على بعد 25 كيلو مترا جنوب غرب مدينة مرسى علم بالصحراء الشرقية، يقع أكبر منجم لاستخراج الذهب فى مصر بمنطقة جبل السكرى، ويشكل جبل السكرى تكويناً رائعاً يصل طوله إلى 2.3 كيلو متر، وعرضه 500 متر وارتفاعه 350 مترا عن سطح.. "اليوم السابع" اخترقت هذا المنجم ورصدت عملية استخراج الذهب ومراحل إنتاجه وتصنيعه حتى تصديره إلى الأسواق العالمية، بصحبة نخبة من الخبراء العاملين بهيئة الثروة المعدنية ومصلحة التمغة والموازين اليوم السابع ترصد تفاصيل الرحلة المثيرة بدأ تعامل شركة سنتامين الشريك الأسترالى بمشروع جبل السكرى على أرض الواقع، ببدء عمليات بحث استطلاعى لمناطق السكرى والبالغ مساحتها نحو 160 كيلو مترا مربعا من وسط الصحراء الشرقية، إلا أن الدراسات التفصيلية تركزت على جبل السكرى، وتحددت على أثر ذلك المساحة التى يتركز فيها معدن الذهب بشكل يسمح بالاستغلال الاقتصادى وحسبت كمية ما يمكن أن يتم استخراجه من الذهب منها، مما شجع على إعلان الكشف التجارى عام2001، على أن يبدأ الإعداد لإنتاج للذهب من هذا الموقع فى غضون عامين بمعدل 125 ألف أوقية سنويا تصل إلى 500 ألف أوقية بعد عامين آخرين، وذلك بإنشاء منجم مفتوح تصل طاقته الإنتاجية السنوية إلى مليون طن من الأحجار تزداد تدريجيا إلى 10 ملايين طن من الصخر الذى يحتوى على الذهب بمتوسط نحو 2 جرام فى الطن من الصخر فى غضون عشر سنوات. مراحل استخراج الذهب يتم استخراج الذهب من باطن الصخور بعد تفتيتها بمتفجرات شديدة الانفجار، ثم ينقل إلى غرفة الذهب وهى غرفة محكمة لا يسمح بدخول إليها سوى المسئولين عن عمليات السبك فقط، وهى غرفة محكمة ومراقبة من كافة الاتجاهات، يقوم مسئول الأمن والمخصص بحماية الغرفة وتفتيش المترددين عليها من العاملين أو مسئولى التمغة والموازين، ثم يتم تحليل الخام وقتها يكون عبارة عن طمى يسمى ب"الكيكة" ويتم صهره على درجة حرارة مرتفعة تتم آليا، ويتم وضعه فى صاجات وبعد تبريده يتم وزنه وعرضه على مجففات، ثم يوضع فى شكائر من "الخيش" ويتم صهره مرة أخرى، ويدون عليه أرقام وأكواد تبرز حجم السبيكة ووزنها. ويستخدم المصنع فى كافة هذه المراحل أكثر الوسائل التكنولوجية فى هذا المجال، وتبدأ الأنشطة بتكسير الصخور بواسطة الكسارة الدوارة العملاقة لخفض حجم الصخور، ثم تنقل الصخور عبر ناقل إلى مرحلة الطحن، حيث تستخدم ثلاثة مطاحن كبيرة لخفض الحجم بدرجة أكبر ثم تنقل الصخور المطحونة فى صورة شبة صلبة إلى خزانات الاستخلاص. يتم تعويم الذهب باستخدام الكيماويات لفصل محلول غنى بالذهب والذى يتم معالجته فيما بعد بتركيز صغير من سيانيد الصوديوم والكربون النشط لفصل الذهب من المحلول، ويتم فصل الذهب المتجمع على سطح الكربون وتحويله إلى صفائح باستخدام الخلايا الكهربائية ثم يتم تجفيف الصفائح وصهرها فى الفرن، ثم يتم صب سبائك الذهب وتنظيفها وختمها، حيث تحمل كل سبيكة رقم لسبائك منجم السكرى. بعد انتهاء عمليات استخلاص الذهب فى المصنع، تتم عمليات الفصل بالكامل فى غرفة فولاذية يطلق عليها غرفة الذهب وهى تخضع للمراقبة طوال 24 