إبراهيم عيسى: مصر تتعرض لهجوم واستفزاز.. وتقرير CNN "بلاهة ووقاحة"    لبيب: الفوز بالكونفدرالية يمنح إنبي 100 ألف دولار.. وتحقيق داخلي بسبب أحداث النهائي    تقديم رياض الأطفال بالمدارس الحكومية 2024 /2025.. تعرف على الضوابط والمستندات    عامر حسين: نرحب بالأندية الموافقة على خوض كأس مصر بدون الدوليين.. وإلغاء المسابقة شائعات    استمرار التطوير وإزالة المخالفات بجنوب الغردقة    تعرف علي امنية أسماء جلال في عيد ميلادها    مخرج فيلم بنقدر ظروفك: أحمد الفيشاوي ملتزم وبييجي قبل ميعاد تصويره بساعة    القاهرة الإخبارية: مظاهرة في القدس المحتلة للمطالبة بصفقة تبادل للأسرى والمحتجزين    إلهام شاهين بختام إيزيس : أتمنى أن تقام الدورة القادمة فى فلسطين الحبيبة    مساعد رئيس هيئة الدواء: صادراتنا من المستحضرات الدوائية تجاوزت 1.5 مليار دولار    "جوزي بيحب واحدة متجوزة".. رسالة من سيدة ورد حاسم من أمين الفتوى    صندوق النقد الدولي يبدأ المراجعة الثالثة على برنامج الإصلاح الاقتصادي المصري    بروتوكول تعاون بين "الجلالة" و"سيمينز" لتعزيز التعليم في التصوير الطبي    "شوف هتعيد امتى".. هيئة الأوقاف تُعلن موعد عيد الأضحى 2024 في السعودية    تسيير حركة المرور بالطريق الصحراوي الغربي عقب توقفه لأكثر من ساعة    ضبط متهم بإدارة كيان تعليمي «وهمي» في الإسكندرية    وزير الخارجية البحريني يؤكد أهمية زيارة الملك حمد بن عيسى إلى روسيا    نائب جامعة الأزهر: سيكون لنا نصيب كبير فى التصنيفات العالمية للجامعات (فيديو)    الوفد: حريصون على توعية العمال بدور الدولة في الحفاظ على حقوقهم    سهير جودة تنتقد الهجوم على صلاح: البعض يرغب في اغتياله معنويًا    الأحد المقبل.. برنامج العودة إلى الجذور يكرم أبو الحسن سلام بالإسكندرية    جريزمان يحسم موقفه من الرحيل للدوري السعودي    هل يجوز بيع جلد الأضحية؟.. الإفتاء توضح    أمين صندوق الاتحاد الإفريقي للساق الواحدة: مباراة مصر والمغرب ذات طابع تاريخي    من برجك- تعرف على اضطراب الشخصية الذي تعاني منه    التحريات تكشف ملابسات واقعة اختطاف شاب وإجباره على توقيع إيصالات أمانة بالمقطم    سوناك يدعو إلى إجراء انتخابات عامة في 4 يوليو    أتالانتا ضد باير ليفركوزن.. التشكيل الرسمى لقمة نهائى الدورى الأوروبى    لدايت أسهل.. طريقة عمل سلطة الفاصوليا البيضاء    انطلاق فعاليات مبادرة «سلامتك تهمنا» بزراعة المنيا    كلاكيت تاني مرة.. سلوى عثمان أمام دنيا سمير غانم في فيلم روكي الغلابة    ماذا تفعل حال تسجيل مخالفة مرورية غير صحيحة على سيارتك؟    ما سبب وجود رائحة عند تشغيل التكييف؟.. «اتخلصي منها في خطوة»    لينك نتيجة الصف السادس الابتدائي 2024 الترم الثاني    مانشستر يونايتد يحدد موعد إقالة إيريك تين هاج ويحدد البدائل    رئيس لجنة الثقافة: مصر تمارس أقصى درجات ضبط النفس مع إسرائيل    أمين الفتوى يوضح أفضل أعمال العشر الأوائل من ذي الحجة: هذا اليوم صيامه حرام    بعد انتهاء الانتخابات.. ننشر قائمة مجلس إدارة غرفة المطاعم السياحية    وزارة الصحة تقدم نصائح للحماية من سرطان البروستاتا    توقيع بروتوكول لعلاج 2000من العاملين بشركات القابضة الكيماوية    6 يونيو المقبل الحكم بإعدام المتهمة بقتل طفلتيها التوأم بالغردقة    الجارديان: وفاة رئيسي قد تدفع إيران لاتجاه أكثر تشددًا    اتصالات النواب: البريد من أهم ركائز الاقتصاد الوطني وحقق أرباحا بمليار و486 مليون جنيه    الأهلى يرفع راية التحدى أمام الترجى كولر يحذر من لدغات الخصم المفاجئة.. ويطالب بالحسم المبكر    السكة الحديد: تخفيض سرعة القطارات على معظم الخطوط بسبب ارتفاع الحرارة    مجلس الوزراء يبدأ اجتماعه الأسبوعي بالعاصمة الإدارية لبحث ملفات مهمة    موعد نتيجة الشهادة الإعدادية 2024 بورسعيد    مسابقة 18 ألف معلم 2025.. اعرف شروط وخطوات التقديم    أبرزهم بسنت شوقي ومحمد فراج.. قصة حب في زمن الخمسينيات (صور)    عاجل..