أثارت ثورة الغضب المصرية التى قام بها شباب مصر اهتمام وسائل الإعلام العالمية والقنوات الفضائية، وكانت تنقل كل ما يدور بميدان التحرير والمحافظات المصرية، ويرددون الهتافات المختلفة التى ينددون فيها بالنظام الحاكم ومساوئه، ومن ضمن الهتافات الشعب يريد إسقاط النظام، وكنت تجدها مجلجلة من أفواه ملايين اكتوت بنار هذا النظام طوال ثلاثين عاماً، فوجدتنى أشعر برهبة زلزلت كيانى، وأن هذه الهتافات تنم عن شىء ما تخبؤه الأقدار لهذه الجموع الغاضبة، ومن كثرة ترديد هذا الشعار وجدت ابنتى التى لم تكمل السنتين من عمرها ترفع يدها عاليا بعفوية وسذاجة الطفولة تردد الشعار، وانتابنى إحساس بالتفاؤل أن هذا النظام سيسقط لا محالة. ولم يكد يمر يوم، الجمعة، 11/2/2011 حتى جاءت اللحظة الحاسمة التى سيتنفس فيها الشعب المصرى نسيم الحرية بعد كابوس الثلاثين عاما الذى ظل جاثما على الصدور، وهتفت الجموع فى ميدان التحرير وكل مكان فى أرجاء المحروسة تعبيرا عن فرحة انتهاء عهود الظلم والاستبداد والقمع، واستقبال عهود الديمقراطية والحرية والعدالة، ولم يكن خروج هذه الجموع مصادفة، أو ساقها أحد بالقوة لتهتف وتعبر عن فرحتها، وإنما مدفوعة بتلقائيتها لتشرق شمس عهد جديد فى مصر. وكتمت هذه الجموع الغفيرة أنفاس أعداء الحرية وأذناب النظام، ودخلت إلى جحورها مذعورة بعد أن بثت سمومها مستغلة أبواقها العفنة التى دعمها النظام، لتقمع وتبطش بإرادة الشعب المسكين، وهم يعتقدون بأن الحياة لن تدب أبدا، وأن القدر لن يستجيب، ولكن خابت ظنونهم واستجاب القدر، لأن الشعب أراد الحياة، فانجلى الليل وانكسر القيد وتمسك الشعب بالحياة وعانقها، فلم يتبخر ويندثر. ولم تفلح أبواق الظلام فى ردع هؤلاء الشباب ولم تكسر إرادتهم، وحاربوهم بكافة الوسائل التى عفا عليها الزمن، وكان الشباب يواجههم بإرادة فولاذية لا تلين ولا تستكين أبدا، وكانوا عازمين قدماً على تحرير مصر وخلاصها من عهدها البائد، والشعب يترقب وينتظر ويشفق على هؤلاء الشباب، وتارة يدعو لهم لأنهم عبروا عنه واستطاعوا أن يفعلوا ما لم يستطيعوا فعله، وتارة يختلف معه لأن الحياة توقفت فى مصر، وأصابها الشلل متأثرا بأبواق أنس الفقى فى التضليل الإعلامى ونشر الأكاذيب عن هذا الشباب الوطنى. وجاءت ساعة الحسم ويشعر الشعب بصدق نوايا هؤلاء الشباب وإخلاصهم لوطنهم، فلبى النداء والتف حول الشباب واندلعت الثورة فى ربوع مصر والكل يردد شعار واحد هو الشعب يريد إسقاط النظام.. الشعب يريد إسقاط النظام، وتوقفت الحياة فى مصر تماما إيذانا بزوال عصر الديكتاتورية والاستبداد، وميلاد عهد جديد وشروق شمس الحرية تعانقت فيها كل أطياف القوى التى تشكل نسيج هذا الوطن مسلمين.. مسيحيين.. إخوان.. سلفيين.. علمانيين.. كفاية.. تجمع.. وفد.. وكافة الأطياف الأخرى. ولم ينسب أحد الثورة لنفسه فالكل أنكر ذاته، وكان قائدها الشعب المصرى الذى سعى لهدف واحد وهو إسقاط النظام من جذوره، حتى لا تقوم له قائمة بعد ذلك، وعدم الرضا بأنصاف الحلول, أو المسكنات التى يرميها النظام بين الفينة والأخرى يريد بها إسكات هذه الأفواه الهادرة، فتحقق له ما أراد وسقط النظام.