فى الوقت الذى أراد فيه الشعب إسقاط النظام، أرادت إسقاط الملابس كنوع من التغيير ولأن الملابس خنقتها على مدى 20 عاما، قررت اليوم تنحيتها جانبا. علياء المهدى، فتاة تبحث كما أعتقد عن الشهرة والاختلاف والذات، تحولت بين ليلة وضحاها إلى وجه يعرفه يسبه ويلعنه أو يشيد بجرأته كل من قرأ خبر ظهورها عارية فى إحدى الصور التى نشرتها على مدونتها "مذكرات ثائرة". سؤال يرد فى خواطرنا وهو ماذا أرادت علياء أن تقول بظهورها عارية أمام ملايين مستخدمى الإنترنت فى العالم العربى والأجنبى؟؟ سؤال محير وقد يكون بسيط بالنسبة لها، قالت ظهرت عارية لأعبر عن حريتى الشخصية، فجسدى يخصنى أنا وحدى ولى أن أظهره كما أشاء ولا أحد يمتلك السلطة عليه إلا أنا!! إنها برأيى صدمة الحرية، كالصدمة الثقافية تماما، والتى تصيب الأشخاص الذين ينتقلون من عالم إلى عالم آخر، فمن ينتقل للعيش من مجتمع محافظ جدا تحكمه التقاليد والأعراف والأديان والرقابة إلى عالم آخر منفتح تمام، حيث كل شىء مباح يصاب بهذا النوع من الصدمات!!! خطاب العرى!! كل ما يتم قوله أو كتابته أو إظهاره بالصور هو نوع من أنواع الخطاب، وصورة علياء العارية هى خطاب بحد ذاته، فالرسالة تحت الصورة تقول "حاكموا الموديلز العراة الذين عملوا فى كلية الفنون الجميلة حتى أوائل السبعينات وأخفوا كتب الفن وكسروا التماثيل العارية الأثرية ثم اخلعوا ملابسكم وانظروا إلى أنفسكم فى المرآة وأحرقوا أجسادكم التى تحتقروها لتتخلصوا من عقدكم الجنسية إلى الأبد قبل أن توجهوا لى إهاناتكم العنصرية أو تنكروا حريتى فى التعبير".فالهدف من نشر تلك الصورة برأى ناشرتها هو الحق فى حرية التعبير، والتخلص من عقدة الجنس التى تحجب أحيانا المرأة وراء الشمس، إلا أنها نسيت أنه لا يوجد حرية مطلقة فى أى مكان فى العالم، وأن الطبيعة البشرية لا تستطيع العيش هكذا بإباحية، فيوم قرر الإنسان العيش ضمن العقد الاجتماعى بإرادته، قرر ذلك لأنه لا يريد حياة الفوضى، ولأنه بحث عن قانون يعيش فى ظله وينظمه.يقول جون ستيوارت ميل أن السبب الوحيد الذى يجعل الإنسانية أو جزء منها تتدخل فى حرية أو تصرف أحد أعضاءها هو حماية النفس فقط، وإن السبب الوحيد الذى يعطى الحق لمجتمع حضارى فى التدخل فى إرادة عضو من أعضائه هو حماية الآخرين من أضرار ذلك التصرف. إذن إنه الخلل فى فهم معنى الحرية، فالشعوب التى عاشت مقهورة مقموعة، وفجأة وقعت فى سلة الحرية دون أى جاهزية لنا أن نتوقع منها أكثر من ذلك، إنها مرحلة التوهان فى البحث عن أنواع الحرية التى لم نكن لنسمع عنها أيام القمع وكأن الناس من شدة العطش للحرية تود لو تشرب الحنظل لترتوى!! إن الشعوب التى عوملت على أنها قطعان يتم تسييرها وفقا لإرادة الحكام استفاقت على حقيقة جديدة "الحرية" فماذا تفعل بهذا المنتج الجديد، فهى لم تذق طعمه قبلا، تسلقه؟ تقليه؟ تضيفه للأرز؟؟ إنها شعوب تائهة بحاجة إلى إعادة تأهيل لتفهم معنى أن تكون حرة حتى لا تنجرف وتتصرف على هواها فتخرج هذه عارية والآخر يقتل صديقه، لأنه اعتدى على حريته الشخصية وثالث يفتح الدى جى ليل نهار على آخره، وإن سألته قال لك أنا حر، ورابع وخامس وهكذا!!!