وزير الدفاع: القوات المسلحة قادرة على مجابهة أى تحديات تفرض عليها    الهجرة تعلن موافقة وزارة الطيران على توفير خط مباشر إلى سول ولوس انجلوس    القائم بأعمال رئيس جامعة بنها الأهلية يتفقد سير الامتحانات بكليات الجامعة    آخر موعد للتقديم في مسابقة التربية والتعليم 2024.. الرابط والتفاصيل    زيادة الإقبال على توريد القمح بالبحيرة وشون وصوامع المحافظة تستقبل 211 ألف طن    «السياحة»: لا تهاون في تطبيق ضوابط الحج لعام 2024    عبد الغفار يستعرض جهود الوزارة في تشجيع الاستثمار بالتعليم الجامعي    مواعيد وأماكن قطع المياه في عدة مناطق غرب الإسكندرية اليوم    المتحدث باسم جيش الاحتلال: العلاقة مع مصر مهمة جدا    بمشاركة زعماء وقادة.. ملايين الإيرانيين يلقون نظرة الوداع على رئيسي (فيديو)    «قانونية مستقبل وطن» ترد على CNN: مصر ستواصل دعم القضية الفلسطينية    هيئة البث الإسرائيلية: حكومة الحرب ستدعم مقترحا جديدا لمفاوضات غزة    بايرن ميونخ يتوصل لاتفاق مع كومباني لتدريب البافاري    تعرف على قائمة الأهلي لمواجهة الترجي في إياب نهائي دوري أبطال أفريقيا    اتحاد اليد يقرر تعديل موعد مباراة القمة بين الأهلي والزمالك    وصول جثمان شقيق هاني أبوريدة إلى جامع السلطان حسين بمصر الجديدة "صور"    إحباط تهريب عملات محلية وأجنبية بالمطار    وكيل «تعليم الغربية»: انتهاء امتحانات الإعدادية بدون شكاوى ولا تسريبات    تجديد حبس سائق ميكروباص معدية أبو غالب وعاملين بتهمة قتل 17 فتاة بالخطأ    تأجيل محاكمة المتهمين بقتل زوج شقيقتهم بالفيوم للشهر المقبل    «إيرادات دور العرض السينمائي».. فيلم «السرب» يُحافظ على الصدارة    رفع كسوة الكعبة استعدادًا لموسم الحج 2024 | صور    اليوم.. كاظم الساهر يحيي حفلا غنائيا في دبي    هل يجب على الحج بمجرد استطاعتي أم يجوز لي تأجيله؟.. الأزهر للفتوى يجيب    الافتاء توضح حكم إمساك مريد التضحية لشعره وظفره    تاج الدين: مصر لديها مراكز لتجميع البلازما بمواصفات عالمية    وفد المركز الأوروبي للوقاية من الأمراض يزور مستشفى شرم الشيخ الدولي    الرعاية الصحية تعلن نجاح اعتماد مستشفيي طابا وسانت كاترين بجنوب سيناء    «صحة المنيا»: تقديم الخدمات العلاجية ل7 آلاف مواطن خلال شهر    وزير الري يلتقي مدير عام اليونسكو على هامش فعاليات المنتدى العالمي العاشر للمياه    "شوف جمال بلدك".. النقل تعلن تركيب قضبان الخط الأول للقطار السريع - فيديو    إصابة طفلين فلسطينيين برصاص الاحتلال شرق مدينة قلقيلية    "العدل الدولية" تصدر غدا حكمها بشأن تدابير الطوارئ في قضية الإبادة الجماعية ضد إسرائيل    تعليم القاهرة تعلن تفاصيل التقديم لرياض الأطفال والصف الأول الأبتدائي للعام الدراسي المقبل    إصابة مسنة وشابين في انفجار إسطوانة بوتوجاز داخل منزل بمنطقة إمبابة    أوكرانيا: ارتفاع عدد قتلى وجرحى الجيش الروسي إلى 497 ألفا و700 منذ بداية الحرب    إعلام عبري: العدل الدولية تستعد لإصدار أمر بوقف الحرب في غزة    تحرير 116 محضر إشغالات في ملوي بالمنيا    مسلسل البيت بيتي 2.. هل تشير نهاية الحلقات لتحضير جزء ثالث؟    