فى أول مقال ينشر لى بجريدة اليوم السابع فى يوينو 2009، كتبت مقالا عن المرأة، بعنوان آن الآوان أن تدخل المرأة بكل ترحاب ميدان الشئون الإنسانية كشريكة كاملة للرجل، وذلك بعد أن صدر قرار رئاسى بتحديد كوتة للمرأة فى البرلمان المصرى، وكان حلمى أن أرى بنات جنسى تجاهد ليلا ونهارا حتى تتساوى حقوقهن بالرجال وقلت وقتها إن عدم اشتراك المرأة فى الماضى اشتراكاً مُتكافئاً مع الرجل فى شئون الحياة لم يكن أمراً أملته طبيعتها بقدر ما برّره نقص تعليمها وقلة مرانها وأعباء عائلتها، وعزوفها عن النزال، أما وقد فُتحت اليوم أبوابُ التعليم أمام المرأة، وأُتيح لها مجالُ الخبرة بمساواة مع الرجل، وتهيأت الوسائل لإعانتها فى رعاية أسرتها، لم يعد هناك لزوم لإبقاء امتياز الرجل، لأن تحقيق المساواة بين عُضْوَى المجتمع البشرىّ يُتيح الاستفادة التامة من خصائصهما المتكاملة ويُسرع بالتقدم الاجتماعى والسياسى ويُضاعف فرص الجنس البشرىّ لبلوغ السعادة والرفاهية. أما الآن بعد انتهاء انتخابات البرلمان وتهنئتى لكل النائبات المحترمات أقول لهن آن الآوان أن تتقدمن بأفكار جديدة وأن تشاركن بإيجابية مطلقة فى دفع عجلة التنمية فى البلاد، ولتتذكر كل نائبة بالبرلمان الجديد أنها نائبة عن كل الشعب وليس فقط عن دائرتها أو عن حقوق بنات جنسها أو عن قضايا معينة بل عن كل قضايا الوطن وكل ما يخص الحياة الاجتماعية للمصريين من تعليم وصحة وقضايا البيئة وتحسين الوضع الاجتماعى للفئات المهمشة وإدماجهم فى المجتمع فى مشاريع طويلة الأجل، وألا تنظر إلى زمن ولى فهذه هى الفرصة التى أعطى إشارة البدء فيها منذ عام ونصف رئيس مصر والسيدة قرينته فى خطوة أشكرهم عليها، إن ما سوف تحصده أى عضوة فى البرلمان هو حب الشعب وذلك عندما تعطى النموذج والمثل فى خدمة كل المجتمع. ومع أن هناك فرق بين التمييز على أساس اللون والتمييز على أساس الجنس إلا أننى أورد قصة كفاح طويلة حدثت فى ديسمبر من عام 1955م هى قصة السيدة روزا باركس السيدة السمراء التى رفضت أن تظل مواطنة من الدرجة الثانية فى بلادها الولاياتالمتحدةالأمريكية التى كانت ترزح بالعنصرية على أساس اللون حتى القرن الماضى، وذلك حين أصرت أن تنال حقها فى عدم التنازل عن مقعدها فى حافلة النقل العام لرجل أبيض اللون ورغم الثورة العارمة التى حدثت بسبب هذا الموقف الذى لم يتخذه أى رجل من قبل بل كانت هذه المرأة هى الأشجع فى اتخاذ الخطوة الأولى. وهنا انطلقت الشرارة فى سماء الولاياتالمتحدة، ثارت ثائرة السود بجميع الولايات، وقرروا مقاطعة وسائل المواصلات، والمطالبة بحقوقهم كبشر لهم حق الحياة والمعاملة الكريمة واستمرت محاكمة روزا، وبالفعل تم التحقيق معها وتغريمها 15 دولار، وبعدها قام القس مارتن لوثر كينج بالدفاع عنها وبمساعدة أصدقاء بيض هم زملاء دراسة بالشمال الأمريكى وصل صوته وصوت ذوى البشرة السمراء إلى كل الولاياتالأمريكية مطالبين بالحق والعدل لكل المواطنين، استمرت حالة الغليان مدة كبيرة، امتدت أكثر من عام، وأصابت أمريكا بصداع مزمن، وفى النهاية خرجت المحكمة بحكمها الذى نصر روزا باركس فى محنتها، وتم إلغاء ذلك العرف الجائر وكثير من الأعراف والقوانين العنصرية فى قضية حكم فيها قضاة بيض اللون ولكنهم ذوى بصيرة بعيدة النظر يملؤها الإيمان بإنسانية الإنسان. ثم أصبحت روزا باركس بعد ذلك رائدة للحقوق المدنية الأمريكية وحصلت على أعلى الأوسمة مثل الوسام الرئاسى للحرية عام 1996، والوسام الذهبى للكونجرس عام 1999، وهو أعلى تكريم مدنى فى البلاد وفوق هذا وسام الحرية الذى أهدته لكل بنى جنسها. وفى أكتوبر 2005 عن عمر يناهز اثنين وتسعين عاما رفرفت روحها إلى بارئها وبكاها آلاف الأمريكيين من المشيعين الذين تجمعوا للمشاركة فى جنازتها ونكس علم بلادها وحضرها رؤساء بعض الدول وتم تكريمها بأن وضع جثمانها بأحد مبانى الكونجرس منذ وفاتها حتى دفنها وهو إجراء تكريمى لا يحظى به سوى الرؤساء والوجوه البارزة ولم يحظ بهذا الإجراء سوى ثلاثون شخصا منذ عام 1852، ولم يكن منهم امرأة واحدة، لقد حصدت روزا فوق كل هذا حب واحترام الشعب الأمريكى. رغبت من ذكر هذه القصة أن أقول للسيدات، إن عليهم الكثير من العمل بقوة هادئة فى خدمة البلاد مثلما كافحت هذه السيدة ومثلما كافحت هدى شعراوى وصفية زغلول وملك حفنى ومئات المصريات الذين عملوا بقوة هادئة ولكنها ظاهرة للعيان، وعدم الانتظار إلى حصاد ما يزرعونه من عمل مضى شاق فى سبيل رفعة بلادهم لأنه ربما يحصد أبنائهم وأحفادهم نعم ما يزرعون. أتمنى أن أرى اليوم الذى يختار فيه المصريون الرجال والنساء مناصفة حسب دورهم الريادى فى خدمة كل المجتمع بالانتخاب وليس بالكوتة كما حدث فى البرلمان الرواندى منذ أكثر من عامين عندما انتخب الروانديون 54% من أعضائه من السيدات بعد أن اجتهدن فى خدمة المجتمع بكل قوتهم.