حق علينا أن نعلم أن موقف الجهات المعنية من ترحيل الرئيس السابق حسنى مبارك من محبسه الخاص بمستشفى شرم الشيخ إلى المحبس العام لعموم المواطنين (بمستشفى ليمان طره) إنما هو موقف واضح للعيان، ولا لبس فيه، ولا يحتاج إلى كثير من التفكير أو التدقيق لنكشف الغطاء عن مضمونه، ولقد طالما سمعنا عن انتقال لجنة تحت رئاسة كبير الأطباء الشرعيين إلى شرم الشيخ لتوقيع الكشف الطبى على مبارك منذ أن صدر قرار بحبسه من النائب العام، وذلك لتحديد إمكانية نقله إلى مستشفى طره من عدمه، أسوة بالنزلاء المواطنين. وإلى جانب ذلك كانت هناك لجنة أخرى من وزارة الصحة لمعاينة المستشفى ذاته، وفحص معداته، وتجهيزاته الطبية، غير أن النتيجة فى النهاية كانت واحدة فى كلتا الحالتين، فنتيجة الفحص الطبى فى كل الأحول كانت تشير إلى عدم إمكانية نقل مبارك من منتجعه خشية المضاعفات الصحية، التى قد تنجم عن الارتجاع الأذينى للقلب، وعلى الجانب الآخر فى القاهرة فإن لجنة وزارة الصحة كانت تؤكد أيضا بأن الأجهزة لا تزال معبأة فى الصناديق، وأن المستشفى غير مجهزة لاستقبال مثل هذه الحالات الحرجة، وتعانى من نقص شديد فى المعدات الطبية. ومع ذلك فإننا قد نسمع من حين لآخر بعض التصريحات من متحدث باسم وزارة الصحة فى هذا الشأن، تشير إلى أن صحة مبارك مستقرة، ويعانى فقط من اكتئاب شديد، بيد أن هذا التضارب الواضح بين ما تشير إليه اللجان المنبثقة عن وزارة الصحة فى تقاريرها وبين تصريحات متحدثها الرسمى، بالإضافة إلى تصريح وزير الداخلية قد يثير كثيرا من الغموض الذى يشوب حالة مبارك نفسها، عما إذا كانت حالته الصحيحة مستقرة أم معتلة حقا، وكذلك موقف الجهات المسئولة منها على المستويين الرسمى والشعبى. وهذا ما يدعونا الآن للسؤال، وهو أليس مبارك فردا من أفراد الشعب ليجرى عليه مثل ما يجرى على باقى المواطنين؟ أليس بشرا مثلنا ممن خلقهم الله تعالى؟ أوليس فى سجن طره حالات مماثلة لحالة مبارك، ورغم ذلك يتم التغاضى عنه، وعدم الالتفات إليها؟ ألم يكن مبارك هو المسئول الأول عن عدم تجهيز سجن طره أو غيره من السجون العامة بالدولة، بصفته الرسمية السابقة؟ أليس حريا بالجهات المسئولة أن توجه تهما جديدة إلى مبارك بسبب هذه التجاوزات المارقة فى حق المواطنين حتى ولو كانوا قد ارتكبوا أخطاء فى حق المجتمع، فإن القانون يكفل لهم حسن الرعاية والعناية خلال فترة محبسهم. والذى لا شك فيه أن الصورة التى يعامل من خلالها مبارك الآن ليست صورة السجين الذى يمضى عقوبته، بقدر ما هى صوره مريض، يقضى فترة نقاهته فى أحد المستشفيات الفاخرة، وتتناقل حالته وسائل الإعلام المحلية والعالمية، وتصوب إليه الأنظار من كل حدب وصوب، ويجد نفس الرعاية والعناية التى كان يحصل عليها أثناء فترة رئاسته. فلم يعامل إلى الآن على أنه السجين الذى يعاقب على جرائمه فى حق شعبه، وإنما يعمل على أنه القائد الذى يكرم عن فترة ولايته. وخلاصة الرأى أنه كان يجب على الجهات المعنية أن تفعل ميزان العدل على الجميع، ولا يستثنى من ذلك أحد من الناس حتى تتحقق الأهداف التى قامت الثورة من أجلها.