ظل فضيلة الشيخ الشعراوى ردحا من الزمن ضيفا ملازماً لمسجد السيدة نفيسة، يجول بخاطره خواطر حول القرآن الكريم فى مقرأة كتاب الله.. ومن حبه فيها أقام جمعية خيرية أمامها ينهل منها كل محتاج. إن مكوث الشعراوى لهذه الدرجة وهذا الحد يدعونا إلى لحظة تأمل روحانية فى هذا البيت التعتيق. السيدة نفيسة - رضى الله - عنها وهى بنت الحسن بن زيد بن الحسن بن على بن أبى طالب رضى الله عنهم جميعا، يقع مسجدها فى القاهرة القديمة على مقربة من قلعة صلاح الدين والسيدة عائشة وليس بعيداً عن السيدة زينب. فى مسجدها دفنت السيدة نفيسة عام 208 ه عن عمر يناهز 63 عاماً هجرياً وهو نفس عمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - "محمد" أمام المرسلين، حيث ولدت الطاهرة عام 145 ه فى المدينةالمنورة، وهاجرت إلى مصر واستقر بها المقام حتى وافتها المنية. وهى تلقب بسيدة الدارين وصاحبة الكرامات، فعندما جف النيل وجاءها رهط من البشر فأعطتهم قطعة من القماش بعد أن قرأت عليها، وقالت لهم: "ألقوها فى النيل وبإذن الله سوف يفيض بخيره" - وقد كان بالفعل - فأحبها المصريون وأعلوا من منزلتها وقدروا شأنها. وتعد مقابر السيدة نفيسة من أجمل مقابر القاهرة العتيقة روعه ورونق ومسجدها تحفه معمارية، وكراماتها عالية فعندما أتت إلى مصر بصحبة ابنة عمها "سكينة"، صاحبة الكرامات التى خلعت عليها ردائها وذهبت إلى حال سبيلها ومن يومها السيدة نفيسة تلقب بأم الكرامات فمن قصدها، وفى نفسه حاجة إلى الله يسرها له المولى عز وجل. يوم الجمعة يقصد مسجدها المصلون لأداء الصلاة المفروضة "الجمعة" وهى عيد المسلمين الأسبوعى الكل على قلب رجل واحد قلوبهم عامرة بالإيمان يرجون لقاء الله تعالى رغم التنوع الطبقى، فعلية القوم يأتون مسجدها من وزراء ومحافظين وسياسيين وبرلمانيين بصفة مستمرة، يرتدون الملابس البيضاء الناصعة المعطرة بالمسك، حيث يشبه مسجدها إلى حد كبير مسجد عمرو بن العاص فى دهاليزه وطرقاته وقاعات، ومقامها بسيط فى جانب من المسجد عليه خدم، وما أن يفرغ المصلون من أداء صلاة الجمعة حتى يتجمعون لقراءة ما تيسر من القرآن الكريم والأدعية التى تقرب إلى الله تعالى وهم خاشعون، وعند إحساس المصلين بأن الجوع بدأ يتسلل إلى بطونهم تجد أن الخير أتى لهم من حيث لا يدرون، وارتمى فى أحضانهم من أغذية ومثلجات وعصائر وخلافه، فلا يخرج من مسجدها جائع ولا ظمآن ولا طالب حاجة من حوائج الدنيا من الله إلا يسرها له سبحانه وتعالى. وصلاة الجنازة تكون مستمرة على من حضر من موتى المسلمين سواء فى صلاة الجمعة أو بعدها أو أى يوم آخر لا توجد مطاعم حول مسجدها والمقاهى شبه خاوية عكس الحسين والسيدة زينب. نفيسة العلم أحبها المصريون وزارها علية القوم قبل أدناهم، ومن أعيته الدنيا ذهب إلى مسجدها، وأدى الصلاة المفروضة والسنن والنوافل فزال الله عنه الغشاوة وأراح قلبه. تجد هناك ممثلون وممثلات بلغوا من الشهرة ذروتها ويلتفون حول مقامها ويدعون الله أن يستجيب دعاهم ويغفر ذنوبهم ويقربهم إليه. لقد ارتبط مسجد السيدة نفيسة بالسياسة وكان له دور فى أعمال سينمائية وكيف أن يرتمى كبار الساسة فى صحن مسجدها، ويسبحون الله غير عابثين بالأعين التى تعرفهم، فلا أحد يشير لأحد ولا يهتم أحد بالآخرين، ولكن الكل يذوب تقرباً إلى الله وعشقا لرسوله الكريم يقصدها كل عام فى ذكرى يوم مولدها، المداحون وينشدون مديحهم ويهيم الناس على وجوههم إلى الله فتراهم سكارى وما هم بسكارى، واختلف مع كل من يذهب فكره إلى أننى أنشر فكر المتصوفة فى العصور الوسطى الذين تركوا الدنيا وهاموا على وجوههم للآخرة فى نهاية العصر المملوكى والتركى فتخلفت مصر - أم العروبة - عن ركب التقدم وزاد علينا الغرب بعد أن تعلموا منا. ولكن ليس كل فكر المتصوفة كذلك، ولكن أن يصنع المسلم لأخرته كأنه يموت غداً ولدنياه كأنه يعيش أبدا فهذا ما لا يختلف عليه اثنين، ولكن الاختلاف حول الخلط بين السياسة والدين واستغلال العقيدة فى مآرب سياسية ومحاربة المتقربون إلى الله ووصفهم بالشيعة، فهل كل من يتقرب إلى الله سبحانه وتعالى ويجلس فى مسجد من مساجد أولياء الله الصالحين يوصف بالشيعى أو المتصوف؟! ليس هذا حقيقى ومقارنة بالسياسة ليس كل مصرى منتمٍ لحزب بعينه – له فضل على غيره - فهناك من يكفر بالتجربة الحزبية ويصير مستقلاً ومن يترك الحزب الحاكم ويعتنق مبادئ المعارضة ومع اختلاف المقارنة، فالأول والآخر هذا مصرى وهذا مسلم، ولكن جنوح الشخص ناحية اتجاه معين لا يقلل من وطنيته أو عقيدته، وهذه ليست دعوة، لأن نترك أعمالنا ونذهب للاعتكاف فى مساجد أولياء الله الصالحين؟، ولكن المترددين على هذه المساجد لديهم إحساس بحلاوة الإيمان فى قلوبهم فقطعوا المسافات لصلاتهم، وجاءوا من أقصى البلاد فى يوم مولدهم هذه الحشود الإيمانية لا هدف ولا طائل دنيوى منها، ولا مناصب سوى وجه الله، فلا مانع من الزيارة ولا بأس، ولكن وسطية الإسلام فى كل شىء من الإيمان. نقيب المحامين ورئيس اتحاد المحامين العرب.