من بين مهام الحكومات الرئيسيّة حلّ المشاكل المعقدّة أوتلك التى لها أوجه متعدّدة، هذه المشاكل المعقدّة لا تجد المجال الوافى لحلها فى نظام التّنافس السّياسى، لأن التّنافس السّياسى يبسّط الحوار ليجعله ذا بعدين: إذا كان البعد الأوّل صحيحاً، فلابد للبعد الثانى أن يكون خاطئاً، من الوجهة النظريّة، لابدّ أن يفوز البعد الأكثر استنارة وملائمة، هذه الطريقة تفترض أنّ أى مشكل يمكن حلّه من منظور واحد، لكن المشاكل الكبرى والتى غالبا يكون لها أوجه عديدة، تحتاج إلى أخذ الآراء المختلفة فى الاعتبار، والتى تكون عموماً مكملة لبعضها البعض. ولكن بما أن الحوار فى التّنافس السّياسى مبنى على أساس وجود "المعارضة" التى لها منظور "مخالف" لمعالجة المشاكل، يصبح الأخذ برأى المعارضة ضياع لإمكانية إضافة "رصيد سياسى" إلى رأس المال السّياسى، بل تكتسب فى هذا الحال المعارضة رصيداً سياسيّاً. لأن النظام يستدعى وجود فائز وخاسر، نتيجة لهذا التّنافس السّياسى تتقلص المواضيع المعقدة إلى رأيين متناقضين لابد لواحد منهما أن يسود، فتبسط الأمور الكبرى بحيث يصبح من المستبعد إمكانية معالجتها بالشموليّة المطلوبة. يتفاقم هذا التبسيط المصطنع للمشاكل الكبرى بتدخل وسائل الإعلام الموجودة بقوة فى المجتمعات الغربيّة، والتى اتخذت صبغة تجاريّة قصوى فى خضم الاقتصاد السّياسى، فوسائل الإعلام تعمل جاهدة للاحتواء على آراء وفكر أكبر جمهور ممكن من الأتباع والقرّاء والمستمعين لبيعها إلى طلاّب الإعلانات، أرخص طريقة والأكثر ربحاً للحصول على هذا الجمهور هى فى خلق مسرحيّات على أوسع نطاق ممكن، بما فى ذلك المسرحيّات الحزبيّة، الورقة الرابحة فى ميدان التغطية السّياسية هى: أصداء سياسيّة مليئة بالشعارات والعبارات الرنّانة، فتنتشر بين الجمهور العناوين السّياسية التى تشوّه طبيعة المشاكل المستعصية، فتنحرف بصيرة الجمهور وتزداد التفرقة بين الأحزاب، فى مثل هذه الأجواء يستحيل إيجاد الحلول للمشاكل الاجتماعيّة والبيئية المستعصية المتعدّدة الأبعاد. يوجد من بين الجمهور من لا تستريح نفسه، بطبيعتها أو لثقافتها، لمثل هذا النموذج التنافسى بين الأحزاب وما يقترن به من نقاش جدلى، فيفضّل الانسحاب من ساحة خدمة المجتمع مع ما قد يكون لديه مما يقدّمه لحل المشاكل المطروحة، وبصورة عامة فإن الجدل فى النقاش لا يساعد على التدبّر الرصين للأمور حتّى بالنسبة للذين يؤمنون بصلاحيته، فبالأحرى أن يمتنع عن المشاركة فى الجدال من لا يثق فى صلاحيته. ثم هناك المرأة التى تجد أنّها أقل حظاً من الرجال فى خوض مضمار الحوار التنافسى، فى ظل ثقافة مجتمعية مازالت فى خطواتها الأولى للاعتراف بالمساواة الطبيعية فى الحقوق والواجبات بين الجنسين، وأن المرأة هى نصف المجتمع والمربية الأولى للبشرية، والذى لابد لها أن تشارك فى بناء بلادها، ولكن أيضا نجد بعض السيدات، بطبيعتها لا تميل إلى المكافحة والمغامرة. نفس الشعور نجده قائما فى بعض الأقليّات التى ترى فى الابتعاد عن جو النقاش والجدال الذى يجرى بين الفئات الكبيرة المتنافسة، ضمانا لصونها وبقائها، فى حين أنّه قد يكون لدى تلك الأقليات، مثل ما قد يكون لدى المرأة، ما يمكن تقديمه لحل المشاكل المطروحة. فى إقصائه لفئات من المجتمع ذات الأصوات الأقل جرأة وحماسا، وإبعاده للمرأة والأقليات، يكون التّنافس السّياسى وما يترتب عليه من نقاش جدلى قد جعل الحوار العام فقيراً وعمليّة إيجاد الحلول للمشاكل المستعصية ضعيفة، لذا لابد أن نسمح بتعدد الآراء من كل فئات المجتمع بلا إقصاء ولا تهميش، لكى نصل إلى ما هو أفضل لبلادنا ولكى يا مصر السلامة.