أسعد دائماً عندما أزور بورسعيد، مسقط رأسى وبلد أجدادى، فأنا أشعر بلطف هوائها ونقائه، عندما تقترب السيارة إلى مدخلها وأتذكر أغنية نجاة الصغيرة وطنى وصباى وأحلامى كتب التاريخ فيه صفحات. هذه المدينة الجميلة ذات الجمال الهادئ النائمة على البحر الأبيض المتوسط وعلى رأس قناة السويس، تلك القناة التى وحدت الشرق والغرب وقربت بين البشر، والتى قال عنها الرحالة والمفكرون إنها نقطة باهرة على خريطة العالم، وذلك لأنها كانت نموذجا للتعدد والتنوع البشرى الذى أثرى الحياة الثقافية فى بورسعيد، وخرج منها الفنانون والكتاب المشهورون. ولذا أهمس لسيادتكم وأرجو أن يتسع صدركم لما أقول إننى أحب بلدى وأرى فيها مستقبلا كبيرا لتفرد موقعها الجغرافى ولأنها المحافظة الوحيدة التى تقع فى جزأين أحدهما فى قارة أفريقيا والآخر فى قارة آسيا، وهذا يميزها فى النقل البحرى لمواطنيها بمعديات هيئة قناة السويس العريقة، والتى مازالت تعمل بكفاءة عالية، هذه المعديات والتى كنا نركبها أطفالا وأثناء عبور القناة كانت أحيانا تتوقف عند عبور السفن شمالا أو جنوبا فكانت ترتفع أيدينا الصغيرة بالسلام لكل السفن العابرة مرحبين بعبورهم داخل بلادنا سالمين آمنين وأتذكر عندما أغلقت القناة أمام الملاحة الدولية فى سنوات الحرب، ظلت معديات قناة السويس هى وسيلة نشعر من خلالها أن القناة مازالت تعمل ولو بدون سفن. وعلى الرغم من أننى رأيت وتذوقت أحلى رغيف خبز فى مصر فمثله فى القاهرة يباع بأضعاف أضعاف ثمنه فى بورسعيد، فتحية إلى المحافظة لحفاظها على جودته وتقديمه شهيا إلى شعب بورسعيد الباسل وكل ضيوفها. ولكن أيضا أحزننى أن أرى مدينتى الجميلة غابت عنها نظافة الشوارع التى كانت تميزها دون مدن الجمهورية، حيث كانت منذ أعوام أنظف محافظة فى الجمهورية وأنا أعلم جيدا الظروف الصعبة التى تمر بنا جميعا ولكننى أطمح من سيادتكم وأعلم أن لديكم حماسا كبيرا لتطوير بورسعيد أن تكّون مع اللجان الشعبية حملة لتنظيف الشوارع ومن قبلها توفير صناديق القمامة على رأس كل عمارة وشارع حتى يضع فيها المواطنون مخلفاتهم وفرض غرامة لإلقائها فى الشوارع حفاظا على صحة أطفالنا حيث العام الدراسى على الأبواب. كذلك الشاطئ كنا نرى شبابا يعمل صيفا بأجر رمزى من المحافظة فى تنظيفه وتمشيطه بالجوارف يوميا وكانت المحافظة تأخذ تعريفة من المواطنين عن كل شمسية كأجر رمزى يوجه إلى تنظيف الشاطئ فلماذا لا يعود ذلك فبورسعيد كمصيف عائلى يمكنه اجتذاب عائلات كثيرة بعد تجميله، ثم وضع أعمدة كرة الشاطئ التى كانت تمييز شاطئ بورسعيد على طول الشاطئ لتكون وسيلة ترفيه للشباب والأطفال. مازلت أتذكر فى صيف عام 1974 عندما سمح لنا بالعودة إلى بورسعيد بعد نصر أكتوبر 1973 وكانت فرحتى فوق الوصف أننى سأعود لأسلم على الجميع كنت صغيرة ولا أعلم أن خمس سنوات فى عمر الزمن ومع قسوة الحروب والضربات التى زلزلت البيوت أن المكان لم يتغير لكن تبدل بعض السكان فذهب منهم إلى بلادهم بلا رجعة واستقر الآخر فى المدن التى هاجروا إليها واستقروا بلا رجعة وعاد القليل منهم إلى ديارهم التى لم تتهدم والآخرون عادوا إلى مناطق أخرى بالمدينة لأن بيوتهم هدمتها آلة الحرب. عندما وصل الأتوبيس الذى أقلنا إلى بورسعيد وفتح السائق الباب اندفع الركاب للنزول ومنهم أمى الحبيبة وعندما وطئت قدميها الأرض جست على ركبتيها مثل الكثيرين من الركاب وقبلت الأرض تراب بورسعيد وظلت تبكى من الفرح غير مصدقة أنها عادت إلى المدينة إلى المنزل فأخيرا سيتم شمل الأسرة فأبى رحمة الله عليه كان ممن يخدمون فى بورسعيد مع آلاف من أهل بورسعيد المدافعين عن المدينة ولم يهّجر معنا وعانت أمى 5 سنوات كانت هى الأم والأب لنا فى آن واحد كننا ننتظر أبى فى زيارة يومين كل شهر فقط لظروف الحرب، وكان مشهد الركاب وهم يقبلون أرض الوطن من المشاهد التى لم تمح من ذاكرتى. وأخيرا أحلم أن أرى بورسعيد "مدينة عالمية للسلام" وأن يقام بها مهرجان سنوى للسلام يحتفل به فى عيدها القومى ويدعى إليه كل دول حوض البحر الأبيض المتوسط لعرض ثقافاتهم وفنونهم، فهذه الشعوب عاش من أفرادها الكثيرون بيننا قبل سنوات الحروب مثل اليونانيون والإيطاليون والأتراك والقبارصة والفرنسيين والأسبان وأيضا السوريون واللبنانيون والتوانسة والمغاربة والجزائريون، حيث تتشابه حضاراتهم معنا ويصاحب هذا مسابقات للأطفال للرسم والشعر والغناء، ويعلن فى كل مهرجان عن اكتتاب لمشروع خدمى عام يساهم فيه أهالى بورسعيد ويتم تنفيذه خلال هذا العام. إن هذا المهرجان سيكون فرصة لرواج المدينة سياحيا وسيجتذب المزيد من الاستثمارات بها مما سيزيد من فرص عمل للشباب، وسيكون أيضا فرصة لوضع بورسعيد على خريطة العالم سياحيا فتقل البطالة وتمتلئ شوارع بورسعيد بالورود العطرة كما كانت من قبل. تحياتى لسيادتكم وكل عام وأنتم وشعب بورسعيد ومصر كلها والعالم الإسلامى بخير بمناسبة عيد الفطر المبارك، أعاده الله عليكم بكل الخير والسعادة وعلى بورسعيد بإشراقة شمس الأمل فى غدٍ أفضل.