وزير الأوقاف: إنشاء وتطوير 11930 مسجدًا في عهد الرئيس السيسي    حماة الوطن: تأسيس اتحاد القبائل العربية وتدشين مدينة السيسي خطوتان للأمام    محافظ الفيوم يشدد على تسريع وتيرة العمل بملف التصالح طبقا للقوانين    بطولة إفريقيا للكرة الطائرة| «غزلان مولا»: مشاركتنا الأولى بالبطولة جيدة.. والأهلي ينظم نسخة استثنائية    الأرصاد: طقس الجمعة شديد الحرارة على هذه المحافظات    تفاعل واسع مع جناح مركز اللغة العربية بمعرض أبو ظبي للكتاب    المفتي: مشاركتنا لشركاء الوطن في أعيادهم على سبيل السلام والمحبة وحسن الجوار    دليل السلامة الغذائية.. كيف تحدد جودة الفسيخ والرنجة؟    إطلاق صواريخ من لبنان باتجاه مواقع إسرائيلية    بعد تصدرها التريند.. التصريحات الكاملة ل نهى عابدين ببرنامج مساء دي إم سي    ضبط 1680 كيس سناكس منتهي الصلاحية في الغربية    ضبط 2000 لتر سولار قبل بيعها بالسوق السوداء في الغربية    نقيب الصحفيين الفلسطينيين: الاحتلال الإسرائيلي دمر أكثر من 80 مؤسسة إعلامية    أقباط الإسكندرية في الكنائس لحضور صلوات «الجمعة الحزينة» والجدران تكسوها الستائر السوداء    رئيس الوزراء يتابع جهود منظومة الشكاوى الحكومية المُوحدة خلال أبريل الماضي    عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم الجمعة 3 مايو 2024 بمنتصف التعاملات (آخر تحديث)    انخفاض أسعار الذهب الآن في سوق الصاغة والمحال    «التعليم» تحدد مواصفات امتحان اللغة العربية للثانوية العامة 2024.. تفاصيل    طوارئ في الجيزة استعدادا لاستقبال عيد القيامة المجيد وشم النسيم    المنتدى الاقتصادي يُروج لبرنامج «نُوَفّي» وجهود مصر في التحول للطاقة المتجددة    عن حفلاته في صيف 2024.. محمد رمضان: لبنان راح تولع والفرح راح يعود قريبًا    مشيرة خطاب تشيد بقرار النائب العام بإنشاء مكتب لحماية المسنين    وزارة الدفاع الروسية: خسائر أوكرانيا تجاوزت 111 ألف قتيل في 2024    التعليم العالي: مشروع الجينوم يهدف إلى رسم خريطة جينية مرجعية للشعب المصري    إصابة 6 سيدات في حادث انقلاب "تروسيكل" بالطريق الزراعي ب بني سويف    متسابقون من 13 دولة.. وزير الرياضة يطلق شارة بدء ماراثون دهب الرياضي للجري    التعليم العالي: إطلاق النسخة الثالثة لمسابقة لتمكين الشباب ودعم الابتكار وريادة الأعمال    سموتريتش: "حماس" تبحث عن اتفاق دفاعي مع أمريكا    تعرف على إيرادات فيلم السرب في السينمات خلال 24 ساعة    في الذكري السنوية.. قصة الاحتفال باليوم العالمي لحرية الصحافة    الإسكان تطرح أراضى للتخصيص الفوري بالصعيد، تفاصيل    دعاء الهداية للصلاة والثبات.. ردده الآن تهزم شيطانك ولن تتركها أبداً    صور الأمانة في المجتمع المسلم.. خطيب الأوقاف يكشفها    الأهلي يهنئ الاتحاد بكأس السلة ويؤكد: "علاقتنا أكبر من أي بطولة"    وحدات سكنية وهمية.. ضبط سيدة استولت على أموال المواطنين ببني سويف    أستاذ أمراض القلب: الاكتشاف المبكر لضعف عضلة القلب يسهل العلاج    وزير الصحة: تقديم 10.6 آلاف جلسة دعم نفسي ل927 مصابا فلسطينيا منذ بداية أحداث غزة    فرص عمل في 55 شركة.. شروط شغل الوظائف في القطاع الخاص براتب 6000 جنيه    «الإفتاء» تحذر من التحدث في أمور الطب بغير علم: إفساد في الأرض    نقيب المهندسين: الاحتلال الإسرائيلي يستهدف طمس الهوية والذاكرة الفلسطينية في    التضامن تكرم إياد نصار عن مسلسل صلة رحم    علام يكشف الخطوة المقبلة في أزمة الشحات والشيبي.. موقف شرط فيتوريا الجزائي وهل يترشح للانتخابات مجددا؟    