نفس الكابوس يطاردنى كلما أغمضت عينى.. تفاصيل متلاحقة كشريط سينمائى يغزو رأسى يقتحمها.. يتخذ من ذاكرتى مقرا حتى لا أفكر فى النسيان.. أقاوم أسراب الأفكار بقوة لكننى أصحو فى كل مرة على جريمة أكثر قسوة تنفض جسدى من هدوئه.. تحثنى للبحث عن الحقيقة فى يدى ملف بهية بلونه المترب الباهت كأنه كان معى منذ زمن.. فى صفحته الأولى توصيف لشخصية بهية.. الاسم والسن والعنوان.. الجريمة لاشىء.. هى مجرد حافز للقتل المجنى عليه : صفوت زوج بهية الجناة : خمسة من أصدقاء الزوج مكان الجريمة : الشارع.. فى عز الظهر!! أداة الجريمة : سكين!! المتهمون خمسة جميعهم قتل صفوت.. بهية أهم شاهد على سبق الإصرار والترصد بهيه لم تر بعينيها عندما سقط زوجها صريعا، لكنها رأت ما لم يره أحد، وتعلم ما لا يعلمه أحد لهذا استدعيتها فهى ستحكى الذى أريد أن أسمعه.. فالجريمة واضحة مكتملة الجناة.. أداة الجريمة.. جثة القتيل يبقى الدافع.. بهية كانت هذا الدافع أعددت نفسى لاستقبالها، فامرأة تحرك الرجال بإشارة من إصبعها لابد أن تكون مختلفة.. لديها مقومات خارقة ثلاث ساعات كاملة انتظرتها فى مكتبى فهى تقيم فى الإسكندرية قلبت أوراق التحقيق.. حفظت اعترافات الرجال الخمسة عن ظهر قلب اعتدلت فى جلستى وشحذت عينيى للقائها.. فالطلة الأولى تبقى ونظراتها إلىّ ستعنى الكثير فتح الصول فتحى الباب بعد عدة خبطات مستأذنا بالدخول لأسمح لبهية بالمثول بين يدى عباية سوداء تغطى جسدها الذى يتفجر أنوثة لا مثيل لها.. عيناها لا تنطق إلا بالشهوة فى كل شىء الرجال.. المال.. الامتلاك جلست وأنا مازلت أدقق النظر فى هذا الكائن الذى استطاع السيطرة على قلوب رجالها الخمسة.. حتى الآن الاعترافات التى جاءت على لسان الجناة كل ما أملكه حاولت أن أحثها حتى تنظر لى مباشرة لعلى أرى ما لم يره أحد، لكنها كانت قلقه متوترة تهز قدميها اليمنى هزات عنيفة، تقبض على كفيها بقوة حتى اعتقدت أن يديها ستسقط دما صوبت سؤالى إلى رأسها فاخترقها (لماذا قُتل زوجك؟) لم ترد هل كنتِ تعرفين الجناة؟ لم ترد ظللت أسألها كل الأسئلة الممكنة وهى لا ترد تتقلص عضلات وجهها ويصفر جلد بشرتها وتنفجر الشعيرات الدموية فى عينيها حتى اعتقدت أنها سيغشى عليها أو تسقط ميتة أحسست للحظه أن طريقتى حادة فى كل شىء.. نظراتى الكريهة إليها، طبقة صوتى المستفزة جفاف كلماتى وأسئلتى الموجعة حتى أننى لم أكلف نفسى بضيافتها حتى الآن لا يوجد دليل على اشتراكها فى الجريمة ولم يشهد أحد من الجناة عليها فلماذا إذن كل هذا التعسف مع امرأة فى جمالها وجاذبيتها قررت أن أغير من حالى.. اعتدلت فى جلستى، أدرت التكييف بدلا من المروحة.. طلبت لنا عصير ليمونادة باردة هذه المرة ابتسمت.. فبادلتنى الابتسامه، فأشرق وجهها بنور ربانى أذهلنى لم أر فى حياتى أجمل ولا أروع من ابتسامة شفتيها المرمريتين حتى ظننت لوهلة أننى سأضاف إلى طابور عشاقها فتحت فمها للتكلم فطربت أذنى لعذوبة صوتها الهادئ.. كنت أحب زوجى رغم قسوته وغيرته العمياء، لم أنجب منه لعلة فيه، لكننى رضيت بحياتى معه، لكنه لم يصدقنى طوال سبع سنوات احتملتها بلا أمومة علاء صديق زوجى كان يدعمنى فى خلافاتنا يمسح بيديه قسوة الأيام علىّ.. لولاه ما صبرت كل هذه الفترة على ذمته أحسست ببرودة دموعها على كفى.. فجأة تحولت ملامحها الدافئة إلى ثعبان ينفث سم كلماته على أوراق الاعتراف الزائف تحولت تلك الابتسامة المشرقة إلى قناع مهترئ يخفى الحقيقة المرة.. كلماتها تؤكد خيانتها رغم عدم الاعتراف أنفاسها اللزجة تصدمك بأنها أوحت وهيأت وتمنت.. والجميع نفذ صاغرا بلا مراوغة ظلت تحكى كم تمنعت عن الخطيئة كم قاومت وقاومت.. لكنها بشر.. وهل كل البشر أنبياء؟!