بعد دعم زوجها.. دنيا سمير غانم تتصدر تريند "جوجل"    توريد 197 ألف طن قمح إلى شون وصوامع كفر الشيخ منذ بداية الموسم    اتفاق بين مصر وألمانيا لتمويل البرنامج الوطني للمخلفات الصلبة ب80 مليون يورو    رجل متزوج يحب سيدة آخري متزوجة.. وأمين الفتوى ينصح    موعد ورابط الاستعلام عن نتيجة الصف السادس الابتدائي بالقاهرة والجيزة    صباح الكورة.. صدمة في الزمالك ودور ممدوح عباس في الأزمة الكبرى.. لبيب يكشف موقفه من ضم حجازي والشناوي يتدخل لحل أزمة نجم الأهلي وحسام حسن    عضو مجلس الزمالك: نعمل على حل أزمة بوطيب قبل انتقالات الصيف    في الجول يكشف تفاصيل إصابة عبد المنعم وهاني بتدريبات الأهلي قبل مواجهة الترجي    رئيس جامعة المنيا يفتتح مهرجان حصاد «نوعية» في نسخته الأولى    رئيس منطقة الشرقية الأزهرية يتابع استعدادات بدء أعمال تصحيح امتحانات الشهادتين الابتدائية والإعدادية    ضبط فني أشعة انتحل صفة طبيب وأدار مركزًا ببني سويف    «الصحة»: المرأة الحامل أكثر عرضة للإصابة بفيروس نقص المناعة البشري HIV    رئيس جهاز مدينة 15مايو يتفقد المشروعات الجارية.. ويجتمع بمسئولي الجهاز    ل برج الجوزاء والميزان والدلو.. مفارقة كوكبية تؤثر على حظ الأبراج الهوائية في هذا التوقيت    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 23-5-2024    فضل الأعمال التي تعادل ثواب الحج والعمرة في الإسلام    أول تعليق من دانا حمدان على حادث شقيقتها مي سليم.. ماذا قالت؟    «دول شاهدين».. «تريزيجيه» يكشف سبب رفضه طلب «أبوتريكة»    محلل سياسي فلسطيني: إسرائيل لن تفلح في إضعاف الدور المصري بحملاتها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أعمدة المدنية الحديثة فى عيون محمد عمارة
نشر في اليوم السابع يوم 15 - 07 - 2008

لويس عوض.. آخر الفحول الليبراليين، صاحب المشروع الفكرى المستنير، أحد أعلام النهضة المصرية الحديثة... صاحب مؤلفات: "فن الشعر لهوراس"، "وبرومثيوس طليقا"، و"بلوتولاند"، "والراهب"، و"الاشتراكية والأدب"، و"المسرح العالمى"، و"دراسات فى النقد والأدب"، و"مذكرات طالب بعثة"، و"على هامش الغفران"، و"المحاورات الجديدة أو دليل الرجل الذكى إلى الرجعية والتقدمية وغيرهما من المذاهب الفكرية"، و"الثورة والأدب"، و"حاملات القرابين"، و"الحرية ونقد الحرية"، و"أقنعة الناصرية السبعة"، و"ثقافتنا فى مفترق الطرق"، و"رحلة الشرق والغرب"، و"لمصر والحرية"، وعبقريته "فى تاريخ الفكر المصرى الحديث"، (جزءان) وأخيراً "مقدمة فى فقه اللغة"...
هذا الفحل الذى أضاف للمدنية المصرية بمشروعه التنويرى والحداثى الباحث عن دولة كل المواطنين، والمجتمع المفتوح، صاحب مشروع البحث عن الديمقراطية والحريات الإنسانية، لخصه الدكتور محمد عمارة فى عموده الأسبوعى بعنوان "هذا إسلامنا" بجريدة القاهرة الصادرة عن وزارة الثقافة فى 8 يوليو 2008 بالتالى: "لويس عوض 1915 – 1989 الذى شكك فى أصالة العربية .. والذى جعل رسالته فى الأدب محاربة شعراء الإحياء والتجديد (ويقصد بهم البارودى وشوقى وأمثالهم) وتلميع غناء الحداثة الشعرية والأدبية فى بلادنا، والدعوة مثل سلامة موسى إلى إحلال العامية لغة – الهكسوس - محل الفصحى لغة القرآن".. لخص الدكتور عمارة كعادته دائما أى مشروع فكرى مستنير باستقطاع جمل أو عبارات أو حتى فكرة خارج سياقها الموضوعى ليتراشق وكعادته أيضا – مع كل من يدعو إلى الدولة المدنية وفصل الدين عن الدولة.