توني كروس أسطورة ريال مدريد يعلن اعتزاله بعد يورو 2024    أدعية الحر.. رددها حتى نهاية الموجة الحارة    افتتاح ورشة "تأثير تغير المناخ على الأمراض المعدية" في شرم الشيخ    للمرة الأولى منذ "طوفان الأقصى".. بن جفير يقتحم المسجد الأقصى    واشنطن بوست: خطة البنتاجون لتقديم مساعدات لغزة عبر الرصيف العائم تواجه انتكاسات    الصحة: برنامج تدريبي لأعضاء إدارات الحوكمة في مديريات الشئون الصحية ب6 محافظات    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 22-5-2024 في المنيا    استعدادات مكثفة بموانئ البحر الأحمر لبدء موسم الحج البري    اليوم.. «اتصالات النواب» تناقش موازنة الهيئة القومية للبريد للعام المالي 2024-2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العالم الكبير أحمد زويل يتحدث إلى الأمة..أعلم أننا لم نكمل مسيرة الثورة ولكن لابد من القضاء على البكتيريا السياسية..وأرى أن ثلاثية خريطة الطريق هى: الحكم الرشيد والنهضة العلمية والمجتمعية المصرية
نشر في اليوم السابع يوم 05 - 11 - 2011

تنشر «اليوم السابع» النص الكامل للحديث التاريخى الذى أدلى به العالم المصرى الكبير الدكتور أحمد زويل للتليفزيون المصرى مؤخراً، والذى يضع فيه علامات على طريق النهوض بمصر والالتحاق بالعالم الحديث. ويبدو العالم المصرى الكبير متفائلا بالمستقبل، ومتفائلا بما أنجزته ثورة 25 يناير العظيمة، لا يكتفى بتحليل الوضع القائم، لكنه يضع علامات مهمة على الطريق نحو المستقبل، السياسى والاقتصادى والفكرى.
العالم الكبير يقدم قراءة لواقع مصر ونقاط القوة والضعف، دون تهوين ولا تهويل، فى وقت تتزايد فيه حالة من التشاؤم، والقلق، يبدو العالم الكبير متفائلا، وقادرا على تفهم وقراءة خارطة الطريق.
العالم الكبير الدكتور أحمد زويل، يقدم قراءة إيجابية، ويشير إلى أن البناء السياسى سوف ينجح من خلال تبنى خارطة طريق علمية، مؤكدا أن العلم هو الذى يحل مشكلات التنمية وأيضا مشكلات السياسة.. رسالة تاريخية مهمة من عالم كبير، يصر على القيام بدوره بالرغم من مشاغله الكثيرة.. تمثل خارطة طريق دقيقة وعلمية، ورسالة إلى أصحاب القرار والسياسيين، وهدية غالية من ابن مصر العظيم الدكتور أحمد زويل.
مساء الخير، كل عام والأمة بخير وسلام، أنا سعيد بحديثى اليوم إلى الشعب المصرى العظيم، الذى أتشرف بأننى أحد أبنائه، ومثلما تعلمون، أنا تحدثت إليكم بعد أيام قليلة من قيام ثورة 25 يناير، وطالبت عبر بيان أذيع للشعب المصرى فى هذا الوقت بوضوح بتنحى الرئيس السابق محمد حسنى مبارك، ثم بعد ذلك كنت بين أبناء هذا الشعب والتقيت بشباب الثورة، حتى جاء اليوم التاريخى، يوم التنحى فى 11 فبراير، وكان لى الشرف أن أتحدث فى التليفزيون المصرى فى أول يوم بعد التنحى، يوم 12 فبراير، مباشرة إليكم.
فى هذا الوقت بعد التنحى رأيت وعشت الفرحة والبهجة مع أبناء الشعب المصرى، وأتذكر فى صورة لا تنسى، بكاء الفرحة، من جميع طوائف الشعب، المتطلع إلى أمل جديد وفجر جديد ولمصر الجديدة.
