يحتاج الإنسان بين كل فترة وأخرى لمراجعة حساباته فى الحياة ليرى ما إذا كان يسير على الطريق الصحيح أم أن الأمر فى النهاية هو نوع من السقوط فى الهاوية، كل المبدعين والناجحين والمؤثرين فى الحياة كان هذا ديدنهم ومنهجهم فى الحياة، فن مراجعة ومحاسبة الذات للوقوف على الحسنات لتوقيتها والزلات بالابتعاد عنها، ومن فضل الله تعالى علينا أن فتح باب التوبة والمغفرة للمقصرين والمذنبين، ولولا هذا لهلك العباد وتملكهم اليأس إذ من صميم رحمته بنا أن فتح لنا باب المغفرة والتوبة، إذ أنه لو علم العاصى والمقصر أنه لن تتم مغفرة ذنوبه بالتوبة لاستمر فى غيه وظلمه، لكن التوبة تفتح بارقة الأمل أمام الإنسان لقوله تعالى "إن الله يغفر الذنوب جميعا". نحتاج ونحن نسير فى دروب الحياة إلى التغيير الذى يجعل للحياة طعما ولها مغذى، فالتغيير كالملح الذى نضعه على الطعام ولولاه لما صار الطعام الذى يعد من ملذات الحياة ذات قيمة ومعنى. جاءنا رمضان وجاءت معه فرص التغيير الكبيرة لتطويع النفس على الاجتهاد والتغيير إلى الأفضل، كثير منا تستغرقه الحياة بطاحونتها المعروفة وتروسها التى لا ترحم، فيحتاج بين الحين والآخر للمراجعة والوقوف مع النفس ومحاسبتها قبل أن تقف الموقف العظيم بين يدى أحكم الحاكمين حيث لا ينفع مال ولا بنون. نحتاج إلى أن نتعلم فن الانضباط فى التعامل مع الحياة والناس خاصة ونحن فى زمن كثر فى الهرج والمرج وقل الانضباط والالتزام وتاهت القيم واختفت المعايير القوية التى كان يوزن بها الرجال، رمضان يعلمنا الانضباط فى كل شئ، حتى الأكل بمواعيد محددة والصوم بمواعيد محددة والكل يصوم بنفس الكيفية ولا يحق له الفطور قبل الموعد المحدد ولو بثانية واحدة، ما أحوجنا لتعلم درس الانضباط ونحن نعطى المواعيد للآخرين ولا نلتزم بها، ما أحوجنا لدرس الانضباط ونحن نعلم موعد العمل وغالبا ما نأتى إليه متأخرين، ما أحوجنا لدرس الانضباط حينما نعلم واجباتنا تجاه والدينا وزوجاتنا وأبناءنا ومجتمعنا ولا نؤدى المطلوب منا. نحتاج إلى أن نتعلم التغلب على شهوات النفس وملذاتها والتى طغت على تصرفاتنا فى الحياة اليومية إلا من رحم ربى، فحينما تسير فى الشارع وتتعامل مع الناس تجد أن الكثيرين منا غلبت عليهم شهوات الحياة بحلوها ومرها وصدق الله عز وجل إذ يقول "زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة..." وبالله عليكم أليس هذا ما نراه الآن فى الشارع العربى والإسلامى من سيطرة حب المال والأولاد والسلطان، دعونا فى رمضان نتخلى ولو لأيام عن هذه الملذات ونعيش حياة أخرى ربما البعض لم يعشها مطلقاً من قبل. نحتاج إلى نتعلم من خلال رمضان فن الإتقان فى كل أمور الحياة، ذلك الإتقان الذى غاب عن الكثير منا فى الصناعة والتجارة والمهنة والمذاكرة وكل شئ، نادراً ما أصبحت تجد شخص يتقن ما يفعل، كيف لا والحال الذى تعيشه أمتنا أكبر دليل على ما أقول، فنحن نعانى تخلف الصناعة وكسل التجارة وفساد السياسة الخ. دروس كثيرة نتعلمها من رمضان نوافيكم بها لاحقا فى مقالات أخرى.