كثيراً ما أستعيد قصة تلك السيدة التى حملت سمكة اصطادتها من أمام فندقها الصغير على شاطئ البحر إلى قصر بكنجهام لتسلمها إلى ملكة بريطانيا احتراماً للقانون، القصة انشغلت بها بريطانيا، وصارت حديث الصحف السيارة، وهى قصة سيدة تملك فندقاً صغيراً على شاطئ البحر، وكانت الأمور تمضى عادية، رتيبة على ما تجرى به الأمور فى تلك القرية النائية، حتى جاءها الصياد الذى يبيع لها السمك عادة، يحمل معه مفاجأة فاقت كل توقع، لقد اصطاد سمكة من النوع السترجون، وهو نوع من السمك ينتج الكافيار، وهو نوع لا يوجد فى بحار إنجلترا، أو لنقل إن وجوده فى تلك المياه نادر جداً. فرحت السيدة بالسمكة، واشترتها وهى تزمع إقامة وليمة عشاء فاخر لنزلاء الفندق، ووجهاء القرية، وبالفعل أعلنت عن المفاجأة، وسرت أنباء السمكة النادرة فى ربوع القرية، وجاء رجل عجوز من أقصى المدينة يسعى إلى سيدة الفندق ليقول لها إن لديه خبراً سيئاً بالنسبة لها ولسمكتها، كان الخبر السىء، أن هناك قانوناً فى إنجلترا شُرِّع فى القرن السادس عشر، يقضى بأن أى سمكة من نوع السترجون يتم صيدها فى المياه الإقليمية البريطانية تكون ملكاً لملكة إنجلترا. وفضلا عن سخافة القانون، الذى يعد نموذجاً على الظلم والاستبداد فى القرون الوسطى، ولكنه قانون، وهو لا يزال قائماً، ولم يعلن عن إلغائه، ولذلك فهو واجب الاحترام، صحيح أن أحداً لم يكن يطالب بتطبيقه، إلا أنه قانون قائم، وفى المجتمعات التى تربت على احترام القانون من الكبير قبل الصغير، لا يتصور أن يكسر مواطن حكم القانون إلا إذا كان قد قرر الخروج على المجتمع وعلى قوانينه. لم تكن سيدة الفندق الصغير النائى تنوى أن تكسر قانوناً فى بلادها، فأسقط فى يدها، أو لعلها وجدتها فرصة لكى تعبر عن ذاتها فى الامتثال للقانون، ولو كان يبدو خارج المنطق، وخارج التاريخ، اتصلت السيدة العجوز تليفونياً بموظف فى قصر ملكة إنجلترا، وطبعا رد عليها، ولم يأمر بالقبض عليها، والتحقيق معها من قبل مباحث أمن المملكة، ولا هو أحالها إلى مستشفى المجاذيب لمجرد أنها تجرأت على الاتصال المباشر بالقصر الملكى، تلقى الموظف المخصص لمثل هذه الاتصالات من عامة الشعب مكالمة السيدة بكل ترحاب ومودة، فسألته المرأة، التى كانت على ما يبدو متشككة، عن وجود مثل هذا القانون، فقال لها: نعم هناك قانون موجود بهذا المعنى، وأنه لا يزال سار المفعول، ولما أخبرته بقصتها مع السمكة الملكية، قال موظف القصر لها: رغم أن القانون قائم، ولكنه لا يظن أن الملكة ستطالب بالسمكة التى فى حوزتها. ولكن السيدة ألغت العشاء الذى كانت تزمع إقامته لجمهور الفندق ووجهاء القرية، واعتذرت للجميع، وحملت سمكتها فى أحسن ما يمكن أن تحملها فيه، واستقلت القطار إلى لندن، وهناك توجهت على الفور إلى قصر بكنجهام حيث أصرت على تسليم السمكة للملكة. وطارت بقصتها الأخبار، ووصلت إلى كل مكان عبر وسائل الإعلام، وتحدث الناس عنها وعن سمكتها وعن تمسكها بالقانون، وكان تصريحها الثابت على لسانها أنها سعيدة جداً بالخضوع للقانون، ولو كان من عصور بادت، مادام قائماً، كانت سعيدة بتنفيذ قانون ميت، من أجل الحفاظ على أن يظل القانون حياً فى بلادها.