ولكن بعد شهور قليلة من هذه الثورة المجيدة أرى الآن أن البهجة تتراجع والأمل لم يعد كما كان، وهذا هو سبب حديثى إليكم فى هذا المساء، نحن جميعا فى حاجة لعودة الروح وعودة الأمل، وأود الإشارة إلى أن مصر قد شهدت فى تاريخنا الحديث أربع ثورات، ثورة عرابى1881، وثورة سعد زغلول 1919، وثورة يوليو 1952، وثورة 2011، هذه الثورات كانت من أجل إنهاء احتلال أجنبى، أو من أجل تغيير نظام سياسى، ومن أجل حياة أفضل، وكانت ثورة الخامس والعشرين من يناير من أعظم الثورات ليس فقط على المستوى المحلى، ولكن أيضا على المستوى العالمى، إنها ثورة حضارية، ألهمت العالم أجمع، ثورة عصرية استخدمت أحدث أدوات عصر التكنولوجيا، وثورة شاملة التحم فيها جيش مصر العظيم بشعب مصر العظيم، المسلم والقبطى، الرجال والنساء، الكبار والصغار، لكن كانت ثورة بدون رئيس أو زعيم، وعليه هناك الآن آراء مختلفة.. انقسامات وخلافات، وتيارات جديدة وأيديولوجيات جديدة وقديمة، هذا بالإضافة إلى أنه فى تاريخ كل الشعوب، تمر الثورات بمراحل صعبة، وأيضا بجانب هذا كله كانت التوقعات عالية جدا لدى الشعب بعد الثورة، الشعب الذى عانى من الحكم الشمولى خلال ثلاثين عاما.
وإننى أشبه هذا الوضع الحاصل فى مصر اليوم بإنسان مريض كان لديه ورم أو سرطان فى المخ، وقام بعض الأطباء الماهرون، وبدءوا يجرون له جراحة لاستئصال هذا الورم، عملية دقيقة جدا لأنها فى المخ، ولكن تمت الجراحة واستأصلوا الورم، ليست هذه النهاية لأن المريض موجود فى حجرة أو مستشفى ملوثة، فيها بكتيريا كثيرة ولا يمكن أن يشفى هذا المريض إذا كانت البكتيريا ستبقى على ما هى عليه، فاستئصال الورم نفسه لا يعنى نجاح العملية، وشفاء المريض، وفى هذا التشابه يمكن القول إن الثورة قد نجحت فى استئصال ورم النظام السابق.
ما هو النجاح الذى عملناه باستئصال الورم الذى كان يسبب العجز الفكرى والعلمى والاقتصادى وكل ما يعانيه المريض، النجاح الذى حققته مصر نتيجة استئصال الورم، إن مصر الآن تحاكم صناع الفساد، ومصر الآن العالم كله يحترم إرادة شعبها، ومصر الآن سوف يحكمها رئيس لا يمكن أن تزيد مدته على أربع سنوات للفترة، وأكبر مدة هى 8 سنوات، كل هذا يجعل مصر الآن تحلم بمستقبل جديد فى التعليم والثقافة والإنتاج، على المستوى العالمى.
لكنى أيضا أعلم أننا لم نكمل مسيرة الثورة إلى الآن، ولابد من القضاء على البكتيريا من أجل أن يقوم المريض ويستطيع أن يصحو ويتحرك وينتج ويعيش حياة كريمة.
إننا نواجه تحديات كبيرة مثل الانتخابات وآلياتها، والدستور الجديد ومحتوياته، الأمن الداخلى والاستقرار، والوضع الاقتصادى، وقانون الطوارئ، وحرية الفرد والإعلام وخلافه، ولكن - الإخوة والأخوات - عندنا الآن خيارين، إما أن نترك البكتيريا تنتشر وتنقسم ونترك المريض بدون شفاء، ونتحدث عن البكتيريا وألوانها وأنواعها، أو نشارك فعليا فى القضاء على البكتيريا، وهذا لن يحدث فى رأيى إلا إذا تجمعت القوى الشعبية حول هدف واحد، وهو انتقال مصر إلى الديمقراطية الحقيقية.