والأخطر من ذلك فقد تعامل وبنفس المنطق الإعوجاجى مع مفكر آخر من طراز رفيع.. مفكر سبق عصره بأفكاره التنويرية واحترامه وتقديره لدور العلم فى حياتنا، صاحب الأربعين مؤلفاً التى لم تكن – كما يقول د.عاطف العراقى أستاذ الفلسفة الإسلامية صدى للماضى أو للحاضر، بل فيها من الأفكار المستقبلية، نرى الدكتور عمارة يلخصه أيضاً – فى باقى مقاله بالتالى: "سلامة موسى 1888 – 1958 الذى قال عن العربية، التى تفردت بالجمال حتى فى أشكال الحروف إنها لغة بدوية ميتة حتى فى زمن ظهور القرآن وتراثها، يحمل عقيدة اجتماعية يجب أن نحاربها وهى ليست لغة الديمقراطية، بل لغة القرآن وتقاليد العربية" .. ويختتم الدكتور عمارة بالشخصية الثالثة وهى الشاعر العربى الكبير أدونيس صاحب المشروع الشعرى التنويرى، ويقول: "كان أدونيس.. الذى قال عن رائد الإحياء والتجديد الشعرى محمود سامى البارودى لقد أحيا ما كان يجب أن يموت"، ويضيف.. "لقد أصبح جدول أعمال أدونيس: الدعوة إلى احتقار العربية وذلك بالدفاع عن وصف لويس عوض لهذه اللغة الوطنية والقومية بأنها لغة ميتة ودخيلة".
والملاحظ أن الدكتور عمارة مارس نفس منطق الاختزال مع أحد مفكرى التنوير سلامة موسى، صاحب مؤلفات: "مصر أصل الحضارة"، و"تاريخ الفنون وأشهر الصور"، و"برنارد شو"، "ومشاعل الطريق للشباب"، و"عقلى وعقلك"، و"الأدب الشعبى"، و"أحلام الفلاسفة"، و"حرية الفكر"، و"دراسات سيكولوجية".. وأول من كتب وهو فى سن التاسعة كتاب "الاشتراكية"، ذلك الشاب الذى تعلم فى فرنسا وإنجلترا فى أوائل القرن العشرين، وحارب الخرافات فى الفكر كما فعل طه حسين من بعده، وساهم فى إنشاء أول حزب اشتراكى فى الإقليم العربى نفسه، والذى قال عنه المفكر الإسلامى عباس العقاد، كما يقول عاطف العراقى، إنه كان يقدر شجاعته رغم أنه كان يختلف معه..
والغريب أن كل هؤلاء لم يجرؤوا أن ينالوا من المفكرين العظيمين "موسى وعوض" مثل ما نال منهما الدكتور عمارة، وأخذ لهما فى كلمات أو عبارات قد تكون مدسوسة وغير مدققة، فالاثنان كتبا باللغة العربية وبأسلوب، أجمع كل المتخصصين، بأنه رشيق وإبداعى وأنهما ساهما بأدبهما الرفيع فى إعلاء شأن اللغة العربية.. وأنهما أثرا المكتبة العربية بما يزيد على المائة مؤلف باللغة العربية، فكيف يتعمد الدكتور عمارة بإهانتهم هكذا واختزال مشروعهما التنويرى بعبارات مغلوطة.. من حق الدكتور عمارة أن يختلف مع أفكارهما وأن يبدى أوجه اختلافه بشكل علمى منضبط، ولكن ما ليس من حقه أن يدس احتقاره لهؤلاء فقط من منطلق تعصبى وانتزاع جمل أو عبارات خارج سياقها ليؤكد على أنهما ضد اللغة وضد القرآن وضد الإسلام، فهل هذا ما يريد أن يعلمه للأجيال القادمة من أن مفكريهم التنويريين من كانوا ملاحدة وكفار؟ ما هى الرسالة التى يريد أن يروجها الدكتور عمارة...