ساعة عن طريق 29 كاميرا تليفزيونية ترصد وتسجل المرحلة الأخيرة لصب وسبك الذهب، لضمان استحالة فقد جرام من الذهب بدون رصده، ويتم تصدير سبائك الذهب للتكرير والبيع فى السوق العالمية وتتقاسم الحكومة العائد مع المستثمر بعد استعادة تكلفة الإنتاج. الإجراءات الإنتاجية والتسويقية أثناء عملية سبك الذهب تؤخذ عينة يتم تحليلها فى معمل الشركة ومعرفة عيار الذهب والفضة، ويتم تحليل عينات أخرى لنفس السبائك عن طريق مصلحة التمغة والموازين المصرية والتابعة لوزارة التجارة والصناعة وإعطاء شهادة مدموغة بالوزن وعيار الذهب، وذلك فى وجود ممثل الشركة المسئول عن عملية نقل وتأمين الشحنة ويتواجد ممثلى الهيئة المصرية العامة للثروة المعدنية كمراقبين من أول عملية صب الذهب وحتى وضعه فى الحاويات الخاصة اللازمة لعملية الشحن، ويتم تحرير محاضر لكل من عملية صب الذهب موقعة من مسئول عمليات الشركة ومسئول الأمن وممثلى الهيئة المصرية العامة للثروة المعدنية، ويقوم رئيس مجلس الإدارة بإرسال مذكرة إلى رئيس الهيئة المصرية العامة للثروة المعدنية للموافقة على تصدير الشحنة بكل بياناتها من عدد السبائك والأوزان وتكرير وتنقية الذهب بهدف الوصول به إلى درجة نقاء أو عيار % 99.99 . تقوم هيئة الجمارك بمطار القاهرة بالتفتيش والاطلاع على كل المحاضر، للتأكد من الشحنة ومقارنتها بالتقارير والمحاضر المرفقة قبل التصريح لها بالإفراج، عند وصول الذهب إلى شركة التنقية يتم أخذ عينات من الشحنة وتحليلها لمقارنتها بالتحاليل المرفقة من الموقع الخاصة بالدمغة والموازين وكذلك معمل الشركة. دور مصلحة التمغة والموازين وعن دور مصلحة التمغة والموازين، قال مصطفى كمال رئيس قسم العينات بمصلحة التمغة والموازين، إن دوره يتمثل فى أخذ عينات من كل سبيكة ووزنها ثم تسجيل الوزن فى دفاتر المصلحة وتسجيل رقم السبيكة ورقم الكود، ويتم تحليل العينة ثم ردها إلى الشركة مرة أخرى وتحديد عيار السبيكة، وعادة تكون عينات الذهب لمنجم السكرى عيار 21 وأخرى تصل إلى 875 وهى تعتبر من أجود أنواع الذهب. وأشار مسئول مصلحة التمغة إلى صعوبة تهريب ذهب السكرى خاصة مع حجم الحراسة المشددة على المصنع، بالإضافة إلى تدوين رقم كل سبيكة بالمصلحة منذ بدء عمليات الإنتاج، حيث يوجد تسلسل لدى الهيئة بكل السبائك التى تم سبكها. وأضاف بخيت على محمد مسئول بمصلحة الموازين والتمغة، أنه يعمل على تشميع السبائك بالشمع الأحمر بعد أخذ العينات منها ووضعها فى صناديق بلاستيكية، وختمها بثلاثة أختام تحمل أسماء موظفى هيئة الموازين والتمغة. الرقابة على عمليات الصب أكد عادل على مسئول هيئة الثروة المعدنية ورئيس مركز تعدين مرسى علم، أن الهيئة تراقب كافة عمليات صب الذهب بما يضمن عدم تهريبه، وتتم عمليات الرقابة حتى يتم شحنه خارج مصر، كما يتم الحصول على عينات وتحليلها ثم مطابقتها بالتقرير الصادر عن الشركة والموازين والتمغة والشركة الكندية المسئولة عن تنقية الذهب، وتتم المقارنة بينهم لمعرفة دقة التحاليل. وقال على، إن عمليات الصب تجرى فى حضور ممثلين عن الهيئة، وأن