تركيا: تعليق التجارة مع الاحتلال حتى وقف إطلاق نار دائم في غزة    قصور الثقافة: إقبال كبير على فيلم السرب في سينما الشعب.. ونشكر «المتحدة»    إصابة 6 أشخاص في مشاجرة بسوهاج    عاجل - المواد الداجنة: سعر الفراخ البيضاء والحمراء اليوم الجمعة "تراجع كبير".. لدينا اكتفاء ذاتي    رئيس البرلمان العربي: الصحافة لعبت دورا مهما في كشف جرائم الاحتلال الإسرائيلي    الفلسطينيون في الضفة الغربية يتعرضون لحملة مداهمات شرسة وهجوم المستوطنين    البنتاجون: نراقب الروس الموجودين في قاعدة يتواجد فيها الجيش الأمريكي في النيجر    برشلونة يستهدف التعاقد مع الجوهرة الإفريقية    صحف إيطاليا تبرز قتل ذئاب روما على يد ليفركوزن    "مضوني وسرقوا العربية".. تفاصيل اختطاف شاب في القاهرة    وزير التنمية المحلية يهنئ محافظ الإسماعيلية بعيد القيامة المجيد    رغم المقاطعة.. كوكاكولا ترفع أسعار شويبس جولد (صورة)    رئيس اتحاد الكرة: عامر حسين «معذور»    عبد المنصف: "نجاح خالد بيبو جزء منه بسبب مباراة ال6-1"    كيفية إتمام الطواف لمن شك في عدد المرات.. اعرف التصرف الشرعي    الناس لا تجتمع على أحد.. أول تعليق من حسام موافي بعد واقعة تقبيل يد محمد أبو العينين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أزمنة الشعر – 20 .. فاطمة قنديل فى " بيتى له بابان" .. لعبة المرايا وكسر الإيهام
نشر في اليوم السابع يوم 18 - 07 - 2019

عندما أراد بريخت أن يواجه المسرح الأرسطى الذى يعمل على تغييب وعى الجماهير من خلال توحدهم شعوريا مع المسرحية المعروضة أمامهم ، صمم مجموعة من التقنيات فى الكتابة وأداء الممثلين وصناعة الديكور ، تجعل الجماهير بعيدة عن الانخراط فى العرض المسرحى ولا تتوحد به ، كما حرص من خلال وجود الراوى والمقدمات التى تحكى المسرحية وتلخصها والأغانى التى تستبق الأحداث وترويها ووضع لافتات على صدور الممثلين أحيانا بأسماء الشخصيات بدلا من تجسيد ظاهر الشخصيات وكذا الحوار مع الجمهور، حرص على أن يقول للمتفرجين إنكم تشاهدون لعبة مسرحية غرضها التعليم والتغيير وليس الانفعال والتطهير، ومن ثم عليكم أن تكونوا موقفكم النقدى مما تشاهدونه على المسرح وفى الحياة اليومية، وهذا ما عرف ب " كسر الإيهام" .
وعلى خطى بريخت ومسرحه الجدلى ، الذى أراد من خلاله كسر الإيهام بين المتفرج والعرض ، تسعى الشاعرة فاطمة قنديل فى ديوانها " بيتى له بابان" أن تصنع نوعا من كسر الإيهام الشعرى من خلال حبكة بنائية وأسلوبية مفادها تخارج الشاعرة من ذاتها خلال الديوان ، ليجد القارئ نفسه، ابتداء من الإهداء أمام عرض تشطر فيه الشاعرة ذاتها إلى نصفين سارق ومسروق ، فالشاعرة أو السيدة صاحبة البيت ذى البابين موضوع الديوان اختفتفى ظروف غامضة أو سرقت أو انتحلت شخصيتها وحل محلها سيدة أخرى / الشاعرة- أو الراوى الشبح الذى سنعود اليه لاحقا -أخذت مفاتيحها وملابسها وساعتها واللاب توب الخاص بها، وهى تقدم من خلال الديوان دفاعا عن نفسها خشية اتهامها بالقتل ،ونحن مدعوون جميعا للفرجة على المنتحلة وهى تقدم تصوراتها عن الحب والوحدة والموت والكتابة أيضا بدلا من السيدة صاحبة البيت ، فأية لعبة تلعبها معنا الشاعرة ؟ وأية مراجعة تلك التى تجريها لنفسها إذ تتخارج من ذاتها كما تفعل الروح التى تغادر الجسد وتترك ما يكفى منهالأن يدفع الجسدفى حركته اليومية المعهودة بينما الروح تختبئ فى الأعالى وتراقب وتندهش أو تدون ملاحظاتها!
