شهدت جلسات اليوم الثالث والأخير من المؤتمر الدولى الأول للدارسات القبطية، والذى عقد فى الفترة من 21 وحتى 23 من الشهر الجارى بمكتبة الإسكندرية تحت عنوان "الحياة فى مصر خلال العصر القبطى... المدن والقرى، رجال القانون والدين، الأساقفة"، والذى نظمه مركز دارسات الخطوط والكتابات بالمكتبة، بالتعاون مع المجلس الأعلى للآثار وجمعية الآثار القبطية، وبمشاركة مائة وعشرين باحثًا من ثلاثة عشرة دولة عربية وأجنبية، مشاركة مجموعة متنوعة من الباحثين الذين قدموا دراسات حول الحياة فى مصر فى العصر القبطى، ومنها دراسة عن كنائس النوبة السفلى، من القرن الثامن للقرن الثامن عشر الميلادى، قدمها راجح زاهر، الباحث فى المتحف النوبى بأسوان، ودراسة تاريخية للملابس الدينية فى الكنيسة القبطية فى مصر، لخالد عبده، ودراسة عن أثر علم الفلك على الحياة فى الفترة القبطية، لأماندا مارافيليا، الباحثة فى معهد علم المصريات فى موسكو بروسيا، ودراسة جديدة عن الموسيقى القبطية فى الأديرة والمدن والقرى، للباحثة ماجدالينا كان، من جامعة ليدن فى هولندا. وفى دراسة بعنوان "ايبارشيات وأساقفة أسوان والنوبة المصرية"، أشار الباحث عاطف نجيب إلى أن جميع كتابات المؤرخين العرب والمصادر القبطية تبين أن بلاد النوبة اتجهت فى قيادتها الروحية إلى الكنيسة المصرية، ويقصد بالنوبة هنا جميع بلاد مريس، ومقره وعلوه، وهاتان المقاطعتان الكنسيتان تشتملان على ثلاث عشرة أسقفية تابعة للكنيسة القبطية، ومن هذه الأسقفيات سبع فى مملكة المقرة، وهى: قرطه وابريم وفرس ودنقلة وصاى وتالميس (كلابشة) وشنقير، وأسقفيات مملكة علوه، وهى: بورا وجاجورا، ومارتنو أرودياس بنازى ومنكيزا. وفى جلسة موازية، تحدث د.صبحى شنودة عن الفن القبطى فى الحياة الدينية كجزء من الحياة العامة فى المجتمع المصرى، وأوضح أنه بالرغم من أن الفن القبطى هو فن شعبى، إلا أن الفنان القبطى قد برع فى شتى فنون الحياة المتنوعة، فقد برع فى فن العمارة المدنية التى شيدها لتتواءم مع الظروف الطبيعية، والعمارة الدينية الممثلة فى الكنائس والأديرة التى زينها بفنون النحت المتنوعة، حيث أظهرت براعة ودقة الفنان القبطى، فظهرت المنحوتات الحجرية، والمعشقات الخشبية. وأضاف شنودة أن الأقباط أبدعوا فى فنون التصوير التى زينت بها جدران الكنائس والأديرة بالطريقة التى ورثت منذ أقدم العصور فى مصر، حيث استخدمت ألوان الأكاسيد، هذا الأسلوب الذى عرف بالأفرسك المصرى، واستمر فى العصر الرومانى، وأتخذ شكلاً مسيحيًا فى العصر القبطى، ثم انتشر بين مسيحى الشرق والغرب، كما ذاعت شهرة النسيج القبطى حتى عرف هذا النوع من الفن باسم "القباطى"، نسبة إلى الأقباط، كما اشتهرت الفنون القبطية فى شتى نواحى الحياة، ونسخت المخطوطات القبطية على الرق، وورق البردى، وورق الكتان، والبعض على قطع من الخشب والشقافة. وفى دراسة بعنوان "صناعة واستعمال الأوانى وزخرفتها فى العصر القبطى"، أكدت الدكتورة إيفيلين جورج إندراوس أن الإنسان المصرى استخدم عددا كبيرا من الأوانى فى حياته اليومية فى العصر القبطى، استخدم فيها ثلاثة أنواع أساسية من الطين، هى الجيرى، والسيليكوني، والكاولين. وأوضحت أن الزخرفة كان لها مكانة عظيمة فى الخزف القبطى، ويبدو ذلك واضحا حتى فى الأدوات التى تخص الحياة اليومية، ومن هذه الأساليب: الزخرفة المدموغة (ذات طبعة)، أو المشكّلة بالختم والتى ترتبط بالأوانى المصنوعة نسبياً من الطين الناعم، بينما الأوانى الملونة فتُصنع من الطين الخشن. وأشارت إلى أنه بداية من القرن الثامن بدأ استخدام أسلوب التزجيج على الأوانى الملونة وغيرها، وهو عبارة عن مسحوق زجاجى ممتاز يوضع على الإناء ثم يُحرق لينتج طبقة خارجية زجاجية غير منفذة للماء. وقد استخدم التزجيج مع كل من الزخارف الملونة والمشكلة بالختم. وفى القرن الثامن استمر استخدام الأوانى المصقولة مع الأوانى الغير المصقولة والتى اختفت فى القرن التاسع. وعرضت الدكتورة أليس إسكندر بشاى، أستاذ الاجتماع والأنثروبولوجيا بجامعة كفر الشيخ، دراسة عن الاحتفالات القبطية بأعياد القديسين، وقالت إن الكنيسة كانت تؤكد رسمياً مظاهر الاحتفال فى القرن الثالث، عن طريق الأساقفة والاكيروس، وتعلن قداسة القديس "التطويب"، ويعلن المجمع المقدس قانونيته رسميا، ويتم ذلك بناء على عدة معايير. أما فى القرن الرابع، فقد كانت الجماعة المسيحية تحتفل بيوم استشهاد القديس على اعتبار أنه "يوم مقدس" و"عيد ميلاد مجيد"، حيث يجتمعون حول مكان استشهاده، ويبنون كنيسة على اسمه. وبعد إقامة الصلوات، يقوم الأب الأسقف بإلقاء عظة يمدح فيها سيرة القديس، ويمدح إيمانه والحياة المقدسة للشهيد. وتطرقت بشاى إلى عيد النيروز، وهو من الأعياد المصرية القديمة، ويعد التكريم الوحيد والذكرى الدائمة للقديسين الأقباط، إذ حرصت الكنيسة على إقامتها سنويا عن طريق التقويم القبطى، فجعلت بداية رأس السنة القبطية رمزا لعيد هؤلاء الشهداء. وأضافت أن الاحتفالات القبطية فى العصر الفاطمى كانت تقام بصورة رائعة على شاطئ النيل فى مواكب خاصة، تسير حتى الميادين العامة والشوارع الرئيسية، وكان عهد الخليفة المعز لدين الله الفاطمى مثالاً سار على منواله كل ولاته فى البلاد، من الإنصاف وحسن المعاملة والعدالة، فلم يفرق بين مسلم ومسيحى.