وفى تقديرى أن أخطاء الماضى سوف يتعامل معها التاريخ، وسوف يتعامل مع الأشخاص الذين جعلوا أيدلوجياتهم الشخصية فوق المصلحة العامة للبلاد ومستقبل مصر، ولكن حان الوقت لأن يتحد المصريون لإنجاح الانتخابات القادمة، عن طريق المشاركة الفعالة لأكبر عدد من المواطنين، يقدر بحوالى 50 مليون مصرى لهم حق التصويت، يمكنهم بل يجب عليهم أن يشتركوا فى إنجاح الانتخابات، لأن وصولنا لمجلس شعب حقيقى بالطريقة الديمقراطية الحقيقية أعتقد أنها ستكون خطوة مهمة جدا فى هذه النقلة الديمقراطية لمصر، وأنا أرى بكل أمانة أنه لا داعى للخوف من تشكيلة المجلس القادم، والخوف من الإخوان المسلمين أو «أى تيارات سياسية مختلفة» وغيرهم فى مقاعد البرلمان القادم، وأقول: إن كل بلاد العالم بما فيها الديمقراطيات العريقة مثل أمريكا فيها أنواع الطيف السياسى المختلفة، بما فيها اليمين المتحفظ، الذى تبلغ نسبته أكثر من 30% وفى هذا السياق مصر لا تختلف عن بلاد مثل ألمانيا، ففى زيارة لباريس قبل يومين التقيت بجريهارد شرودر الذى كان مستشارا لألمانيا، وتطرق الحديث إلى مصر والتيارات الإسلامية، فقال إن وجود الجماعات والتيارات الإسلامية فى مصر لا يختلف كثيرا عما يحدث فى ألمانيا.
وأنا أرى أن الأساس فى هذه العملية هو التحول الديمقراطى الحقيقى وإذا لم يقبل المصريون مجلس الشعب القادم، يمكنهم تغييره، وإذا لم يقبلوا رئيس الجمهورية القادم، فإنهم يستطيعون تغييره كذلك، طالما توفرت ديمقراطية حقيقية تضمن انتقال السلطة وحرية التصويت.. وبنجاح الانتخابات البرلمانية نكون قد انتهينا من الجزء الأكبر من أطياف البكتيريا، بعد استئصال الورم، ونكون نجحنا فى أن يبدأ المريض حياة سليمة تعود به للاستعداد للعمل فى مناخ صحى.
لكن هناك مشكلة أخرى وهى مع أننا قد استأصلنا الورم وقضينا على البكتريا فإننا لم نغير العقل وطريقة التفكير، بعد عقود من الزمن كان الورم متفشيا فى المخ، فقد كان التعليم والفكر والثقافة لمدة 30 عاما فى حالة تدهور وعدم اهتمام وأصبحت أعراضه جزءا مؤثرا فى الحياة المصرية، وبالتالى لا يمكن تغيير ما حدث إلا بالعلم والبحث العلمى، ولا أرى طرقا أخرى لتغيير مصر وعمل نهضة حقيقية للبلاد، إلا إذا تجمع الشعب المصرى حول مشروع قومى هدفه هو بناء مصر ما بعد الثورة من المدرسة إلى الإنتاج.
ولقد فضلت ألا أتحدث فى الإعلام عن المشروع القومى للنهضة العلمية - مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا - إلى أن نصل إلى إنجازات ملموسة وخطوات إيجابية، وهذا بالفعل ما حدث وأرغب الآن فى استعراضه مع الشعب المصرى فى هذا الحديث والذى يذاع على الهواء للملايين من للمشاهدين.
إن شعارنا فى مدينة زويل «مصر تستطيع» «Egypt Can»، وبالتأكيد مصر تستطيع، خاصة أن النجاحات ليست بجديدة على مصر وعبر آلاف وملايين السنين وحتى عقود سابقة، كما تعلمون تاريخنا حافل بإنجازات مذهلة منذ حضارة العصر القديم التى كانت مصر فيها منارة الحضارات ثم حضارة الإسكندرية، ثم العصر الإسلامى ثم نهضة فترة محمد على، وأخيرا الإنجازات والأحلام المتعلقة بالعصر الحديث الذى نعيش فيه الآن، ففى هذه الأرض منذ 6 آلاف عام، «وبالتحديد فى 4240 سنة قبل الميلاد»، عرّف بدقة معنى الزمن، وهو أساس التقويم الزمنى calendar ويعمل به حتى وقتنا هذا، كتقويم شمسى منضبط ودقيق، وبعد 6000 سنة، كان لى الشرف أن أكون مشتركا فى «تقسيم الزمن»، حيث قمنا بتقسيم الثانية الواحدة إلى مليون من بليون وحدة زمنية تعرف بالفيمتو ثانية، وذلك لرؤية التفاعلات الكيميائية والبيولوجية التى تحدث فى الطبيعة.