أفلم يكفيه ما كتبه فى كتابه "فتنة التكفير" والذى – وعلى لسانه – اقتبس قرابة أربعين صفحة من كتاب أبوحامد الغزالى التى تحض على كراهية وتكفير غير المسلم، حتى ومن أصحاب الكتب السماوية؟ وألم يكفيه ما صرح به للكاتب الراحل مجدى مهنا من قبل فى برنامجه التليفزيونى فى الممنوع – من أن ثورة 1919، لم تكن ثورة ليبرالية أو علمانية، بل انطلقت من الأزهر لأن سعد زغلول كان أزهريا.. رغم ثبوت وبشكل علمى أن ثورة 1919، كانت ثورة مدنية وعلمانية ووضعت مصر على أعتاب عصر الديمقراطية والمواطنة الكاملة حتى بشعارها المستنير "الدين لله والوطن للجميع".. ولكن يبدو أن الدكتور عمارة مازال لديه الكثير ليقوله ويعلمه للأجيال المقبلة".
أفليس من الأولى على هؤلاء قادة الاجتهاد ألا يتحاملوا على العقل والعلم، ويريدون منه ألا يتطور إلا بقدر ما يسمحون له، وألا ينتشر إلا حينما يخدم مصالحهم، ولكن يبدو أن غايتهم من تحاملهم على العلم والفكر والتنوير، ليست إلا ترسيخا لأيديولوجيتهم هم فى الحفاظ على دعائم العصور ما قبل الحداثية، فلم يكن الدكتور عمارة بعيد عن سيد قطب أحد أئمة الإخوان – عندما طالب بترك العلم المنقلب لأن الضمير فى حاجة إلى الثبات والقرار والاطمئنان حسب زعمه، فها هو أيضا يشوه اثنين من مفكرى عصر النهضة اللذين حاولا إرساء معايير العقل واحترام العلم والمعرفة والاستفادة من كافة المنجزات الإنسانية، حتى ولو صدر عنهما فكرة هنا أو هناك وحتى لو اختلفنا مع بعض أفكارهما، لكن يبقى أنهما أحد أهم أعمدة العمارة المدنية الحديثة لمصر المصريين..
بعيدا عن التعصب الذى قال عنه الدكتور فؤاد زكريا فى كتابه التفكير العلمى.. "إن التعصب هو اعتقاد باطل بأن المرء يحتكر لنفسه الحقيقة أو الفضيلة، وبأن غيره يفتقرون إليها ومن ثم، فهم دائما مخطئون أو خاطئون"، ذلك التعصب ينشره القادة الشيوخ بين مريديهم كالجرثومة التى تدخل أدمغة البشر لتحولهم من فهم ذواتهم وواقعهم، إلى الالتفات إلى قضايا غير مؤثرة أو ضالة.. ولكى يصل المرء إلى الحقيقة عليه أن يترك التعصب وأن يعمل عقله فى كل ما يعترضه، فيجب أن يجتهد لفهم الأفكار المخالفة لمعتقداته.. فلقد خاطب القرآن الكريم عقول الناس وسعى إلى إقناعهم بالحجة – ولكن بعضاً من القادة الشيوخ اختاروا الاستهزاء بالعقل والعلم.. فالمنهج الفكرى والقياسات العقلية، تؤدى إلى تصحيح المفاهيم باستمرار.. ولكن يرغب بعض هؤلاء الشيوخ فى حصر تفكير الناس وعزلهم عن الآراء المخالفة تحت ارتداء لباس الدفاع عن الإسلام أو العروبة أو حتى اللغة، ودعواتهم بالضرورة ليست تشبثا بالإسلام بقدر سعيهم لعزل الفكر الديمقراطى وأسس التفكير العلمى والمنطقى ... انتهى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.