بعد 27 عاماً من النزاع، حسمت محكمة استئناف القاهرة النزاع بين وزارة الثقافة وشركة السباخ المصرية الحكومية على ملكية 30 فداناً بمنطقة مصر القديمة، والتى قامت الشركة ببيعها لأحد رجال الأعمال، وجاء الحكم لصالح الشركة ورجل الأعمال. كانت وزارة الثقافة "ادّعت" - كما جاء فى الدعوى القضائية التى أقامتها الشركة - بأثرية هذه الأراضى، وأنها تتبع المجلس الأعلى للآثار وسيطرت عليها، إلى أن أثبتت المحكمة خلوها من الآثار وانعدام السند القانونى وأحقية رجل الأعمال فى الانتفاع بالأرض. وكشفت المستندات - التى حصل "اليوم السابع" على نسخة منها - أحقية الشركة فى استرداد الأرض محل النزاع وإلزام وزارة الثقافة بسداد نحو 28 مليون جنيه كتعويض لصالح شركة السباخ المصرية وشركة النور للتنمية العقارية، إحدى الشركات التى آلت إليها الأرض، بموجب التصفية التى خضعت لها الشركة فى ذلك الوقت. تعود وقائع النزاع الواردة فى المستندات إلى عام 1967، حيث قامت وزارة الثقافة بالاستيلاء على قطعة أرض مملوكة إلى شخص يدعى "إبراهيم هلال إبراهيم" بموجب عقد مسجل صادر عن شركة السباخ المصرية، وهى إحدى الشركات الحكومية التى تم تصفيتها بمنطقة مصر القديمة بدعوى أن هذه الأرض منطقة أثرية تتبع للوزارة. واستمر النزاع حتى حسمته محكمة النقض لصالح شركة السباخ عام 1981 بتقرير ملكية تلك الشركة للأرض، وعندما تم عمل مجسات واختبارات الأرض تبين أن الأرض خالية من الآثار. وفى عام 1994 تقرر تسليم الأرض لشركة السباخ المصرية بعد إثبات خلوها من الآثار، إلا أن المفاجأة كانت عدم خلو الأرض، ووجود تعديات عشوائية ضخمة عند التسليم، وأن هيئة الآثار أصدرت قرارات إدارية بإزالتها وحررت محاضر مخالفات مبان للمتعدين عليها، إلا أن الهيئة لم تقم بتنفيذ تلك القرارات وأهملت حراسة الأرض حتى تكونت عليها المنطقة العشوائية وجبال من القمامة على باقى الأرض، مما جعل الأرض فى حكم العدم واستحالة الانتفاع بها بدون إزالة تلك العقبات. وتشير الدعوى القضائية إلى أنه فى أغسطس عام 2000 قضت محكمة أول درجة بندب خبير لبحث وضع الأرض، وانتهى الخبير فى تقريره إلى أن أضرار التعديات العشوائية تتكون من 293 تعديا، وأن كل تعدٍ مكون من وحدات يشغل كل منها أسرة مستقلة، وأكدت الدراسات الأمنية استحالة تنفيذ قرار الإزالة إلا بعد تدبير وحدات بديلة لقاطنى هذه الوحدات. وأضاف تقرير الخبير أن إخلاء الشاغلين للتعديات لنحو 1465 حالة يتكلف نحو 7 ملايين و325 ألف جنيه بواقع 5 آلاف جنيه كمقدم ثمن الوحدة الواحدة، وإن كان ثمن الوحدة لا يقل سوقيا عن 15 ألف جنيه، كما أن إزالة تلك التعديات سيتكلف نحو 3 ملايين جنيه تشمل تكسير المبانى والخرسانات والأساسات ونقل مخلفات الهدم. وبناءً على ما سبق، صدر حكم من محكمة جنوبالقاهرة الابتدائية فى مايو عام 2001 لصالح رجل الأعمال بإلزام المجلس الأعلى للآثار بأن يدفع لشركة النور للتنمية العقارية نحو 19 مليوناً و479 جنيهاً، بالإضافة إلى 12 مليوناً و986 ألف جنيه كتعويض لشركة السباخ المصرية، لما أصابها من أضرار مادية، إلا أن وزارة الثقافة قررت الطعن على الحكم بالاستئناف رقم 7603 لسنة 108 ق أمام محكمة استئناف القاهرة، وتم رفض الاستشكال موضوعا وتعديل حكم التعويض بأن يصبح 17 مليون جنيه بدلا من 19 مليون جنيه لشركة النور للتنمية العقارية وتخفيض التعويض المقرر لصالح شركة السباخ المصرية ليصبح 10 ملايين جنيه بدلا من 12 مليون جنيه. الغريب أن وزارة الثقافة لم تلتزم بتنفيذ الحكم الصادر من المحكمة سواء بدفع التعويض المقرر بعد حكم الاستئناف، رغم حصول شركة السباخ وشركة النور على حكم من المحكمة مصحوبا بصيغة تنفيذية واجبة التنفيذ، وهو ما دفع شركة السباخ المصرية ورجل الأعمال لتقديم جنحة مباشرة ضد وزير الثقافة وزاهى حواس للامتناع عن تنفيذ حكم قضائى طبقاً لنص المادة 123 من قانون العقوبات. ومن جانبه، أكد أشرف العشماوى، المستشار القانونى للمجلس الأعلى للآثار، أن القضية تعود إلى حصول الشركة على حكم نهائى واجب النفاذ، وفى ذلك الوقت أكد المجلس الأعلى للآثار استعداده لتنفيذ الحكم. وقال العشماوى، إن المجلس طالب الشركة بضرورة جدولة المبالغ المحكوم بها، رغم الظروف المالية التى كان يمر بها المجلس، ورفضت الشركة الطلب المقدم من المجلس، بل وأقامت دعوى جنحة مباشرة لعدم تنفيذ الحكم، وقام المجلس بتقديم كافة المستندات التى تثبت استعداده لتنفيذ الحكم. وأضاف العشماوى أنه يطالب الشركة بالحضور من أجل الاتفاق على جدولة المبالغ المحكوم بها على 6 أشهر، إلا أن الشركة متعنتة فى قبول الطلب بالجدولة، بل طالبت الشركة بصرف تعويضات غير قانونية لتأخر المجلس فى السداد.