أما فى فترة حضارة الإسكندرية التى كانت مركز التحضر العالمى آنذاك حيث ذهب إليها عمالقة الفكر والعلم كما يذهب الآن الباحثون عن المعرفة إلى أمريكا وأوروبا، وأصبحت مكتبة ومتحف الإسكندرية مركز الاكتشافات العلمية، وأيضا التنوير الفكرى، ومن أبرز الشخصيات فى هذه الفترة يوكلد وأرشميدس، وكذلك هباتيا السيدة التى حاضرت فى الفلسفة والرياضيات وغيرهم، أما عن الحضارة الإسلامية فلا أحد ينكر الدور الحيوى الذى لعبته فى نهضة أوروبا ودور العلماء الذين أثروا فى تطور البشرية، وهم من أمثال الحسن بن الهيثم والخوارزمى وابن سينا وابن رشد وغيرهم، على سبيل المثال الحسن بن الهيثم الذى ولد فى العراق وعاش فى مصر كان من أهم العلماء حيث ساهمت نظرياته فى وجود علم «التصوير» وفى تفهم آلية الرؤية البصرية، وفى العمل الجديد لمجموعتى العلمية التى تمكنت به من رؤية المادة فى المكان والزمان - الميكروسكوب رباعى الأبعاد - كانت أعمال ابن الهيثم ملهمة.
وإذا تحدثنا عن تاريخ مصر الحديث فقد بدأ بتولى محمد على حكم مصر، واستطاع هذا الوالى الذى لم يولد فى مصر، النهوض بمصر، لا لشىء سوى أنه كان حاكما ذا رؤية وعرف قدر العلم فى الوصول إلى التقدم ونهضة الأمم، فكان لدينا رفاعة الطهطاوى، والشيخ محمد عبده فى المقدمة، ثم طه حسين، وتوفيق الحكيم، ونجيب محفوظ فى الفنون والآداب وفى الفن أنجبت مصر عمالقة من أمثال أم كلثوم وعبدالوهاب، وفى العلم الدكتور مصطفى مشرفة والدكتور أحمد مصطفى، وتأسست مؤسسات عريقة، فجامعة القاهرة يمتد تاريخها لأكثر من 100 عام، ومؤسسة الأهرام من أكبر المؤسسات فى مجال الطباعة والنشر، وعلى مستوى السينما كنا روادا فى صناعة السينما والمسرح، كل هذا - وهى أمثلة فقط - جاء نتيجة لما بدأ بنهضة محمد على، الذى تفهم دور العلم الأساسى فى النهضة، على الرغم من أنه كان أميا.
أما عن جيلى، فنحن من جيل ثورة 52، وكنا نحلم ببناء مصر - أم الدنيا - عن طريق مشاريع عملاقة مثل السد العالى، وصناعات ضخمة، منها الحديد والصلب، ودخول عصر الطاقة النووية، وفى هذه الفترة لم يكن التعليم سيئاً، ونحن تعلمنا جيداً فى مصر ولكن الانحدار فى التعليم بدأ فى هذه الفترة ووصل ذروته فى آخر عشر سنوات.
لقد كنا قوة عظمى فى المنطقة، فى الثقافة والعلوم والفنون والآداب وغيرهما ولكن لا يمكن أن ننسى هزيمة 67، وأعلم جيدا الانكسار والنكسة التى أصابتنا عقب النكسة، ولكن عظمة مصر أننا فى 6 سنوات انتصرنا فى تحرير الأراضى المصرية فى حرب أكتوبر 1973 وهو انتصار ليس سهلا الحصول عليه بالمقاييس العالمية، ومن يحاول أن يقلل منه ابتعد عن الموضوعية فى التاريخ، لسوء الحظ لم يكتمل النصر، حيث تم حكمنا بعد الحرب بنظام شمولى لمدة 30 عاما أفسد الحياة السياسية فى مصر، ولذلك فإن الحل الآن هو الوصول إلى الديمقراطية بمفهومها الحقيقى لنتمكن من العبور إلى آفاق القرن الواحد والعشرين.
وفى المجال العلمى والإنتاج الأمر لا يختلف عن الوضع السياسى.. إن أحدث تقرير صادر عن مؤسسة كبيرة فى أمريكا اسمها «تومسن رويترز» طلبت منى كتابة المقدمة الخاصة له، يفيد بأن التقدم الذى تشهده حاليا منطقة الشرق الأوسط المتعلق بالتقدم والإنتاج العلمى منحصر فى دول خارج المنظومة العربية، تركيا فى العشر السنوات الأخيرة تشهد تقدما كبيرا وتليها إيران، وللأسف مصر والسعودية وغيرهما من بلاد عربية تقريبا كما هى دون تقدم منذ عام 2000 حتى الآن، فضلا على ترتيب الجامعات المصرية عالميا الذى يعيب مكانتنا، حيث وصلنا تقريبا للمرتبة ال500 أو أصبحنا خارج الترتيب، فى حين يجب أن نكون فى قائمة 10 أو 20 من الدول الأولى، خاصة أن التاريخ يثبت أننا بلد غنى بالعنصر البشرى، وهذا الوضع سوف يتغير عندما يكتمل المشروع القومى الذى سعدت بإحيائه منذ شهور قلائل، وهناك بشائر جديدة سوف أتحدث عنها.