فى القصيدة الأولى من الديوان بعنوان" بطاقة هوية "، تقول : " بيتى له بابان ، باب الحديقة الخارجى / الذى لا ينغلق ويحتاج إلى أن أصلحه / وباب البيت الداخلى / الهش الجميل / الذى يمكن أن تكسره بضربة قدم / شيء ما يقول لى../ إن شخصا ما سيعبر الباب الخارجى متلفتا حوله / وقبل أن يدفع الباب الداخلى بقدميه/ ستقع عيناه رغما عنه/ على النباتات البرية التى اشتد عودها / خمسة أمتار تكفى كى يفكر/ خمسة أمتار ستجعله يغلق باب الحديقة الخارجى بإحكام/بعد أن يخرج/ وربما يفاجئنى بإصلاحه يوما ما"
الإهداء والقصيدة الأولى" بطاقة هوية " تؤسسان لهذا المدخل الروائى تمهيدا لدخول بيت له طابع خاص ، فالبيت – بحسب جاستونباشلارفى " جماليات المكان" هو " ركننا فى العالم وهو كوننا الأول ، عالمنا الأول قبل أن نقذف فى العالم ، كما أنه ما يحمى أحلام يقظتنا، وفى قصائد الديوان البيت هو ذات الشاعرة نفسها فى تحولاتها وتناميها وفى تأملها لذاتها واستبطانها لمشوار حياتها كله ومراجعتها محطات الإخفاق والانتصارات وأوقات المتع واللذات والفقدان والمحبات العابرة والمحبات المفتقدة ، حيث يحوم حولها شبحان لا يزيحهما أى فرح أو لذة ، شبح الوحدة الباردة التى لا ترحم وشبح الموت المبتسم وكأنه يعرف ما لا تعرفه الذات الشاعرة، تقول : "وكنتُ دائماً ذلك الكلب النائم أمام بيته / وحين يأتي الحب / ينبح في وجهه / ذلك الكلب الذي قصوا ذيله / كي يبدو "جميلا!- قصيدة استدراك"
يكتسب هذا الديوان لفاطمة قنديل أهميته فى سياق قصيدة النثر المصرية الراهنة من ذلك المعمار المختار وتلك الحبكة شبه الروائية المخطط لها ، ومجموعة التقنيات الكتابية التى تنتصر لمفهوم التأليف بمعناه التراثى على مفهوم الجمع ، الذى حكم الذهنية الشعرية طويلا عند إصدار الدواوين ، فالبناء والمعمار والحبكة والسياق المتآلف الذى تكرس له الشاعرة فى ديوانها يؤكد مدى التطور الذى وصلت إليه تصورات الأعمال الشعرية المصرية ، فنحن لسنا بصدد مجموعة من القصائد المكتوبة فى فترة زمنية متقاربة قررت صاحبتها أن تجمعها بين دفتى كتاب وأن تضع لها عنوانا وتسمى ذلك ديوانا شعريا ، بل نحن أمام مؤلف له سياقه الدلالى والجمالى وله معماره البنائى وله حبكته الفنية التى تتلاقى مع فنون القول الأخرى وبخاصة الرواية
اختارت الشاعرة أو الشخصية البديلة التى تنتحل شخصيتها مجموعة من النصوص التى تتجلى فيها مكابدات الوحدة والعزلة والحب الضائع والمفقود والمستدعى بقوة الرغبة فى الحياة فى مواجهة شبح الموت واختبرتها فى بيتها المصنوع من المرايا ، مرايا الذات التىتعى روافدها ومكوناتها ، مرايا النصوص الأخرى المؤثرة والكتاب الفاعلين فى الذات الشاعرة ، مرايا لحظة الكتابة نفسها من حيث كونها عملية استدعاء لحظات مختارة من حيوات ومكابدات كتاب سابقين ومن حيث كونها أيضا عملية يمكن مراقبتها أثناء وقوعها بحيث تصبح الذات الشاعرة موضوعا للكتابة كما تصبح عملية الكتابة نفسها موضوعا أيضا للكتابة والتفكير والتفسير..
"الكتابة.. زوجة أبي / ماتت أمي، ومات أبي / وبقيت الكتابة / وأنا أخدمها، وأمسح ما يساقط منها / وأغير لها اللفائف في مرضها الأخير / وأتحمل أن تسب أمي وتسب أبي / لكنها حين تهذي وتناديني / لا أرد عليها / وأغطي وجهي وأتصنع النوم / وأحيانا أبكي / لا لشيء / إلا لأنها علمتني كل هذه القسوة".
"لستُ فرجينيا وولف/ وستجدينني - أيتها الكتابة - جالسةً على الصخرة نفسها/ المربوطة في قدميها/ بعد أن حملتها/ إلى الشاطئ"
"كان الشعر حياتي، زوجي وفراشنا معاً، ليالي غرامنا وأطفالنا يفيضون على حواف الشبق، ويغرقون فلا أمدّ لهم يدي، لم تكن القصائد سوى تلك الجثث الطافية، لم أدفنها.. كي أظل أنظر إليها – هكذا - وأبكيها".
