كانا يتابعان أحداث الميدان منذ بدايتها برفقة بعضهما البعض، يلتقيان كل يوم تقريبا يلعبان الكوتشينة على مسند الكنبة الموضوع بينهما ويناكف أحدهما الآخر، ولما جاءت الثورة شغلتهما عن كل شىء، الأستاذ مرزوق الذى جاوز الثمانين، والأستاذ منصور الذى جاوز السبعين وكثيراً ما ينقطع عن الذهاب بسبب طول لسان مرزوق وقلة أدبه، ثم تلمحه الحاجة خديجة يدخل المطبخ ويخرج بالصينية وأكواب الشاى ويتجه إلى باب الشقة المقابلة المفتوح، وفى ظل هذه الأيام المجيدة كانا يشربان الشاى ويشعران بالفرحة والغضب الهائل على نحو متعاقب وأحياناً متقابل. شاهدا العساكر وهم يقذفون القنابل المدخنة ويهجمون على الناس بالعصى الطويلة والأسلحة ويدوسونهم بالعربات الحديدية المقفولة والناس لا تجرى منهم بل تهاجمهم ويهتفان من فوق الكنبة: «الشعب يريد إسقاط النظام». ولعل أكثر ما جعلهما يقرران النزول يوم الجمعة القادمة إلى الميدان هى العربات التى أغرقت الناس بخراطيم المياه وهم يركعون للصلاة وكذلك الجمال التى جاءت تجرى مع الخيل ومن يركبونها يلوحون بالسياط وافتراقهما صامتين بعد خطاب مبارك الأخير. شاهدا كل شىء حتى وقفا يرقصان فى الصالة بعدما رضخ وتنحى. كان مرزوق يلف مشياً أمام الكنبة بقامته الضئيلة المائلة بينما منصور يرفع قدمه وينزلها وهو واقف مطرحه. ثم تعانقا واقفين ويمشيان فى الصالة. هكذا مضت الأيام، وتبدلت الأحوال، ولم يعد أحدهما يفهم شيئا. عاودهما الوجوم والمناكفة. وجاءت أمسية جلسا فيها يتابعان واحدة من المناقشات التى امتلأت بها الفضائيات، ومنصور قال متمهلاً: على فكرة، أنا حلمت إنى طلعت لى أسنان، وقعدت على الكنبة آكل الخيار، وأشرب الشاى. أهى دى بقى، بشرة خير. اشمعنى يعنى؟ أصل السنان بتاعة الحلم دى، بتبقى قوية جداً. أنا كمان أكلت حوالى كيلو خيار، غير الشاى. ماهى دى اللى اسمها الأسنان الخضراء. غريبة. أمال، احمد ربنا إن طلعت لك حاجة زى كدة، لأن دى أيام صعبة قوى. هو أنت كل حاجة تدخلها فى الحاجات دى؟ حاجات إيه يا راجل يا حمار، وسنان إيه اللى عاوزها تطلع لك؟ الواحد فى الظروف دى ممكن يطلع له ديل، مش سنان، وبعدين اسكت بقى خلينا نسمع الناس دى بتقول إيه. هكذا مضت الأيام، وبدأت الخلافات ثم تزايدت، صارت تجمعات فى الميدان ورجال أمن يفضونها بقسوة وانتشرت أعمال من البلطجة وغاب الأمن ولم يعد أحدهما يفهم أكثر مما يفهمه الآخر. وفى أمسية جاءت مليونية للوفاق وامتلأ الميدان بالسلفيين الذين يلتحون جميعاً ورأيا أعلاماً سعودية وأخرى سوداء. وقال منصور: الله. هى السعودية بتشارك فى الثورة ولا إيه؟ ومرزوق لم يرد عليه. كانا قد عادا إلى سابق عهدهما من المناكفة. وجاءت أمسية أخرى جلسا فيها صامتين يتابعان واحدة من المناقشات التى امتلأت بها الفضائيات، ومنصور قال: على فكرة، أنا حلمت إنى طلعت لى أسنان، وقعدت على الكنبة آكل الخيار، واشرب الشاى. لا يا شيخ. من يومين كده؟. على العموم، بشرة خير. ليه بقى؟ أصل السنان بتاعة الحلم دى، بتبقى قوية جداً. أنا كمان أكلت حوالى كيلو خيار، غير الشاى. ماهى دى اللى اسمها الأسنان الخضراء. غريبة أمال. احمد ربنا إن طلعت لك حاجة زى كدة، لأن دى أيام صعبة قوى. هو أنت كل حاجة تدخلها فى الحاجات دى؟ حاجات إيه يا راجل يا حمار، وسنان إيه اللى عاوزها تطلع لك؟ الواحد فى السن دى ممكن يطلع له ديل، مش سنان، وبعدين اسكت بقى خلينا نسمع الناس دى بتقول إيه.