى والخارجى، كما دعا إلى ليبيا بأن تتجاوز خلافاتها وتتجه نحو بناء المستقبل. وجاء فوز المرزوقى بواقع بأغلبية 153 صوتاً من أعضاء المجلس التأسيسى، من أصل 202 صوت، جرى الإدلاء بها خلال الجلسة التى عقدت مساء أمس الأول، وتم تسجيل 44 ورقة بيضاء، إلى جانب صوتين متحفظين، وثلاثة أصوات معترضة. وبينما لجأ معارضون للتصويت ب"ورقة بيضاء"، توجه المرزوقى فى كلمته إلى المعارضة بالقول إن احتفاظ بعض النواب بأصواتهم جزء من "لعبة الديمقراطية"، وأضاف: "وجودكم ضرورى ورسالتكم وصلت"، وتعهد بالحديث أكثر فى كلمة مطولة يلقيها الثلاثاء، بعد أدائه اليمين الدستورية.
