جاءنى بالمستشفى طفل عمره أحد عشر عاما، مع والدته وكان يعانى من كسر مضاعف بالفك السفلى لوجهه من اليمين واليسار وإجراء طبيعى أن أسال الطفل عن سبب الكسر لتحديد مكانه، وبكى الطفل بكاء مراً، أثار حزنى وحزن من حولى من الأطباء والمساعدين، ولم ينطق بكلمة وفاجأتنى والدته بأن والده سبب هذا الكسر العنيف، بعد أن ضربه بقدمه فى وجهه بسبب شقاوته مع أخته الصغيرة. وبعد تهدئة الطفل قمت بتضميد وتثبيت كسور فكه التى شوهها والده، ولكن هذا العلاج الذى قمت به هو لعلاج جزء من جسد الطفل سيندمل بعد أسابيع، ولكن هل جرح كرامة هذا الطفل ورعبه ورعب والدته سيندمل؟ أعتقد أنه على الأقل بالنسبة للطفل سيصبح ذكرى أليمة سيستدعيها وعيه دائما عندما يرى والده. إلى هنا والقصة هى حكاية تحدث كل يوم فى أماكن متفرقة ولكن. علمت للأسف أن الأب مدرس لغة عربية، وكانت حجته عندما سألته أن الظروف صعبة فى بداية العام الدراسى، وسألته متعجبة إذا كان ابنك فلذة كبدك أحدثت به كسرا بالفك لعصبيتك الشديدة، وعدم التحكم فى ردود أفعالك حول شقاوة أطفالك، فماذا ستفعل فى تلاميذ المدرسة التى تقوم بالتدريس فيها؟ فلم يستطع الرد على سؤالى، ولكن بدأ يشكو من قسوة الحياة والعمل. سرحت بعد أن أتممت عملى لماذا لا يتدرب المدرسون والآباء على دورات تربوية وأخلاقية، وعلى فهم نفسية الأطفال كل عام، وذلك لإعادة النظر فى التربية فى المنزل والمدرسة، ولخلق جيل جديد من الأطفال بدون خوف وعصبية. فى مثل هذه الأحوال يمكن معاقبة الأب لأن هذا العمل يعد جريمة ويمكن ملاحقته قانونيا لأن علاج هذا الطفل أو أى طفل معنف يستغرق أكثر من ثلاثة أسابيع بعد الجراحة، ولكن للأسف لأن الأم لا تعمل والمجتمع يضغط عليها ألا تتكلم لأنه هو الذى ينفق على الأسرة ففى النهاية تقهر الأم وتضطر للسكوت ويعانى الأطفال ودى حكاية بنعيشها كل يوم وبالتالى فإن إفلات الجانى من العقاب، يجعله يكرر فعلته مرة أخرى وهو يعلم جيدا أن المجتمع سيتركه لأنه الذى ينفق على المنزل. وكطبيبة لا أجد طريقة لمنع تكرار ذلك إلا أن أتحدث مع الأب مباشرة وأثير فيه إنسانيته التى فطره الله عليها كإنسان من المفترض أن يعمل بما أمره الله سبحانه وتعالى، لأن الله أحب خلقنا فخلقنا لكى نذكره ونعبده، وليس لقهر وضرب إنسان مثلنا وخاصة الأطفال أحباب الله، وإن عامل هو طفله جيدا الآن سيجد هذا الطفل يوما ما بارا به عندما يهرم لأن الحياة دوارة فالآن يحتاج الطفل لرعاية الآباء، وبعد غد سيحتاج الوالدان لبر الأبناء، وأطلب منه ألا يكرر فعلته ف"لسان الشفقة" جذاب للقلوب حتى تستمر حياة الأسرة فى سلام ويشب الأطفال أسوياء فى الحياة. الكثير من الناس يظنون أن على الأطباء اتخاذ قرار قانونى يحفظ للطفل حقوقه ولكن للأسف كطبيبة نحن نعالج النتائج ولا نعالج الأسباب، رغم أن هذه أفعال غير مقبولة إطلاقا تجاه العالم الإنسانى، وبالأخص من أب إلى ولده فأى إنسان يفعل ذلك مع أى طفل فهو عديم الشفقة، وهو مسئول أمام الله والمجتمع ومسئول تجاه عائلته، ويلزم مراجعته لأحد الأطباء المتخصصين لأن الحدة والغضب يجب معالجتها طبيا وأخلاقيا حتى يسكن ويمتنع عن تكرارها، فنسأل الرحمن الرحيم أن يصلحه ويمنحه العناية والشفقة، أما الشق القانونى هو من حق أسرة الطفل أن تطلب هذا الحق أو تتنازل عنه لاستمرار الحياة، إننا بحاجة لمفاهيم التربية الصحيحة وتغيير موروثات عتيقة فى التربية، ولا نعتمد فقط على المدرسة، فالمدرسة دورها أن تنمى عقل الطفل ولكن التربية بالمنزل تقود هذا العقل إلى الطريق السليم، وإلا ستكون النتيجة انتشار العنف والجريمة، وسببا لانتشار جحود الوالدين.. وسبب أكثر فى فقدان الإنسانية والكرامة التى جبل عليها الإنسان، مرة أخرى أقولها إن كل طفل يولد فى هذا الوطن هو أمانة على الجميع له حق الحياة الكريمة وحق التعليم والاستقرار فى أسرة تحميه ومجتمع ينمى قدراته ليصبح موردا بشريا يخدم بلده بكل وجدانه.