نتيجة للتطور التكنولوجى الهائل فى مجال الاتصالات، انتشرت الفضائيات ووسائل الإعلام المرئية، وزادت المنافسة بينها على جذب المشاهد، ولا يمكن أن ننكر دور هذه الفضائيات وخاصة الإخبارية منها فى زيادة الوعى السياسى والثقافى لدى مشاهديها، بما تذيعه من حوارات وبرامج على مستوى تقنى عالى. ولكن بعض الفضائيات كى تظل فى إطار المنافسة تتجه إلى الموضوعات الساخنة والمثيرة، التى تشد المشاهد وتجذب انتباهه، وقد طالعتنا الصحف بنقد موجه لموضة الفتاوى الدينية، ونفس الأمر نجده يتكرر مع الفتاوى الصحية، وخاصة موضوع الطب البديل، فنجد من يتم إستضافتهم فى كثير من الفضائيات ليردوا على استفسارات الناس الطبية فى علاج كثير من الأمراض والأعراض. وللأسف فإن السواد الأعظم من هؤلاء الضيوف ليسوا خريجى كليات الطب، بل إن بعضهم خريج كليات التربية الرياضية، وغالباً ما يبدأ تقديمهم للمشاهدين مع إضافة لقب دكتور أو رئيس جمعية أو مركز طبى ما، وغالبا ما يكون فى دولة عربية أو أجنبية لمزيد من إضافة القدر والأهمية للضيف، الذى نتيجة لتكرار ظهوره فى هذه الفضائيات يكتسب شهرة كبيرة، ويصبح اسمه معروفاً لدى الكثير من المشاهدين الذين يتابعون البرامج الفضائية التى يظهر بها بشغف واهتمام بالغ، وهم يصدقون ما يقوله هؤلاء الضيوف بثقة بالغة، إيماناً منهم بنزاهة هذه المحطات الفضائية، وظناً منهم أنها تتحرى الدقة فى اختيار الضيوف. وعندما نستمع إلى الكثير ممن يتحدثون عن الطب البديل، نجد من يصف وصفات سحرية تستطيع أن تشفى أى مرض مع الاستغناء عن الدواء التقليدى والوسائل الطبية المعروفة! ولا يغيب عنا النتائج المترتبة عن اتباع هذه الوصفات من مضاعفات ومشاكل صحية خطيرة. بل إن الكثير من الفضائيات تبث إعلانات عن منتجات طبيعية تشفى من أمراض مزمنة مثل مرض السكر، وبعض هذه الإعلانات يبدأ بجملة "وداعاً للأدوية"، " كل يوم أنسولين.. أنسولين..."، بل وإمعاناً فى بيان مدى كفاءة المنتج يعلنون أن نسبة نجاح المنتج هى 100%! وشاهدنا مرضى انساقوا وراء هذه الإعلانات، وتركوا العلاج الطبى مما تسبب عنه عدم انضباط نسبة السكر فى الدم لديهم، مسبباً تعرض بعضهم لغيبوبة سكر أدت إلى وفاته أو تم إنقاذه بصعوبة من موت محقق، ومنهم من انتهى به الأمر لبتر أطرافه كنتيجة حتمية من مضاعفات مرض السكر غير المنضبط. ونحن لسنا ضد التوصل لمنتجات طبيعية تساعد على علاج الأمراض المزمنة، ولكن هذا الأمر يحتاج إلى ضوابط صارمة، لتتم الموافقة عليه من قبل وزارة الصحة، ويتم طرحه للتداول فى الأسواق. ولا يغيب عنا أيضا مستحضرات التخسيس التى تجد رواجاً غير عادى من المواطنين المصريين، فمعظم المصريين يعانون من السمنة بسبب عادات غذائية خاطئة مع قلة الحركة والمجهود، ونجد هذه الإعلانات التى تطاردنا على معظم الفضائيات تعلن عن أخبار سارة، وداعا للنظم الغذائية والرياضة، ومرحباً بحزام التخسيس أو بدلة التخسيس أو كريم أو لصقة للتخسيس.. إلخ. وكل هذا وهم لا ينفع ولكنه قد يضر، فقد أثبتت الدراسات العلمية، أن أفضل طريقة لإنقاص الوزن هى باتباع نظام غذائى متوازن مع ممارسة الرياضة، ولكن ما الطب البديل؟ التسمية الصحيحة له هى الطب التكميلى، أى المكمل لوسائل العلاج الطبية التقليدية، التى يتم دراستها بكليات الطب مثل العلاح بالعقاقير الطبية، إجراء الجراحات والتداخلات الجراحية، العلاج بالإشعاع أو العلاج الكيماوى. وتتنوع وسائل الطب التكميلى لتشمل حوالى 200 نوع من العلاجات المختلفة، أهمها العلاج بالأعشاب والزيوت العطرية، الوخز بالإبر الصينية، العلاج بالأوزون، العلاج بالغذاء، العلاج بالهميوباثى أو المثلى، إلخ.. ومعظمها وسائل كانت تستخدم قديماً منذ عرف الإنسان المرض، وبحث عن طريقة لعلاجه، ولكن بعد أن تغير الزمن وأصبحنا نعيش هذا التقدم العلمى فى مجالات الحياة، وعلى رأسها التقدم المذهل فى مجال الطب من التعرف على أسباب الأمراض، وعزل البكتريا والفيروسات، واكتشاف المضادات الحيوية والأمصال واللقاحات وغيرها، لا يعقل أن نرجع إلى الوراء، ونترك ما وصلنا إليه ونعود مرة أخرى إلى الموروثات من العادات والممارسات التى كانت تستخدم عند حضارات ماضية سبقت ظهور الطب الحديث، وفى نفس الوقت لا نرفض كلياً الممارسات والعلاجات القديمة التى كانت تفيد فى علاج كثير من الأمراض. ولذلك من الحكمة أن نبحث بأسلوب علمى دقيق باستخدام الدراسات العلمية المقننة عالمياً فى تقييم هذه الممارسات القديمة، لننبذ ما هو ضار وعديم الفائدة، ونصل إلى ما هو آمن، وفى نفس الوقت فعال، نقوم بإدراجه كوسيلة مساعدة لطرق الطب الحديث، وخاصة فى علاج الأمراض المزمنة والمستعصية التى يصعب علاجها بالوسائل الطبية المعتادة، أو تلك التى لا يوجد علاج لها حتى الآن، ومن هنا كانت تسمية الطب التكميلى هى الأرجح فلا يوجد بديل للطب الحديث. ونحن فى المركز القومى للبحوث، وحرصاً على صحة المواطن، وإيماناً بدور البحث العلمى فى تطوير مفهوم الطرق والممارسات العلاجية المختلفة، والتى يتم تقييمها بناء على دراسات تتبع إرشادات منظمة الصحة العالمية فى إجراء البحوث، تم إنشاء قسم بحوث وتطبيقات الطب التكميلى منذ أكثرمن ثلاثة أعوام، ودور هذا القسم هو تقنين وسائل الطب التكميلى المختلفة، وتحديد ما هو آمن ونافع منها، وما هو غير ذلك، من خلال الرجوع إلى المراجع العلمية الموثوق بها أو إجراء الأبحاث العلمية على أسس دولية معترف بها، من خلال أعضاء القسم الذين تم اختيارهم من الأطباء فقط، منهم من يشغل وظيفة أستاذ أو أستاذ مساعد (حاصل على الدكتوراه فى تخصصه، بالإضافة إلى عدد من الأبحاث أهلتهم للحصول على الدرجة العلمية)، بالإضافة إلى كوادر من الأطباء أصغر فى التدرج الوظيفى، وهم يمثلون مختلف التخصصات الطبية مثل طب الأطفال، الأمراض الباطنة والمتوطنة، أمراض الروماتيزم، التخدير.. إلخ. بعضهم حاصل على دورات تدريبية فى مجالات مختلفة من فروع الطب التكميلى مثل الوخز بالأبر الصينية، العلاج بالأوزون، الطب المثلى، العلاج بالغذاء، العلاج بالطاقة، أو له خبرة اكتسبها بالممارسة أو بإجراء الأبحاث الطبية أو التقدم للحصول على براءات اختراع فى مجالات الطب التكميلى، مثل العلاج بالأعشاب والزيوت العطرية. ولذلك أصبح لدينا جهة علمية منوط بها إصدار فتاوى الطب التكميلى، إما بإبداء رأى فورى إذا كانت هناك أبحاث وأدلة علمية قد أجريت بالفعل على وسيلة من وسائل الطب التكميلى، تساهم فى علاج مسألة طبية ما، أو يتأجل البت فيها لأنها بحاجة إلى مزيد من الأبحاث الإضافية التى سيتم إجراؤها بمعرفة أعضاء القسم لتحديد رأى علمى موثوق به.