إننا الآن فى مرحلة تاريخية ولابد من الخروج من حالة الثورة إلى حالة النهضة، وفى تقديرى هذا ممكن عبر طريق ثلاثية خريطة طريق المستقبل.
أولا «الحكم الرشيد»، هذا يشمل إنشاء المؤسسات الديمقراطية الحقيقية فى مصر، ونتحد جميعا على أن نساعدها على النجاح.
ثانيا «النهضة العلمية»، فلا يمكن أن نعبر بوابة القرن الواحد والعشرين من غير أن نصنع نهضة علمية تشمل التعليم والبحث العلمى، وهما الأساس لنهضة فى الإنتاج.
ثالثا «المجتمعية المصرية»، وهذا يتطلب تحديث الإعلام والثقافة ليشترك مجتمعنا فى الفكر والحوار البناء، والعمل الجاد من أجل صالح البلاد.
هناك من يسأل لماذا نريد عمل نهضة علمية؟ البعض يقول إن مصر بلد فقير لا يمكنه عمل أبحاث علمية، ومن يقول أيضا إننا دولة فقيرة، مع أننا نبنى مدنا للاستجمام بالمليارات، ولكن الحقيقة تظهر أن هناك علاقة طردية بين الاستثمار فى البحث العلمى والإنتاج القومى، فعلى سبيل المثال البحث العلمى الذى أدى إلى اكتشاف الإلكترون فى نهاية القرن ال19، بدونه ما وجدت الترانزيستورات والليزر والكمبيوتر وأشياء أخرى مثل التصوير المغناطيسى المستخدم فى معظم مستشفيات العالم، ويقدر إنتاج العالم المعرفى الآن نتيجة هذه الاكتشافات ب70% من حصة الاقتصاد العالمى.
ولكن خلق منظومة للبحث العلمى يتطلب أساسيات لا غنى عنها، وهذا ما قلته من 12 عاما وأقوله اليوم بالنسبة لمدينة زويل لعلوم والتكنولوجيا، أقول إننا لكى نبنى مشروعا بهذا الحجم وهذا التعقيد، لابد من وجود ما أسميه بالثلاثية التركيبية، وهى التركيبة الأكاديمية، والتركيبة القانونية، والتركيبة المادية، وبالفعل فإن التصور الأكاديمى واضح لنا، حيث إن المشروع ليس جامعة فقط تهتم بتدريس العلوم الحديثة ولا يزيد عدد الطلاب على خمسة آلاف، وإنما يحتوى على معاهد متميزة للبحث العلمى فى مجالات عدة، وأيضا ما سميناه «هرم التكنولوجيا» technology pyramid لربط البحث العلمى بالإنتاج القومى، هذه التركيبة الأكاديمية تكون نواة أساسية لدفع البحث العلمى والإنتاج والربط مع مراكز الأبحاث.
أما عن طبيعة العلوم التى ستدرسها الجامعة والمعاهد العلمية والبحثية الملحقة بها، فهناك أمثلة لبعض هذه المعاهد، والتى يبلغ عددها فى البداية من 6 إلى 12، تضم العلوم الطبية، حيث لا يمكن لبلد مثل مصر، تعانى من مشاكل صحية، مثل أمراض الكبد والقلب ألا يكون لديها أفضل ما توصل إليه العلم فى العلوم الطبية، كما أنه سيكون لدينا معاهد فى علوم النانو، ومعاهد متخصصة فى العمل فى تكنولوجيا البيو داخل الخلية، حتى نعرف ماذا يحدث بداخلها بأحدث ما توصل إليه العلم، ولا يمكن لبلد مثل مصر تكون فيها الطاقة الشمسية موجودة تقريبا طوال اليوم، ولا يوجد لدينا أحدث ما توصل إليه العلم فى الطاقة البديلة والسلمية، وبناء مثل هذه القاعدة يمكننا أن ننظر لعلوم مستقبلية فى الفضاء الكونى وغيره من علوم أخرى، أما بالنسبة لهرم التكنولوجيا فإنه سيكون بمثابة «حدائق» يمكن للباحثين أن يطبقوا نتائج الأبحاث لاستخدامات عملية تخدم الإنتاج، كما أنه سوف يجذب شركات محلية وعالمية للعمل فى تكنولوجيات متطورة.