جميع كميات الذهب مثبتة بمحاضر رسمية ترصد كافة الكميات المنتجة منذ بداية الإنتاج بالجرام وموقع عليها من أفراد الشركة وممثلين من الهيئة، مشيرا إلى أنه على علم بكل طن خام يتم دخوله المصنع ونسبة الذهب الخام وكمية الذهب التى تم إذابتها فى تنكات المصنع، ومن خلال تلك المراحل يمكن تقدير كميات الذهب المتوقع إنتاجها . ويقول أحد مسئولى شركة أمانكو التى تتولى مسئولية نقل الذهب بالتعاون مع قوات الشرطة والجيش لتأمين خروجه، إن خروج الذهب يتم من خلال استلام الذهب ووضعه فى أكياس وتخرج بعد تسجيله فى دفاتر الشركة بالأرقام والأوزان المدونة عليه، ويتم نقلها إلى مطار مرسى علم بسيارات ضد الرصاص وطقم حراسة مسلح، وتوضع فى خزائن الشركة حتى يتم تصديرها من خلال مطار القاهرة. تعود بداية شركة سنتامين الأسترالية إلى عام 1990، كما يقول المهندس عصمت الراجحى أحد المساهمين بمشروع السكرى، عندما قام شقيقه الأكبر سامى الراجحى بزيارة إلى مصر أجرى خلالها اتصالات بالدكتور إبراهيم فوزى وزير الصناعة فى ذلك الوقت والدكتور عاطف دردير رئيس هيئة المساحة الجيولوجية، وعرض عليهم استخراج الرمال السوداء، إلا أن إبراهيم فوزى عرض على أخيه العمل فى استخراج الذهب وتأجيل مشروع الرمال السوداء، وفى زيارة له إلى إيطاليا حصل على خريطة فرعونية بأحد المتاحف الإيطالية وبها جميع مناجم الذهب فى مصر وأخذها وذهب إلى مرسى علم. وقال الراجحى، إن أخيه عرض على مجلس إدارة سنتامين إقامة المشروع فى مصر ورفضت فى البداية لاعتقادهم أن مصر لا تمتلك أماكن تعدينية، وفى النهاية أقنع المستثمر الأجنبى وحصل على موافقته، وتم عمل الدراسات عن طريق الشركة الفرعونية التى أنشأتها شركة سنتامين، وأكدت الدراسات تمركز الذهب فى جبل السكرى عن طريق حفر الآبار منذ بداية عام 2001 إلى أن توقف المشروع عن العمل فى عهد على الصعيدى وزير الصناعة الأسبق نتيجة عدم تخصيص الأرض، وهو ما دفع الشريك إلى رفع 4 قضايا داخلية وأخرى أمام التحكيم الدولى ضد الحكومة. وتابع عصمت الراجحى، أنه تم إنتاج أول سبيكة تجريبية عام 2009، وبدأ الإنتاج الفعلى لمنجم السكرى عام 20 أكتوبر من عام 2010، لافتا إلى أن كافة استثمارات المشروع هى تمويل ذاتى لا يوجد بها أى تمويل سواء من البنوك المصرية أو البنوك العالمية. وأشار الراجحى، إلى أن منجم السكرى يعد واحدا من أفضل 10 مناجم على مستوى العالم، من حيث الإنتاج وحجم الاحتياطى، وتستهدف الشركة ضح 3 مليارات جنيه فى سبتمبر القادم لتعظيم حجم الإنتاج، حيث تستهدف الشركة زيادة حجم الإنتاج الذى يتراوح بين 200 و250 ألف أوقية سنويا فى الوقت الحالى إلى ما يتراوح بين 400 إلى 500 ألف أوقية من الذهب سنويا، لافتا إلى أن كل ما يتم بيعه من الإنتاج يتم ضخه مرة أخرى داخل المشروع لاستكمال كافة مراحل الإنتاج. وأكد عصمت الراجحى، أن نقاء ذهب السكرى يتراوح ما بين 88% إلى 92%، وتصل نسب معدن الفضة إلى 8% وأقل من 1% شوائب، ويتم تنقية الذهب فى كندا، حيث تفتقد مصر إلى تكنولوجيا تنقية الذهب. قصة نجاح الذهب فى مصر وأكد