جاءت نتائج المجمع الانتخابى للحزب الوطنى الديمقراطى لترشيحات مجلس الشعب مفرحة للبعض ومحزنة للبعض الآخر، والمؤكد أن الكل توقف أمام ظاهرة تحدث لأول مرة فى ترشيحات الحزب، وهى الدفع بأكثر من مرشح على المقعد الواحد فى الدائرة الواحدة، ووصل الحال فى بعض الدوائر إلى طرح ثلاثة مرشحين، وتعددت التفسيرات من المراقبين حول هذا الأمر بالرغم من إشارة أحمد عز أمين تنظيم الوطنى على أن هذا الاختيار تم بدراسة، وتعنى تلك الإشارة من عز أن الهدف من هذه الخطوة هو فى الأساس موجه إلى المعارضة المصرية بكل أطيافها، وأن الحزب يبغى من هذا التكتيك اقتناص كل مقاعد المجلس فهو يسعى إلى إحراز أغلبية عالية جدا لاتضعه فى مأزق نتائج الانتخابات الماضية، وتأسيسا على هذا التوجه فإن الحديث عن الصفقات مع الأحزاب المعارضة والذى تنوعت الأقاويل حوله فى الفترة الماضية، أصبح محل شكوك واسعة. القراءة الأولى لما يمكن تسميته بقوة دفع «الوطنى» الدوائر، تقود إلى أن تكتيك الحزب فى الدفع بأكثر من مرشح له، حدث فى الدوائر التى يتنافس فيها مع مرشحين أصحاب الجماهيرية الواسعة، وذلك بقراءة جيدة للتقسيمات الجغرافية لهذه الدوائر، بالإضافة إلى ذلك، يبدو أن الحزب رأى التمسك بمرشحين كبار السن، وذلك للاستفادة بخبرتهم الانتخابية الطويلة، وسنجد هذا المعيار تم تطبيقه على النائب المخضرم سيد رستم والذى تم ترشيحه على مقعد العمال لدائرة الساحل، رغم تخطيه الثمانين عاما، وترك عمرو سعد الجوهرى رغم صغر سنه وفحولته المالية، كما اختار النائب محمد محمد عودة عن دائرة شرق شبرا الخيمة والذى تجاوز عمره السبعين عاما، ولم يختر منافسه عاطف طه، رغم أنه يقترب من الخمسين عاما.. علاوة على الشائعات. وهناك أمثلة أخرى كثيرة فى العديد من الدوائر تؤكد هذا التوجه من الحزب فيما يعنى أنه اختار خليطا من الخبرة والوجوه الجديدة فى آن واحد. نعود إلى ظاهرة الدفع بأكثر من مرشح وكيف كان رد فعلها على بعض مرشحى الوطنى أنفسهم قبل قياس رد الفعل على المتنافسين من المعارضة والمستقلين، فعلى صعيد مرشحى الوطنى أنفسهم نجد هانى أبوريدة الذى رشح نفسه فى الساعات الأخيرة من اليوم الأخير لترشيحات المجمع بعد ضغوط كثيرة مورست عليه، لكن المفاجأة كما يقول عدد من أنصاره جاءت صادمة عندما طرح الحزب اسم رجل الأعمال محمود صبح معه، وعلل البعض أن اختيار الأخير مع أبوريدة يعود إلى علاقة صبح القوية مع رئيس مجلس الشعب، وفى كل الأحوال جاءت النتيجة بالدرجة التى لم يكن أبوريدة يرغب فيها، فطموحه كما يؤكد أنصاره كان يذهب إلى خوض المنافسة منفردا. ويرى البعض أن الوطنى أراد هذا الزحام الانتخابى لإحداث فتنة متعمدة بين صفوف مرشحيه، وهى الفتنة التى قد تنتهى بفوز مرشحى المعارضة الذين يتنافسون فى الدوائر التى بها أكثر من مرشح له، لكن فى المقابل وحسب تأكيدات مصادر من الحزب، فإنه لايمكن أن يكون الحزب يلعب بالنار، وعادت المصارد إلى التأكيد على أن مافعلوه مدروس بعناية، ومع هذا التأكيد فإن الأمر لم يخل من تساؤلات من أنصار بعض المرشحين الذين فوجئوا بأنهم خارج السباق، ولسان حال هؤلاء يقول، ولماذا لم يتم الدفع بمرشحينا فى ظاهرة التعدد التى اتبعها الحزب فى العديد من الدوائر، وينطبق هذا على اسماء مثل فوزى السيد، وهشام سليمان، ووحيد شوقى عبدالمسيح، وهو من الصعايدة الأقباط وتسانده عزبة الهجانة، وحسب هؤلاء فإن الحزب اختار العضو الأقل شعبية، وهو توفيق عبداللطيف الذى يعمل باللجنة النقابية ب«المقاولون العرب»، وبالغ البعض فى تقديره للأمر بالقول إنه ربما أن الحزب يريد أن يمنح هذه الدائرة لمرشح الإخوان عمال عصام مختار، وهوالأمر المردود عليه بأن ذلك خارج منطق «الوطنى» الذى يستهدف فى معركته الانتخابية تعرية مرشحى الإخوان فى كل الدوائر. أصحاب النظرية التى قالت إن الوطنى ربما يسعى إلى منح فوز لمرشح الإخوان عصام مختار، يفترضون حدوثها أيضا فى دائرة المناخ ببورسعيد، حيث دفع الحزب بمرشحيه طارق عمار، ومحمد منصور لمقعد الفئات بهدف حدوث تفتيت فى الأصوات بينهما، وذلك لإتاحة الفرصة لنجاح محمد مصطفى شردى مرشح حزب الوفد عن الدائرة.. نفس المنطق يتردد فى الدائرة التى ترشح فيها البدرى فرغلى مرشح التجمع ونائبه السابق لأكثر من دورة، وفى الإجمال يمكن القول أنه بقدر مايردد البعض تلك النظرية فإن، مصادر فى الحزب الوطنى رفضت هذا التصور، مؤكدة أنه لاحديث عن الصفقات مع أحزاب المعارضة، وأن الملعب مفتوح أمام الجميع والناخب وحده صاحب الحق فى اختيار من يمثله سواء كان معارضا أو من الحزب. فى سياق التحليلات الأخرى، هناك من يرى أن الحزب الوطنى أراد الدفع بأكثر من مرشح حتى يفوت الفرصة على المتمردين الذين قد يصل بهم الغضب فى حال عدم ترشيحهم إلى الانتقال لصفوف المعارضة، إن لم يكن ترشيحا على قوائمها، فعلى الأقل ربما يقومون بدافع الانتقام إلى تأييد هؤلاء المعارضين، وهو ما يؤدى إلى سحب كتل انتخابية لصالح المعارضة تأتيها على طبق من ذهب، ويذهب هذا التصور إلى أن تكتيك الوطنى يعنى إبقاء صفوفه موحدة بنسبة كبيرة، عكس ماكان فى الانتخابات الماضية، لكن مصادر الوطنى تنفى هذا الطرح مؤكدة أنه لوكان الأمر على هذا النحو لدفع الحزب بكل الذين تنافسوا فى المجمع الانتخابى للترشيح، وبالتالى يكون الأمر عبثا فى عبث. ومع كل القراءات السابقة التى تفند حديث الصفقات، وتفند أيضا خوف الحزب من احتمالات التمرد بين صفوفه، تبقى قراءة ثالثة فى بعض الدوائر التى يبدو منها أن «الوطنى» يسعى جاهدا وبكل الوسائل إلى استعادتها، بعد أن غابت عنه فى دورات سابقة مثل دائرة البرلس والحامول وهى الدائرة التى يمثلها النائب حمدين صباحى لدورتين متتاليتين، حيث رشح «الوطنى» عصام عبدالغفار لمقعد الفئات عن الحامول منفردا، فى حين دفع بمرشحين على مقعد العمال فى البرلس وبلطيم مسقط رأس حمدين والهدف من ذلك هو توحيد الصفوف فى الحامول وراء مرشحها فى مقابل تفتيت بلطيم والبرلس، حيث من الطبيعى أن يتحالف مرشحو الحزب العمال مع مرشحى الفئات وهو الأسلوب الذى يشبه الكماشة، لكن وطبقا لأنصار صباحى فإن جماهيره فى الحامول نفسها ليست أقل من جماهيره فى بلطيم والبرلس، كما أن تعدد المرشحين فى الدائرة هو ظاهرة طبيعية حدثت فى الدائرة من قبل. ونفس المنطق يسرى على الدكتور جمال زهران المعارض الشرس، حيث أعلن الحزب ترشيح د.عيد سالم موسى والصحفى عبدالمحسن سلامة عضو مجلس نقابة الصحفيين على مقعد الفئات.. وربما تضعف هذه الترشيحات فرص زهران نظرا لأنه كان يعتمد كثيرا على أصوات قرى دائرة شرق شبرا الخيمة التى بات يمثلها عبدالمحسن سلامة، ولتبقى المنافسة فى بهتيم مسقط رأس مرشحى الفئات عيد سالم موسى مرشح الوطنى، وجمال زهران، وأيضا المحامى عصام غالى.. ويبدو أن هناك نفس الكماشة تدور ضد النائب سعد عبود فى بنى سويف، وأيضا محمد عبدالعليم داود عن دائرة فوه ومطوبس. هذه القراءة تقود إلى سؤال يتمثل فى: هل يخوض الحزب حرب إبادة سياسية ضد رموز المعارضة، بمعنى أنه لايرغب فى نواب بعينهم تواجدوا تحت قبة البرلمان بقوة؟.