قبل أن تهدأ الثورة وفى ظل تحركات الإخوان المتسارعة لإعلان برنامجهم للحزب الجديد، أعلن د. محمد حبيب النائب الأول السابق للمرشد العام لجماعة الإخوان استقالته رسميا من مجلس شورى الجماعة، معتبراً أن هذا رسالة للجميع لكى يعطوا الشباب الفرصة للقيادة بعد أن أثبتوا فى الثورة وبعدها أنهم أقدر ولديهم إمكانيات القيادة. حبيب الذى حدثت بسببه ضجة كبيرة فى انتخابات مكتب الإرشاد الأخيرة وضع خريطة طريق للإخوان للحفاظ على مكانتهم وقوتهم بتطبيق عملى للديمقراطية والتواصل مع الشباب والاستقلالية التامة للحزب المزمع إنشاؤه، بل محذرا الجماعة إن لم تستلهم روح الثورة وترق لمستوى تفكير وتحرك الشباب والشارع سيتجاوزها الشباب ويخرجون كما خرجوا فى ثورة 25 يناير.. وتفاصيل أخرى فى الحوار التالى. ◄◄ما دور جماعة الإخوان فى الثورة؟ - الإخوان كجماعة لم يفجروا الثورة، لكنهم كانوا شركاء فيها، التحقوا بها وانضموا إليها وصاروا جزءاً منها، شأنهم فى ذلك شأن الملايين، كان شباب الإخوان ضمن شباب الفيس بوك المخططين للشرارة الأولى للثورة، ومنهم من خرج بدون توجيهات أو تعليمات الجماعة يوم 25 يناير، ومجموعة ثالثة كان لها دور يوم «جمعة الغضب» 28 يناير و2 فبراير فيما عرف بموقعة الجمل فى التصدى للبلطجة وأعمال العنف، وسقط منهم الشهداء والجرحى، ولولا ثبات هؤلاء الشباب والقيادات فى الميدان لكان للتاريخ مسار آخر. ◄◄ هل ثقافة الثورة من ثقافة الجماعة ومبادئها؟ - ثقافة الثورة والعصيان المدنى ليست موجودة فى فكر أو منهج أو أدبيات الإخوان، وكانت تقابل بالرفض وعدم القبول على اعتبار أن الثورة - على وجه الخصوص - تتيح للغوغاء والدهماء والمجرمين ركوب موجاتها ليعيثوا فى الأرض فساداً وتدميراً وسلباً ونهباً، لكن الثورة أذهلت العالم بما تميزت به من نقاء وكانت ثورة بيضاء. ◄◄ لماذا الشباب هم من أشعل الشرارة وليس الجماعة؟ - لم يكن أحد، حتى شباب الفيس بوك والذين خرجوا يوم 25 يناير، يتوقع حدوث ثورة، وشاءت أقدار الله أن تجرى الأحداث على النحو الذى رأيناه، لا أحد ينكر فضل ثورة تونس فكانت ملهمة، لكن الجماعة تنظيم له وزنه وحجمه وانتشاره يفرض عليه التأنى والتريث فى الحركة على المستوى المجتمعى، خاصة فى مواجهة نظام قمعى لا توجد لديه خطوط حمراء، فضلا على مساندة ودعم الغرب له، إضافة إلى توقعنا استحالة خروج الشعب لمواجهة النظام الأرعن، لأدركنا لماذا كان الإخوان يستبعدون، كغيرهم، فكرة الثورة، لكن الشباب كان له حلمه وخياله وتجاوز حدود المألوف، ساعده على هذا الإنترنت والسماوات المفتوحة، وقدرته على التفاعل بكفاءة عالية. ◄◄ لكن كيف ستتعامل الجماعة وقيادتها مع مثل هذه الحالة الآن؟ - إذا لم تستطع قيادات الجماعة أن ترقى إلى روح الثورة وما أحدثته وتحدثه من تفاعلات، فسوف تخسر الجماعة ويخسر الوطن كثيراً، فمطلوب أن تقترب القيادة من الشباب وتستمع وتدير حواراً وستكون لهذا آثاره بعيدة المدى على مسيرة الجماعة ومشروعها النهضوى والحضارى، ومطلوب تحسين وإجادة وتطوير وسائل التواصل مع الرأى العام بكل شرائحه وطوائفه، على اعتبار أن الشباب هم الرصيد الهائل الداعم والساهر على حماية الثورة، والذى سيحمل مشروع الجماعة. ◄◄ هل ستظل هذه التحديات قائمة فى ظل إعلان الإخوان إنشاء حزب سياسى؟ - الثورة أحدثت روحاً جديدة وكتبت شهادة ميلاد تاريخ جديد لمصر، وإن لم ترق الأحزاب والقوى السياسية والتنظيمات والجمعيات والجماعات، ومنها الإخوان، لهذه الروح فسوف تفقد الكثير من رصيدها لدى الشعب، غير أنى واثق ومطمئن إلى أن روح الثورة لن تتوقف، والشباب الذين فجروا الثورة وظلوا فى الميدان حتى تتحقق أهدافها من إسقاط الرئيس وإسقاط نظامه سوف يواصلون المسيرة. ◄◄ هل يصلح هذا والجماعة مازالت تتعامل بأسلوب السمع والطاعة؟ - السمع والطاعة بالشكل الذى كانت تتم به سوف يعاد النظر فيها، خاصة فى ظل الحزب السياسى، سوف يحل محلها ما يمكن تسميته بالالتزام الحزبى، والثقافة الأبوية التى كانت موجودة سوف تعاد صياغتها إلى ثقافة الأخوة والاحترام والثقة المتبادلة، ذلك كله يتطلب تغييرات أو تعديلات جذرية فى اللوائح والهياكل والمهام. ◄◄ ما هى مقترحات التعديل المطلوب؟ - لا يصح أن يجمع المرشد بين رئاسته لمكتب الإرشاد ومجلس الشورى، ولا يصح أيضاً أن يجمع أعضاء مكتب الإرشاد ورؤساء المكاتب الإدارية بين مواقعهم التنفيذية وعضوية مجلس الشورى، ولا أن يقوم مكتب الإرشاد بتعيين 15 عضواً لمجلس الشورى، فلو أن هناك 100 عضو يمثلون مجلس شورى الجماعة، ف 60 إلى 65 عضواً منهم يمثلون هيئة تنفيذية، فعن أى شورى تتحدث؟ ولا يصح أن تكون طريقة اختيار أعضاء مجلس الشورى أو مكتب الإرشاد منذ 1989 هى ذاتها، خاصة فى ظل أجواء الحرية الحالية. ◄◄ دائماً ما يبرر مسؤولو الجماعة أنهم ليسوا دولة ليكون لديهم فصل بين ما هو تنفيذى وتشريعى؟ - لابد أن نقدم النموذج، نحن لا نستطيع أن نطالب غيرنا بما لا نلزم به أنفسنا، ثم نحن لا نطالب بتنفيذ ما لم يسبق أحد إلى تنفيذه، فجميع الإخوان فى العالم يفصلون بين ما هو شورى وما هو تنفيذى، فما هو الغريب فى ذلك؟ ولماذا نكون نحن بدعا؟ ◄◄ هل تصلح الجماعة بأنشطتها المتشعبة والتوسع الكبير بعدما أعلنت عن إنشاء حزب سياسى؟ - الجماعة لها ثلاث وظائف أساسية، تربوية ودعوية وسياسية، التربوية خاصة بتربية الصف الإخوانى واستقامته على منهج الله، حتى يكون مؤهلا لدعوة عموم المسلمين للفهم الصحيح للإسلام، والالتزام بقيمه وآدابه، وهو ذاته ما يقوم به من يمارس العمل السياسى، بمعنى الاهتمام بالشأن العام، من منطلق «ومن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم». ◄◄أى أن وظيفة الجماعة الأصلية الاهتمام بالشأن العام ليس المنافسة على السلطة؟ - المنافسة على السلطة تتطلب حزبا سياسيا، وكان موقفنا واضحاً فى أنه لا يمكن التفكير فى إنشاء حزب، إلا بعد إلغاء لجنة شؤون الأحزاب وإطلاق حرية إنشائها، ويوم يشعر الإخوان أن الشعب أصبح يغلب المصلحة العامة على الخاصة، وأنه يشارك بإيجابية ووعى فى صنع الحياة وتقرير المصير، فإنهم سيكونون مستعدين للمنافسة على السلطة. ◄◄ ما هى أساسيات إنشاء حزب للإخوان فى ظل بقاء الجماعة كما هى؟ - الحزب لابد أن يكون مستقلاً تماماً عن الجماعة، فى هياكله ولجانه وأعضائه وقراراته، فلا يصلح أن يأخذ الحزب تعليماته لا من المرشد ولا من مكتب الإرشاد، ولا أن يكون هناك تداخل تنظيمى بين الاثنين، هذه قضية أساسية، وإلا سيفقد الحزب مصداقيته أمام الرأى العام الذى يراقبنا ويرصد بدقة ممارساتنا وحركاتنا، كما أن الحزب سيضم إخوانا ومسلمين وأقباطا،سيكونون مسؤولين عن إدارة شؤونه، ولابد من التأكيد على أن هذا الحزب يرتكز فى أصوله وأسسه وقيمه على المرجعية الإسلامية. ◄◄ لكن الأمر ملتبس الآن فى وكيل المؤسسين وطريقة اختياره فهو عضو مكتب الإرشاد ومتحدث رسمى باسم الجماعة مما يعنى أن الجماعة هى التى ستضع البرنامج؟ - اختيار وكيل المؤسسين لا يعنى شيئاً، فهو مسألة إدارية بحتة، لكن مؤسسى الحزب هم المسؤولون عن اختيار الرئيس وهياكله وتحديد صلاحيات كل منهم، أما البرنامج فيمكن أن يتضمن ثوابت، تضعها الجماعة ويرتضيها ويوافق عليها المؤسسون، ومتغيرات يمكن التحاور بشأنها بين المؤسسين أنفسهم. ◄◄ مازال الإخوان يرفضون ترشيح المرأة والقبطى لرئاسة الدولة فما هى رؤيتك؟ - لابد أن يكون لجميع الأعضاء فى الحزب حقوق متساوية، فللمسيحى والمرأة كل الحقوق والواجبات، ومسألة الترقى والتصعيد لتولى المناصب العليا على أساس القدرة والكفاءة، والترشح لمنصب الرئيس أو لعضوية مجلس الشعب فيجب أن يكون من شؤون الحزب ليقررها. ◄◄ الجماعة تبرر ذلك بأنه اختيار للرأى الفقهى؟ - إشكالية الخلاف حول ترشح المرأة والمسيحى للرئاسة فى مصر كان مرجعه ما تمثله مصر فى رؤيتنا، هل هى كلٌّ أم جزء؟ بمعنى هل مصر المظلة التى تضم ويتبعها كل الدول العربية والإسلامية، بالتالى تصير الرئاسة فيها «الولاية العظمى» كما كان فى زمن الخلافة؟ أم أنها دولة وطنية شأنها شأن بقية الدول العربية والإسلامية، وبالتالى لا تمثل فيها الرئاسة ولاية عظمى، ومن ثم يسمح للمرأة والمسيحى أن يترشح فيها لمنصب الرئاسة؟ ورأيى أن مصر جزء من كل، وليس هناك مانع من ترشح المرأة أو المسيحى لمنصب الرئاسة فيها، والشعب يختار، ثم إذا وضعنا فى الاعتبار أن الحكم سوف يكون للشعب ولمؤسساته الدستورية، ولن يكون هناك ذاك الرئيس الذى يحكم بتلك الصلاحيات المطلقة وغير مساءل أمام أية جهة. ◄◄ هل الإخوان مازال لديهم أمل الخلافة؟ - ولم لا؟ العالم كله يتجه لتكوين كيانات كبيرة قوية تتكامل فيما بينها، أمريكا، أو الاتحاد الأوروبى تجمعات، وكل دولة لها نظامها ورئيسها ودستورها وقوانينها، فلماذا لا يكون للدول العربية والإسلامية اتحادها ليوحد صفها وكلمتها، مع الاحتفاظ لكل دولة بدستورها ونظامها وحاكمها. ◄◄ البعض يرى أن ما حدث فى مصر من ثورة وما تلاها من تحركات عربية دليل على عودة الخلافة بمبرر أن مصر الدولة العظمى؟ - لاشك أن مصر دولة كبيرة لها مكانتها ومنزلتها وهى القاطرة التى يمكن أن تشد العالم العربى خلفها، لكن العالم العربى والإسلامى أكبر من هذا بكثير.. فأين تركيا، والسعودية، وسوريا، والجزائر، وإندونيسيا، وباكستان.. إلخ؟