اشتهر إسماعيل ياسين فى أفلامه بخفة الظل، وكان يتقمص فى أفلامه دور الإنسان البسيط الغلبان الذى تغلب عليه السذاجة ويتعامل بتلقائية، فيكسب تعاطف الناس معه. وكانت مونولوجاته تعبيراً عن الشارع المصرى والمشكلات الاجتماعية، وما يعانيه الناس فى شئونه الحياتية، فاكتسب حب الناس الذين تفاعلوا مع هذه المونولوجات التى عبرت عنهم وعن مشكلاتهم وتطلعاتهم وأحلامه. وفى أحد مونولوجاته يقول: الفقر جميل وأنا إنسان.. اللهم افقرنى كمان وكمان واغنى عدوينى.. فيرد عليه الموسيقيون: اللهم آمين. للوهلة الأولى قد تسخر من هذا المونولوج وعلى سذاجة سمعة وتقول: قصر ديل يا أزعر.. هل هناك من يتمنى الفقر ويدعو الله أن يفقره كمان وكمان.. فهذا ليس ولافى الأحلام!! أية سذاجة وسخافة تلك التى يرددها وكأنه يريد أن يقنعنا أنه راض بفقره، حامدا الله على نعمة الفقر كما يدعى، ويريد أن يقنعنا بسعادته التى ينعم بها فى الفقر.. فالكل يمنى نفسه بالغنى لتحقيق ما يريد، ويغنيه عن سؤال الغير، وخصوصا فى ظل الظروف الطاحنة التى نعيشها من انفلات الأسعار والجشع والطمع الذى يسيطر على التجار. عندما نبحث وراء هذه الكلمات فنعلم أنها توحى بالرضا والقناعة اللذين يسيطران على الإنسان، ويجعلانه قانعا بما قسمه الله عز وجل له، حامدا شاكرا ربه على نعمة الصحة والعافية، وأحيانا يكون الفقر نعمة على صاحبه.. والغنى نقمة على صاحبه. والحياة تعلمنا كثيرا.. فأنور وجدى الذى ملأ الدنيا بأفلامه وامتلأت جيوبه بالأموال.. طلب المال والنجومية.. فجاءه المال والنجومية، ولكنه فقد الصحة، وحرم من الاستمتاع بماله، فتعتل صحته عندما يقرب قرص طعمية من فمه، ويصبح جليس المستشفى، وعلى الرغم أنه يستطيع شراء طيوب الطعام، لكنه محروم من التمتع به ويستمتع به الفقير الذى لا يمتلك المال لشراء مايريد. والعندليب الأسمر عبد الحليم حافظ امتلك الصوت الجميل والأموال والشهرة كان يقيم الولائم وينصب الموائد ويكتفى بدور المشاهد، لأنه حرم من التمتع بما عند غيره.. وغيرهما من الذين ملكوا الأموال ولم يستمتعوا بها واستمتع بها غيرهم.. فالمال وحده لا يجلب السعادة.. وكم من غنى امتلك المال وسيطر على الناس وحرم من التمتع به.. وكم من فقير حرم من المال لكنه امتلك السعادة لأنه قانع وراض بما قسمه الله له. لكن ترى هل تصلح فلسفة إسماعيل ياسين فى الرضا بالفقر وعدم السخط والرضا بالقليل فى هذا الزمن الذى نعيش فيه؟ أعتقد لا! سيطرت علينا حالة من عدم القناعة والرضا والسخط على كل شىء، وسيطر على فئة منا الجشع والطمع، وأصبحنا نشكو ونصرخ من كثرة النفقات وارتفاع الأسعار التى أصبحت جحيما وغولا لا يرحم بسبب وقوعنا تحت رحمة من لا يخافون الله، ويريدون انتفاخ جيوبهم على أشلاء هذا الشعب المسكين الذى لم يعد فى قدرته التحمل أكثر من ذلك. لم نكد ننتهى من فواتير الغاز والكهرباء والتليفونات وإيجار المسكن ونفقات المعيشة والمدرسة والمواصلات، حتى تقصم الأسعار ظهورنا....إلخ، فاندفعنا إلى دائرة مغلقة استحكمت حلقاتها ولا أمل فى الانفراجة أبدا، لأننا تعودنا فى مصر على الارتفاع غير المبرر باستمرار فى كل شىء بحجج واهية لا تمت للواقع بصلة دون مراعاة لظروف الشعب المسكين، مما أفقدنا الثقة والأمل فى وعود المسئولين الذين يمنوننا بالوعود الكثيرة التى لا تتحقق. كنا قانعين راضين بأقل شىء، لأن القليل كان متوفرا، وكانت هناك الرقابة والسيطرة والكل يعيش. غابت الرقابة وسيطرت العشوائية والرشوة، فظهرت فئة التجار المنتفعين الذين يتاجرون بدماء الشعب، ويمكن أن نطلق عليهم أغنياء الحروب الذين يستغلون الأزمات وتكتنز جيوبهم وتمتلىء كروشهم على حساب الأزمات، فأولئك لعنهم الله ورسوله فى الدنيا، لأنهم جعلوا الحياة ظلاما فى مصر، وتسببوا فى أزمات غير مبررة لا مثيل لها فى بلدان العالم حتى التى تنتشر فيها المجاعات، لأن هذه الدول ليس بها موارد تعتمد عليها، أما نحن فالخيرات موجودة والثروات موجودة.. لكن أين الضمير الذى غاب عن الذين لا يملكون الضمير؟