أذاعت محطة سى إن إن الأمريكية تقريرا حول العلاقة بين جهاز مباحث أمن الدولة الذى تم حله، وبين النادى الأهلى، وقالت إن قيادات فى أمن الدولة خططت لحصول الأهلى على بطولة الدورى حتى عام 2020..والحقيقة أن هذا التقرير يفتح من جديد ملف العلاقة بين السياسة والكرة، والدور السلبى الذى لعبته اللعبة الشعبية الأولى فى إلهاء الناس عن الاهتمام بقضايا الفساد والاستبداد والانشغال بالصراع بين مشجعى الأهلى والزمالك والإسماعيلى على لقب الدورى والكأس عن سيناريوهات التمديد والتوريث والنهب المنظم لثروات الوطن وتزوير الانتخابات وإفقار الناس و"سرطنة" الشعب للبقاء لأطول مدة فى الحكم واحتكار خيرات الوطن لصالح فئة محدودة من المقربين لعائلة الرئيس والدوائر التى تحيط بهم. وكشف التقرير أن قيادات فى جهاز مباحث أمن الدولة كانت تتدخل فى انتخابات الأندية وصفقات بيع وشراء اللاعبين، حتى تحافظ على التفوق الدائم للنادى الأهلى صاحب الشعبية الأولى فى مصر، حتى تبقى النسبة الغالبة من الجماهير التى تشجع الفريق فى حالة انتشاء وسعادة زائفة تنسيها مرارة الحياة وصعوبة الظروف الاقتصادية وزيادة طوابير العاطلين. ويبدو لافتا عودة الاهتمام بالسياسة فى الشارع المصرى والمناقشات حول الدستور وتعديله أو إلغائه وشخصية الرئيس القادم ودور الأحزاب وغيرها من الموضوعات المهمة، التى تتعلق بحاضر ومستقبل هذا الوطن، منذ توقف البطولات الرياضية بعد أحداث ثورة 25 يناير، بعد أن توقف الحديث على المقاهى وفى المواصلات العامة ومنتديات الإنترنت وصفحات الفيس بوك حول الفريق الأجدر بالفوز بالدورى وأحدث صفقات انتقال اللاعبين بين الأندية، ليحل محلها قضايا أهم ظلت غائبة أو مغيبة لسنوات طويلة عن حوارات واهتمامات الناس، وعادوا إلى الكلام فيها بعد أن أصبحوا يشعرون بأنهم أصحاب الوطن الحقيقيون وأن أصواتهم وآراءهم لها قيمة وتأثير، وهناك من سيستمع لها ويأخذها بعين التقدير والاحترام، لأنها جزء من الحوار المجتمعى لاختيار أفضل صيغ الحكم. فلم يعد الانشغال بالشأن السياسى مقصورا على النخبة سواء الحاكمة أو المعارضة، ولم تعد الأغلبية صامتة أو مهمشة.وأصبح من المشاهد المعتادة الآن فى الشارع المصرى أن تستمع إلى جدال يصل أحيانا إلى درجة الصراخ وتبادل الاتهامات بين مجموعات من الناس فى المترو أو الأتوبيسات أو على المقاهى حول الدستور أو إحدى الشخصيات المرشحة للرئاسة ، أو رئيس تحرير حكومى كان بوقا من أبواق النظام البائد أو شخصية عامة مختلف على ولائها للشعب أو للحزب الوطنى ..وهى حوارات لم يكن من الممكن الاستماع لمثلها سوى فى مقار الأحزاب الوهمية أو برامج التوك شو. ولم يعد الناس يهتمون كما كان الحال قبل الثورة بأخبار عقد "ميدو" أو مرتب "جوزيه" أو عودة مرتضى أو إصابة أحمد حسن أو فرقعات الثنائى حسام وإبراهيم حسن، سوى من باب الحديث عن الفساد فى الوسط الرياضى الذى بدأ يتكشف وتفتح ملفاته من ضمن الملفات التى تم فتحها بعد سقوط مبارك ونظامه ورموز حكمه. وأصبحت تجد الكثيرين من الناس يتحدثون باستهجان عن المبالغ والأرقام المبالغ فيها التى يحصل عليها نجوم ولاعبو ومدربو كرة القدم بدون وجه حق، رغم أن الحوار كان يجرى قبل أيام من الثورة حول نداء رئيس نادى الزمالك لجماهير ورجال الأعمال المنتمين للنادى للتبرع بالمال لاستكمال عقد"شيكابالا" وقدره 27 مليون جنيه، فى الوقت الذى انهارت فيه الخدمات فى النادى العريق ولم يعد موظفوه يجدون المال الذى يقبضون به رواتبهم. والخوف، كل الخوف أن ينتهى كل ذلك النقاش السياسى المحترم ويخفت اهتمام الشعب بهمومه الحقيقية مع استئناف مباريات الدورى العام لكرة القدم فى منتصف إبريل، وتعود ريما إلى عادتها القديمة ، وتعود الساحرة المستديرة لتلهى الناس عن الانشغال بالحاضر والمستقبل لصالح لعبة أصبحت بالفعل أفيون الشعوب، وتحولت إلى "كيف" أقوى من الحشيش وأخطر من البانجو!