مايا واكد كاتبة لبنانية، تعد من أبرز الوجوه الجديدة فى الأدب اللبنانى المكتوب بالفرنسية، وهو الأدب الذى ينفرد بخصوصية تجعله يعبر عن الواقع اللبنانى والعربى، ويتخذ اللغة الفرنسية وسيلة للتعبير عن هذا الهم. مايا تدخل عالم الرواية بعملها الأول "مغلقة بداعى السفر"، وتحكى عن الصحفية "نورا" التى تصاب بغيبوبة، وتبدأ فى حالة ما بين الوعى واللاوعى فى استرجاع أحداث حياتها وذكريات لبنان خلال فترة الحرب، وعن هذه الرواية دار الحوار مع اليوم السابع. الترجمة الحرفية للعنوان الفرنسى "مغلقة للجرد"، أما عنوان النسخة العربية "مغلقة بداعى السفر"، لماذا اختلف عنوان الرواية على هذا النحو، وما دلالته؟ التغيير كان بناء على اقتراح من الناشر العربى (دار الساقى)، فكلمة "جرد" ثقيلة على الأذن العربية، وتحمل دلالات بعيدة عمّا أريده من الرواية، لذا اخترت عنوان "مغلقة بداعى السفر"، فالرواية فى مجملها حالة سفر داخل الذكريات: ذكريات البطلة التى تصاب بالغيبوبة، وتبدأ فى استرجاع الأحداث التى مرت بها، والأماكن التى عاشت فيها. العنوان بالنسبة لى استعارة للبطلة نورا التى تقوم بجرد لحياتها، وكذا لحياة جيل كامل من اللبنانيين الذين تؤرقهم أسئلة الانتماء والهوية والحيرة، بين الالتزام بالتقليد والانفتاح على ثقافة العصر. شعرت أثناء القراءة أن الغيبوبة "الكوما" التى أصابت البطلة، كانت فرصة لتأمل حياتها، التأمل الذى لا يتيحه لنا إيقاع الحياة اللاهث طوال الوقت، ما رأيك؟ "صحيح"، هذه الغيبوبة "الكوما" حفزتنى للاشتغال على أكثر من موضوع، الحرب الأهلية اللبنانية، المشاكل العاطفية التى مرت بها البطلة، ومشاكل جيل ما بعد الحرب، فضلا عن الجانب الأخلاقى للغيبوبة، التى تعكس فكرة أننا جميعا معرضون للموت فى كل لحظة، الموت المتربص بنا طوال الوقت، والذى يحيط بنا من كل جانب. هل تعتبرينها رواية أخلاقية؟ بشكل ما.. كنت أريد بث رسالة تلحّ علىّ دائماً، وهى ضرورة ألا تنتظر حتى تأتيك مصيبة لتجرد حياتك وتقيمها من جديد. أنت من الكتّاب الذين يعتنقون فكرة الكتابة بدافع أخلاقى إذن؟ نعم، لكن دون أن تكون مكتوبة بشكل واضح، أو أن تبدو كما لو أنها خرجت من فم واعظ وليس كاتب، وأشير هنا إلى أن كثيرا من القراء شكرونى لأن الرواية نبهتهم إلى أن يتوقفوا قليلا لجرد حياتهم وتقييمها من جديد، وأظن أن هذه هى وظيفة الأدب فى الأساس. فى الندوة التى عقدت فى المركز الثقافى الفرنسى أخيرا، سألك أحد الحضور سؤالاً، فقرأت جزءاً من الرواية كإجابة على سؤاله، هل يعنى هذا أن الرواية سيرة ذاتية لك، أو أنك تكتبين ما تعتقدينه فى سطورها؟ نعم ولا: فى نهاية الأمر، أنا أكتب عن فتاة لبنانية، هربت من جحيم الحرب الأهلية، فالتشابه بيننا كبير، لكنى لا أتحدث عن نفسى تماما، بل عن جيل كامل يرفض ما يحدث فى لبنان ولا يستطيع تغييره، وأعطيك مثلاً، عندما حاولت البطلة الهروب من جحيم الحرب فى لبنان ولم تجد غير الاختفاء فى سفينة ما، وغيرها من الأحداث التى تعتبر قاسماً مشتركاً بينى كطفلة وبين جيل كامل من اللبنانيين، ويبدو أن قدر اللبنانى أن يظل محاطاً بالموت والسفر طوال الوقت. البطلة تتنقل بين البلاد والمهن واللغات.. هل كان هذا فى صالحها أم وضع إجبارى اضطرت إليه؟ بالطبع، استفادت البطلة كثيراً، حيث كانت تزداد نضجا مع كل تجربة، فرحلة الهند - مثلاً - كانت تأكيداً على الرسالة الروحية للرواية، لأنها كانت تبحث عن شىء آخر غير موجود فى الحياة العادية، فيما كانت رحلة أمريكا "طيش شباب"، حيث وقعت فى حب شخص وسافرت وراءه.. مجنونة. بالنسبة لك شخصياً، هل تحملين نفس القدر من الجنون؟ (تضحك كثيراً) .. حكيت عن أماكن أعرفها فقط، ولكن لم أكن طائشة على هذا النحو. لكن النهاية كانت حزينة، أنا شخصياً اعتبرت موت البطلة يحمل نظرة تشاؤمية مؤسفة؟ تتساءل: هل توقعت أن تشفى من مرضها؟ أظن أنه كان من الأفضل أن تموت، أليس كذلك؟ أنا لم أرتح لفكرة أن تعيش البطلة، والنهاية ليست متشائمة من وجهة نظرى، حيث اعتبرت الموت مجرد مرحلة تؤدى لمرحلة أخرى، فالموت مجرد عبور، مجرد تبديل عوالم. هذه هى روايتك الأولى التى تظهر للقارئ، لكن هل هذه روايتك الوحيدة فعلاً؟ لا، بل هناك رواية منتهية بالفعل، وستصدر فى فرنسا عام 2009 وموضوعها بعيد تماماً عن هذه الرواية. لكن ألا توجد فترة من التدريب أو الكتابة التى لم تظهر للقارئ؟ كنت أتدرب بشكل ذاتى مثل أى كاتب، إلى جانب الكتابة الصحفية، فالصحافة تدريب مستمر للروائى. العالم العربى كله أصبح يتساءل حول مسألة الأكثر مبيعاً، حيث أصبح القارئ فى ذهن المبدع طوال الوقت، وأصبحت الكتابة سلعة أكثر من كونها منتجاً ثقافيا، فما رأيكً؟ يحدث هذا فى العالم كله، ففى فرنسا مثلاً أوليفيير ماسو، يصدر رواية كل ثلاثة شهور، وهو يتمتع بلغة سهلة وأحداث سريعة ومشوقة، لكن هكذا تتحول الكتابة لسلعة. أما عن نفسى، فقد درست التسويق، وأعرف أن التسويق الجيد قادر على خلق النجاح لأى كتاب، لكن الأمر يختلف فى الأدب. لكنك اهتممت بالتسويق لروايتك؟ أولاً، كنت مضطرة لذلك، لأن ناشرى الفرنسى غير موجود فى كل الأماكن، وكنت حريصة على أن أصل للقارئ العربى، والوضع مع دار "الساقى" مختلف، فهى التى تسوق الكتاب. وعلى كل حال، لست ضد التسويق تماما، لكن ضد أن يكون هو كل شىء فى الأدب، والحكم النهائى للقارئ والزمن. تكررت كلمة نوستالجيا (مرض الحنين للماضى) كثيراً فى ندوتك فى المركز الثقافى الفرنسى، ما تعليقك؟ فعلاً: ربما لأن البطلة - وأنا أيضاً - مريضتان بالحنين للماضى طوال الوقت، وربما كل اللبنانيين تقريباً لديهم نفس الحنين للماضى، بما فى ذلك الوطن، الحنين الذى تثيره رائحة أكلة لبنانية أو أغنية لفيروز أو نغمة موسيقية لبنانية. كيف ترين لبنان الآن؟ لبنان "مش منيح"، لأننا نكرر نفس أخطاء الماضى، إذ لم نكن مجتمعين فى أى يوم، كنّا دائماً نلحق بشىء آخر، ما بين انتماء للطائفة، والقبيلة، والمنطقة، حيث يريدون السلطة لأنفسهم. ومهما كان الشخص شريفاً ومخلصاً، فبمجرد أن تضعه فى السلطة، سيتمسك بالسلطة وينسى البلد والاقتصاد وكل شىء، ليصله المعلوم إلى جيبه. لا يوجد أحد يعمل لمصلحة البلد كبلد, فيه مشاكل فى لبنان وبطالة وارتفاع أسعار، ومع ذلك، تم اختيار لبنان عاصمة الكتاب فى العام المقبل capitale mondiale de livre هل تحلمين بالعودة للبنان؟ دائما، لبنان بلدى، حتى لو حملت أى جنسية أخرى، وأقول لابنتى مثلاً: أنت لبنانية، لكن لن أستطيع العودة للبنان إلا إذا استطعت توفير مستوى الأمن النفسى والاقتصادى فى بلدى. أنت لبنانية، تكتبين عن لبنان، ورغم ذلك تكتبين بالفرنسية، ألا تعتبرين ذلك يتعارض مع قوميتك وانتماءاتك بشكل ما؟ دراستى كانت بالفرنسية.. أكتب بالفرنسية وأفكر بالفرنسية، وأحس بها تعبر عن ذاتى أكثر، لكنى فى النهاية لا أستطيع الكتابة إلا عن لبنان، ولا أستطيع تقديم نفسى إلا ككاتبة لبنانية. ولكن يحضرك القارئ الفرنسى أكثر أم القارىء العربى؟ (تفكر كثيراً )، ثم تقول: ما يشغلنى الآن - على الأقل - القارئ الفرنسى، والمنافسة صعبة، ولكن نقطة التميز تتجسد فى أننى أكتب عن لبنان، وعن أجواء لا يعرفها الفرنسيون، فمثل: ألكسندر نجار، الذى حقق نجاحاً كبيراً فى فرنسا ويعتبرونه أمين معلوف الجديد فى كتابة الروايات التاريخية، وشريف مجدلانى الذى يكتب أيضا روايات تاريخية تستلهم الموروث اللبنانى. ومن النساء، أذكر: هيام يارد، جورجيا مخلوف، والكثيرين، وكلهم لا يشغلهم فكرة الكتابة بالفرنسية أم العربية. ولكن تلك الأسماء غير معروفة فى المنطقة العربية؟ للأسف.. والأسباب كثيرة: أولها عائق اللغة ومشكلة الترجمة، وثانيها عدم تواجدهم فى الدول العربية. وبالنسبة لى، ساعدنى وجودى فى مصر وفى دبى على الترويج لكتابى فى العالم العربى، حيث تمت ترجمة كتابى للعربية، لكن تظل الجهود التى تتم فى هذا الصدد جهوداً فردية، فإلياس خورى مثلا يترجم رواياته للفرنسية، وعلوية صبح كذلك، لكن القارئ العربى لم يطلع بعد بشكل حقيقى على أدب الروائيين اللبنانيين، سواء الذين يكتبون بالفرنسية أم حتى الذين يكتبون بالعربية. تكتبين بالفرنسية، تفكرين بالفرنسية، فبأى لغة تحلمين؟ (تضحك) ثم تعلن: أحلم بالعربى طبعاً