المهندس محمد عبد العظيم رئيس شركة السكرى، أن المشروع واجه عددا من العقبات فى عهد وزير التجارة الأسبق على الصعيدى، خاصة من أجل إصدار التراخيص وتحديد مناطق التنمية للمشروع منذ عام 2001، وتوقف المشروع عن العمل حتى عام 2004، إلى أن انتقلت تبعية هيئة المساحة الجيولوجية إلى وزارة البترول تحت مسمى هيئة الثروة المعدنية، وتم التحاور مع الشريك الأجنبى للوصول إلى اتفاق يتيح استكمال مراحل العمل فى مشروع السكرى، وأجرت وزارة البترول دراسة لوجهة نظر الشريك ووافقت على زيادة المساحات المستغلة حتى وصل حجم الاحتياطى إلى 14.5 مليون أوقية بدلا من 3 ملايين أوقية. وقال عبد العظيم، إن قيمة الذهب لا تظهر إلا بعد عملية صب وسبك الذهب وتحويل التراب بعد صهره إلى قوالب ذهب وغليه فى أفران خاصة فى درجة حرارة تصل إلى 2000 درجة مئوية، لافتا إلى أن الشركة حققت خسائر تصل إلى 300 مليون دولار فى البورصة نتيجة الشائعات المغلوطة عن منجم السكرى. وأضاف عبد العظيم أن المشروع تم تصميمه على أربعة مراحل، تم الانتهاء من المرحلة الأولى والثانية فى نهاية عام 2009، وشهد إنتاج أول سبيكة تجريبية، والمرحلة الثالثة تم الانتهاء منها فى مايو 2011 لزيادة سعة المصنع لإنتاج 250 ألف أوقية، وجار العمل على بدء المرحلة الرابعة لزيادة سعة المصنع لإنتاج 500 ألف أوقية سنويا، ومن المتوقع الانتهاء منها خلال عام 2012. وأشار عبد العظيم، إلى أنه تم تحقيق عوائد اقتصادية للاقتصاد المصرى عن طريق دفع إتاوة للحكومة المصرية تصل إلى 3% منذ بداية الإنتاج حتى يتم اقتسام الإنتاج بعد خصم مصاريف التشغيل، وبلغ حجم المبالغ المسددة منذ بدء الإنتاج نحو 9.5 مليون دولار تم تحويلها على 6 أشهر ب3 تحويلات بنكية على البنك المركزى. وقال رئيس شركة السكرى، إنه تم مخاطبة البنك المركزى المصرى لشراء حصة مصر من إنتاج السكرى، إلا أن المركزى أبلغه أنه لديه اكتفاء من غطاء الذهب، كما أن الشركة لديها مطلق الحرية فى بيع وتسويق الذهب سواء داخليا أو خارجيا. من جانبه، أكد المهندس عبد الله غراب وزير البترول، ل"اليوم السابع"، أن الحكومة المصرية ستتقاسم عائدات منجم السكرى لإنتاج الذهب مع شركة سنتامين مصر بدءا من العام المقبل، لافتا إلى أن ارتفاع أسعار الذهب عالميا بمستويات غير مسبوقة ساهم فى تقليص مدة استرداد الشركة مصروفاتها الاستثمارية المنصوص عليها فى اتفاقية تشغيل المنجم الواقع فى الصحراء الشرقية، حيث ارتفعت الأسعار بنحو 400 دولار للأوقية منذ بداية العام الجارى. وأضاف غراب، أن معدل إنتاج المنجم بلغ نحو 10 أطنان، وجار حصر قيمة الكميات بالأسعار المرتبطة بفترة إنتاجها لتحديد مصروفات الشركة الاستثمارية، متوقعا ارتفاع إنتاج المنجم خلال الفترة القادمة مع زيادة الطاقة التشغيلية للشركة. وتشير التقديرات، إلى أن احتياطات الذهب فى منجم السكرى وصلت إلى 14.5 مليون أوقية بقيمة 20 مليار دولار، بالأسعار الحالية فيما تبلغ إجمالى استثمارات المشروع نحو 420 مليون دولار، مقرر استردادها على 3 سنوات حسب الاتفاق الموقع مع الحكومة.