لقد خلق الله الكون فى نظام بديع ودقيق يقف العقل أمامه عاجزا عن إدراك أبعاده . هذا النظام لايمكن أن يحيد عن مسار محدد ولا مجال فيه للخطأ لأنه صناعة إلهية لا يمكن فيها لكوكب أو نجم أو مجموعة شمسية أو مجرة أو أكبر من ذلك أو أصغر أن تفكر أو تصنع نظامها الخاص، وتنفصل خارج المنظومة الكونية، وهذا من رحمة الله بنا فلو كان مقدرا للشمس أن تفكر لحَكمتنا من على بعد ملايين الكيلومترات بجبروتها ومفاعلها النووى التى تستطيع ناره أن تصل إلينا فى دقائق ننعم بدفئه إذا أطعنا أو تحرقنا به إذا عصينا وتمردنا، ولكن عقولنا لا تدرك مدى رحمة الله بنا عندما جبلها على الطاعة فى خدمة البشر وندرك تلك الرحمة أكثر عندما نهبط على الأرض ونجد شمسا بشرية لا تشع ضوءا ولا حرارة وإنما تشع حضارة إنسانية وتقدما علميا وتكنولوجيا وصناعيا واقتصاديا تدور كل دول الأرض فى فلكها ترجو رضاها، وتتمنى قربها وتتجنب غضبها وقسوتها تعطى بسخاء لمن أطاع وانصاع وتهلك من تمرد عليها ومن حاول الخروج من فلكها قذفته إلى ثقب أسود أركانه الحصار والتجويع والعزلة والحرب. رغم هذه القوة والجبروت والقدرات الرهيبة التى ترضخ لها أى قوة فى الأرض تتحكم فيها نواة خبيثة ليس لها أصل خرجت من رحم الاستعمار وانتشرت كالسرطان تنهش فى أجساد جيرانها وتعيث فى أرضهم فسادا وطغيانا تفرض قانون الغاب تسأل ولاتُسأل تُعاقِب ولا تُعاقب بقوة سلطانها على هذا الكيان الهائل وسيطرتها عليه تأمن فى كنفه غضب الشعوب وتسخر فى ظله من أحكام العدل وقوانين الإنصاف، وتتبجح بقربه بجرائمها ومذابحها تنصب مقاصلها للضعفاء وتبكى قتلاها تنوح على حرقاها من فوق جثث ضحاياها. ورغم ذلك يظل هذا الكيان داعما لها ومن سخرية القدر أن يصنع هذا الكيان ماردًا يسلطه على أعدائه ليزيقهم مرارة الحرب، ويتجرعوا كأس الهزيمة ونجح المارد فى مهمته ودلل على حسن صناعته وقوة تدريبه ومهارة تخطيطه، ولكنه لم يحدد له مدة صلاحية أو يحد من انتشاره وتمدده فلما اشتد ساعده وكسر شوكة أعدائه وأسكرته نشوة الانتصار رمى صانعه وأذاقه من الكأس الذى تجرع منه عدوه مرارة الهزيمة، فهز أركان هذا الكيان هزا وجاءه من حيث لا يدرى وهدد مصالحه ونشر الرعب فى أوصاله وبدل أحلامه الوردية إلى كوابيس مفزعة وتحسس خطواته فى كل مكان، وأضعف مكانته أمام الجميع فاهتزت صورته وبدأ يفقد هيبته وسلطانه فكان العذر الذى استباح به الأرض فأطلق لغضبه العنان، وقسم العالم قسمان إما معه أو مع المارد وبدأ باغتصاب الأوطان وقتل الأبرياء وأسرف فى سفك الدماء وترويع البلدان الآمنة واستولى على ثرواتها مستغلا ضعفها وتخلفها فزاد الولاء للمارد ليقف فى وجه هذا الطغيان، فليس هناك بديل، حتى اشتعلت الثورات فالتف حولها الجميع فى وجه الكيان، قكان لابد أن ينتهى المارد، وليكون المارد عبرة لكل من تسول له نفسه الخروج عن فلك الكيان أو إعلان العصيان أو التذمر من تقديم فروض الطاعة والإذعان فهل تكون الثورة بديلا للمارد الآن؟