لاشك فى أن ثورة الخامس والعشرين من يناير قد أحدثت تغييرا جوهريا فى حياة كل من المصريين والعرب جميعا، فأما فى مصر فقد أطاحت هذه الثورة بنظام مبارك الجائر وأعادت للمواطن المصرى حريته الكاملة وأما فى البلاد العربية فقد اهتز ت بهذه الثورة عروش أنظمتها الحاكمة، حين ظنوا دوام سلطانهم على هذه العروش آمنين مطمئنين، فى ظل ممارسات أمنية قمعية لا تزال تنتهجها أجهزتها الأمنية ضد المواطنين بكل ألوان التنكيل والتعذيب ولكن ما رأته هذه الأنظمة بعينها فى مصر وجرأة شعبها وصلابته إبان الثورة قد أشاع فى نفسها الخوف والهلع فى لحظات عصيبة مرت عليهم وكأنها دهور فأنكرتها عقولهم وارتجفت لها قلوبهم وشعروا بأن ما يحدث فى مصر خطر داهم على سلطانهم و لابد وأنه ستنتقل عدواه إلى بلادهم فمرض المطالبة بالحريات أسرع انتشارا من مرض إنفلوانزا الطيور والخنازير الذى اجتاح العالم فى السنوات الأخيرة الماضية. لذلك شرع كل حاكم فى دولته بإجراء إصلاحات عاجلة للسيطرة على الموقف قبل أن يلحق بهم قطار الثورات القادم من القاهرة ومن هذه الإصلاحات إعادة تغيير الحكومات وضخ فيها دماء جديدة وشابة ومقبولة لدى المواطنين وكذلك زيادة الأجور والمعاشات، كما حدث فى دول الخليج فأطفأت هذه الزيادات الطفيفة ثائرة المتظاهرين بهذه البلدان وسكّنت من روعهم ولو إلى حين، فالأمر قد بات الآن عند الشعوب العربية فى الوقت الراهن أكبر من أن يحصل المواطن على زيادة تملئ فمه وتعقد لسانه عن المطالبة بحقوقه المشروعة التى يكفلها له الدستور والقانون وأدناها العيش الكريم وحرية الرأى والتعبير، فسقف المطالب قد ارتفع إلى حد رحيل الأنظمة ومحاكمتها. غير أن هذه الإصلاحات الطارئة لم توقف قطار الثورات العربية الذى لا يزال يواصل رحلته منذ انطلق من تونس الخضراء ليصل إلى مصر بعد أيام فيمكث فيها قرابة الثلاثة أسابيع أطاح خلالها بنظام مبارك العتيد والذى ظن نفسه أنه ناج من طوفان غضب شعبى عارم، توحدت كلمته وتراصت صفوفه فوثب وثبة واحدة من كل مكان فى وجه الأجهزة القمعية التى أنشأها النظام البائد لحمايته ونجح بامتياز فى اجتياز كل الموانع النفسية والأمنية وعمل فى وقت قصير على مواجهة حاسمة تداعت لها أركان النظام الهشة وسقطت خلالها الأقنعة وأميط اللثام عن وجه الحقيقة القبيح ليرى مبارك نفسه ذات صباح وقد انكشفت سنوات حكمه الظالمة أمام شعبه الجسور، ذلك الشعب الذى دفعه دافع الحرية والكرامة للتظاهر من أجل إسقاط رموز الفساد، إنه شعب محب لوطنه، لذلك نأى بنفسه عن شر الفتنة الطائفية وصلى الجميع فى ميدان التحرير صلاة واحدة لله الواحد القهار، طالبين مرضاته وإحسانه فاستجاب الله لدعائهم وتقبل منهم صلواتهم وأسقط عنهم الطاغية وجعل سلطانه كأن لم يكن بالأمس ولم يقف الأمر عند هذا الحد فحسب، وإنما وصل إلى خضوع مبارك ونظامه للمحاكمة وتوقيفهم على ذمة قضايا فساد وإهدار مال عام وإطلاق الرصاص على المتظاهرين. ثم يواصل قطار الثورات رحلته المباركة فينطلق من مصر الأم متجها فى طريقه إلى باقى البلدان العربية وهو يحمل إلى شعوبها الأبية إرادة كل المصريين وصلابتهم وبالفعل كانت ثورة الخامس والعشرين من يناير منارة وإلهاما لكل العرب فبعدها انتفضت شعوب كل من اليمن وليبيا وعمان والسعودية والبحرين والأردن ويزداد الموقف تصاعدا فى سوريا، كما بدأ فى مصر وبنفس الطريقة إنه طوفان الشعوب وثورتهم ضد الحكام الظالمين باذلين فى سبيل استعادة حريتهم المفقودة الأنفس والأموال، حتى تعود كلمتهم مسموعة ورأيهم نافذ لدى الحكام.