وهذه المفاهيم أساسية ودرست منذ قيام فكرة المشروع فى 1999 وعندما سنقوم بافتتاح المدينة سنذكر بالتاريخ متى بدأنا المشروع وفكرته، ونذكر أيضا أسماء السيدات والسادة الوزراء الذين ساهموا فى إقامة المشروع ودور رئيس الوزراء والمجلس العسكرى فى الوصول إلى هذه المرحلة من مشروع «مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا»، مشروع ليس هدفه الربح فأى أموال ستأتى للمدينة نتيجة للأبحاث والإنتاج سيتم توظيفها بالكامل فى المدينة، وبعد أن أقر مجلس الوزراء مشروع القانون الخاص بالمدينة قمنا بتشكيل مجلس الأمناء الذى سوف يضع المنظومة الإدارية والأكاديمية والمالية ويساهم فى تطوير المشروع بالرؤية العالمية، وفى أقل من أسبوع استطعنا تكوين مجموعة عالمية منهم 6 حاصلون على جائزة نوبل فى الاقتصاد والطبيعة والكيمياء والطب.. وتضم المجموعة رئيس أكبر مؤسسة علمية فى الصين، ومن مصر الدكتور محمد العريان، وهو مصرى مقيم فى الخارج، والدكتور مجدى يعقوب، والدكتور محمد أبوالغار، والدكتور فاروق الباز والدكتورة لطفية النادى، والدكتور مصطفى السيد، والاقتصادى الدكتور أحمد جلال، والدكتور محمد غنيم، والدكتور أحمد عكاشة، والدكتور فتحى سعود رئيس مؤسسة قطر، والقانونية السيدة منى ذو الفقار وشخصيات أخرى.
وهذا المشروع الكبير الذى لا يهدف للربح ويتم العمل به طبقا للكفاءات والقدرات لا يمكن أن يكتمل بدون جمع التبرعات والوقف المالى، فضلا على الدعم الحكومى، وأشير هنا إلى جامعة كالتاك الأمريكية التى يبلغ الدعم السنوى للبحث العلمى فيها حوالى 600 مليون دولار، ولديها 300 عالم، أى أن كل عالم يحتاج إلى تمويل كلى يبلغ مليونى دولار أكثر من نصفه يحصل عليه عن طريق تمويل grants من مؤسسات حكومية مختلفة، وبالمناخ العلمى والقدرات المميزة، بجانب التمويل، استطاعت جامعة كالتك أن تحصل على 35 عالما حاصلين على جائزة نوبل فى العلوم والطب، ونحن نحتاج فى البداية لمشروع مدينة زويل إلى بليون دولار وقف مالى وآخر لبناء المدينة والتمويل البحثى.
والحقيقة أن أكبر تبرع أعطانا دفعه كبيرة كان من مصرى عظيم هو الدكتور حسن عباس حلمى الذى تبرع ب250 مليون جنيه مصرى، ثم الدكتور محمد العريان الذى كان أول من تبرع ب30 مليون، وقد وقعت بصفتى رئيسا لمجلس الأمناء وثيقة مع البنك الأهلى المصرى بقيمة 250 مليون للمشروع القومى المصرى، هذا بجانب شراكة فعالة فى هرم التكنولوجيا ومشروعات أخرى.
وأريد أن أتوجه بالشكر لفضيلة المفتى الدكتور على جمعة الذى أصدر فتوى من دار الإفتاء تبيح شرعية الزكاة لهذا المشروع القومى غير الهادف للربح، كما خصصت مؤسسة «مصر الخير» الجزء المالى الخاص بالتعليم والبحث العلمى للمشروع، ومن أهم التبرعات التبرع الشعبى الذى قام الدكتور فاروق العقدة محافظ البنك المركزى بفتح حساب برقم 10001000 له ويتم التبرع حاليا عن طريق 40 بنكا، وأكثر ما أثلج صدرى هو أن فتاة فى سن العاشرة تقريبا فخورة بصورة وهى تحمل فى يدها التبرع بعشرة جنيهات، كما يوجد شباب طبعوا تى شيرتات للإعلان عن المشروع فى القرى والمدن، وهناك من قام بالحصول على أكثر من 500 ألف توقيع لمساندة مشروع المدينة والمبانى والمساهمة الأولية، هذا بالإضافة إلى دور الحكومة فى تخصيص الأراضى والمبانى والمساهمة الأولية، ومنذ تكوين مجلس الأمناء عقدنا اجتماعين للمجلس القومى للمدينة فى الشهور القليلة السابقة، وتم عمل تخطيط هندسى master plan ، والآن نعمل على عقد مجلس أمناء موسع فى ديسمبر من هذا العام على أن تبدأ الجامعة وبعض المعاهد البحثية فى 2012، وهدفنا فى المشروع هو إنتاج معرفة ثم رفع الإنتاج المصرى، وهذا لا يعنى أن المدينة هى جزيرة علمية، ففى كل بلاد العالم يوجد بعض المراكز المتطورة، ولكنها لا يمكن أن تلغى دور الجامعات الأخرى ومراكز البحوث، بل على العكس، الاثنان سيكملان بعضهما عن طريق شبكة علمية network تربط أعمال الباحثين وتعمل على نقل المعرفة والاستفادة من العلماء والباحثين فى البلاد، وعلوم المدينة هى علوم الحاضر والمستقبل، من الأحجام متناهية الصغر «الذرة والنانو» إلى الأحجام فائقة الكبر «الكواكب والمجرات» مرورا بالأحجام المتوسطة «علوم الحياة».