هذه هى اللعبة إذن التى تلعبها معنا الشاعرة وشخصيتها الاحتياطية المخترعة ، أن توضع النصوص تحت أضواء مختلفة ، وكأن قصائد الديوان تستدعى شخصياتها البديلة مثلما الشاعرة نفسها قد اخترعت من ينتحلها ويدون القصائد نيابة عنها ، ومن هنا يمكننا أن نقرأ مثلا كيف توجه الشاعرة الخطاب لفعل الكتابة وكأنها شخصية حقيقية يمكن محاورتها أو تحديها أو تحذيرها ، و يمكننا أن نتساءل : تحت أى ظرف استدعت الشاعرة جان فالجان بطل "بؤساء" فيكتور هوجو ، وهل نبكى عليها مثلما تبكى هى على بطل البؤساء الذى يتعرض للسجن لمجرد سرقته رغيف خبز أم نبكى عليها لأنها فى هروب دائم ومطاردة مستمرة مثل البطل المأساوى ل" هوجو"
كما يمكن أن نقرأ فيها مصير فرجينيا وولف فى جنونها الأخير وقد ارتدت معطفها وملأت جيوبها بالحجارة ونزلت النهر لتنتحر ، ولكن الشاعرة هنا بدلا من أن تحاكى فرجينيا وولف تجلس على أحجار انتحارها وكأنه المصير المعلق ، ومن فرجينيا وولف إلى فنجان قهوة بروفروك ، الشخصية المتألمة التراجيدية فى قصيدة إليوت الشهيرة " أغنية حب الى ألفريد بروفروك " ولوح تعداد الأيام الخاص بروبنسون كروزوبطل رواية دانييل ديفو المتوحد على جزيرته النائية ، وكأن الشاعرة أو من تنتحل صفتها تبنى قصائدها من مصائر الآخرين أو ترى مصيرها عبر محطات أساسية فى مبدعين سابقين أو شخصيات أدبية استطاعت مبدعوها أن يمنحوها القدرة على الحياة ، فهى المتوحدة على جزيرة منعزلة ، التى ضيعت أيامها وعشاقها وفقدت أجمل لحظات الحب والتى تصارع شبح الموت وتفكر أحيانا فى وضع حد لحياتها .
جانب آخر من اللعبة ، أننا نقرأ القصائد دون أن نتيقن فعلا من أنها للشاعرة أم للشخصية البديلة التى تنتحل صفتها ، وتحتل هنا دور "الراوى الشبح" الذى أفردت له الشاعرة دراستها لنيل الدكتوراةفى شعرية جبران خليل جبران ، ويبدو أنها تأثرت بالمناخ البحثى الذى نشرته خلال الفترة الزمنية التى كتبت فيها قصائد الديوان تقريبا ، فكان أن ظهر ذلك الشبح مهيمنا على أجواء الديوان فى صورة الذات الأخرى أو لنقل إننا بصدد الفصل بين الشاعرة والذات التى تدون القصائد ، فهل استطاعت لعبة المرايا التى تلعبها معنا الشاعرة أو شخصيتها البديلة ، أن تضيف للنص الشعرى ؟
أحيانا تبدو القصائد وكأنها قطاع رأسى من صخرة ، حيث تظهر في هذا القطاع الطبقات المختلفة المكونة لهذه الصخرة ، وكيف تكونت ، ومدى إمكانية صمودها فى وجه الزمن ، وأحيانا أخرى ، قد تبدو الإحالات أو الإشارات إلى شخصيات أدبية أو إبداعية غامضة وغير مفهومة مثلما الحال مع بروفروكإليوت، لكنها دائما ما تذكرنا بأنها شخصية بديلة وأن هذه القصائد كتابة على كتابة أو أنها كلمات لها ظلال متعددة وامتدادات غير محاط بها بشكل كامل ومفتوحة على الخيال..
من شرفة الفندق الذي يطل على البحر/ كنت أتأمل شخصاً بعيداً يجلس في مقهى ناء على الشاطئ / كانت شمس الظهيرة خافتة/ وكانت أمامه طاولة عليها: أوراق، مطفأة سجائر، وفنجان قهوة / كان منهمكاً في الكتابة، فلم ينتبه لريح بحر مفاجئة بعثرت أوراقه/ يبدو أنها كانت بيضاء، لأنه لم ينهض ليلمها / بعد أن رحل هبطتُ، ولملمتُ كل الأوراق المتناثرة / لم يكن لديّ سواها، وعليها كتبتُ كل قصائدى"


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.