وأختتم حديثى اليوم بالقول: إن مصر تستطيع أن تعيد مجدها وتبنى مستقبلا جديدا بالعلم والعمل، إذا كنا قد بنينا الأهرام فإننا نستطيع بناء مشروع قومى يذكرنا بالإرادة فى بناء السد العالى العظيم، أنا على يقين تام وتفاؤل بأن مصر لن تعود إلى ما كانت عليه، فمصر التى كانت مهد الحضارات لابد أن تنهض مرة أخرى، ولابد من الوحدة الوطنية، الوحدة الوطنية الصلبة للوصول إلى ما تستحقه مصر الغالية، وفقنا الله جميعا لخدمة هذا البلد العظيم.
تعليقات وتساؤلات د. زويل أثناء اللقاء الفكرى عقب حديثه للأمة
لماذا هذا الانفلات فى الفتوى؟
فى ثوابت البحث العلمى.. عندما نكتشف شيئا جديداً لدينا طريقة مهنية وهى أن نبعث بالورقة العلمية إلى مؤسسات معترف بها ثم تحكم عن طريق علماء، وإذا كان هناك إجماع عن طريق البحث والمعلومات ينشر البحث، ويبقى الحكم النهائى للمجتمع العلمى، وبالمقارنة أنا لا أفهم الانفلات فى فتاوى الدين وفى استخدام الإعلام بدون مرجعية.. كيف وصلنا لهذا وكيف نواجهه؟
الثورة والأمل
على عكس ما حدث فى الماضى نتمنى أن يكون لرئيس مصر القادم الإرادة العملية والتفهم للدور الرئيسى لأهمية العلم فى رفع شأن البلاد، ومن أهم إنجازات الثورة أن الرئيس القادم مدته فى الحكم محدودة وسوف تنطلق الإبداعات والحريات عن طريق الحكم الرشيد ولن تصبح هناك مجموعات تتحكم فى القدرات المصرية والحياة الثقافية، ولقد بدأت المسيرة! فإنه لم يكن من الممكن أن ألقى خطابى اليوم لولا أن قامت ثورة يناير.. إن ما حدث فى مصر فى الفترة الماضية وأدى إلى تدهور العلم والثقافة والإنتاج هو لأننا عشنا عقودا دون رؤية واضحة لقدرات مصر، وهى فى رأيى الطاقة الكامنة للقوى البشرية المصرية.
المدن الإعلامية والمدن العلمية!
فيما يتعلق بالصرف والإنفاق على المدن الإعلامية فى مصر والعالم العربى كيف يكون هذا ببذخ ونحن لا يوجد عندنا مدن الإنتاج العلمى!
النهاية والبداية
لينا ألا ننظر للخلف ونبدأ بالتطلع للمستقبل لأن مصر تحتاج فى الفترة المقبلة إلى النهوض عن طريق خريطة مستقبل جديدة وبما أسميه ثلاثية المستقبل، وهى:
أولا «الحكم الرشيد» فلابد من أن توجد عندنا مؤسسات ديمقراطية حقيقية تؤمن بالوحدة الوطنية وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية.
ثانيا: «النهضة العلمية» فلا يمكن أن نعبر بوابة القرن الواحد والعشرين من غير أن نصنع نهضة علمية تشع التقدم والتنوير فى المجتمع أجمع.
ثالثاً: «المجتمعية المصرية» وهنا يجب أن يكون التحديث جذريا فى الإعلام والثقافة والعقلانية فى التفكير حتى تعود مصر إلى موقعها التاريخى - تاج العلاء فى مفرق الشرق!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.