رئيس جامعة قناة السويس يستعرض الإطار الزمني لامتحانات الفصل الدراسي الثاني    البنك المركزي يطرح أذون خزانة بقيمة 45 مليار جنيه ..غدًا    رئيس الوزراء يتابع ترتيبات تنظيم مؤتمر الاستثمار المشترك بين مصر والاتحاد الأوروبي    الرئيس السيسي يمنح أمير الكويت قلادة النيل أرفع الأوسمة المصرية    إحالة العاملين ب4 مراكز شباب في القليوبية إلى التحقيق    أوباما ينتظم في تدريبات الزمالك    إحالة عاطل للجنايات في حيازة سلاح ناري والشروع بقتل سائق توك توك    دموع ودعاء وقرآن.. انهيار أسرة طبيبة كفر الشيخ ضحية أمام قبرها (صور)    النائب العام يقرر إضافة اختصاص حماية المسنين لمكتب حماية الطفل وذوي الإعاقة    "تضامن النواب" توصي عدم الكيل بمكيالين واستخدام حقوق الإنسان ذريعة الأهداف سياسية    بطولة دنيا سمير غانم.. محمد رضوان ينضم ل «الجارداية»    دعاء ياسين: أحمد السقا ممثل محترف وطموحاتي في التمثيل لا حدود لها    «معروفة من 2021».. الصحة تكشف احتمالات حدوث جلطات بعد التطعيمات بلقاح كورونا    موعد إجازة عيد العمال وشم النسيم ل القطاع الخاص 2024    بسبب الأزمة المالية.. برشلونة مهدد بفقدان أحد صفقاته    كرة سلة – قمة الأهلي والزمالك.. إعلان مواعيد نصف نهائي دوري السوبر    موقف طارق حامد من المشاركة مع ضمك أمام الأهلي    خطوة واحدة تفصل ليفربول عن ضم الصخرة    الآن داخل المملكة العربية السعودية.. سيارة شانجان (الأسعار والأنواع والمميزات)    وفد سياحي ألماني يزور منطقة آثار بني حسن بالمنيا    غرق بمياه ترعة.. العثور على جثة شخص في الصف    القوات المسلحة تحتفل بتخريج الدفعة 165 من كلية الضباط الاحتياط    90 محاميا أمريكيا يطالبون بوقف تصدير الأسلحة إلى إسرائيل    الجمعة.. الأوبرا تنظم حفلا للإنشاد الديني بمعهد الموسيقى العربية    "بتكلفة بسيطة".. أماكن رائعة للاحتفال بشم النسيم 2024 مع العائلة    زاهي حواس يوضح سبب تجاهل الفراعنة لوجود الأنبياء في مصر.. شاهد    حفل ختام فعاليات مهرجان الإسكندرية ل الفيلم القصير في الدورة العاشرة    هيئة الرقابة النووية والإشعاعية تجتاز المراجعة السنوية الخارجية لشهادة الايزو 9001    تفاصيل زيارة وفد منظمة الصحة العالمية لمديرية الصحة في أسيوط    الشوري القطري والبرلمان البريطاني يبحثان علاقات التعاون البرلماني    وزير الأوقاف : 17 سيدة على رأس العمل ما بين وكيل وزارة ومدير عام بالوزارة منهن 4 حاصلات على الدكتوراة    غدًا.. «بيت الزكاة والصدقات» يبدأ صرف الإعانة الشهرية لشهر مايو    «التنمية الشاملة» ينظم احتفالية لحصاد حقول القمح المنزرعة بالأساليب الحديثة بالأقصر (تفاصيل)    رموه من سطح بناية..الجيش الإسرائيلي يقتل شابا فلسطينيا في الخليل    تقرير حقوقي يرصد الانتهاكات بحق العمال منذ بداية 2023 وحتى فبراير 2024    سرعة جنونية.. شاهد في قضية تسنيم بسطاوي يدين المتهم| تفاصيل    "بحبها مش عايزة ترجعلي".. رجل يطعن زوجته أمام طفلتهما    الليلة.. حفل ختام الدورة العاشرة ل مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير    موعد غلق باب التقديم للالتحاق بالمدارس المصرية اليابانية في العام الجديد    لحظة إشهار الناشط الأمريكي تايغ بيري إسلامه في مظاهرة لدعم غزة    كيف تجني أرباحًا من البيع على المكشوف في البورصة؟    الصحة: الانتهاء من مراجعة المناهج الخاصة بمدارس التمريض بعد تطويرها    عشان تعدي شم النسيم من غير تسمم.. كيف تفرق بين الأسماك الفاسدة والصالحة؟    استشاري طب وقائي: الصحة العالمية تشيد بإنجازات مصر في اللقاحات    إلغاء رحلات البالون الطائر بالأقصر لسوء الأحوال الجوية    مستشارة أوباما السابقة: أمريكا تسعى لوقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن    كولر يدرس استبعاد رباعي الأهلي أمام الإسماعيلي    مفتي الجمهورية مُهنِّئًا العمال بعيدهم: بجهودكم وسواعدكم نَبنِي بلادنا ونحقق التنمية والتقدم    دعاء آخر أسبوع من شوال.. 9 أدعية تجعل لك من كل هم فرجا    وزير التموين يعلن تفاصيل طرح فرص استثمارية جديدة في التجارة الداخلية    ألقوه من فوق مبنى.. استشهاد فلسطيني على يد قوات الاحتلال في الضفة الغربية    كينيا تلغي عقد مشروع طريق سريع مدعوم من البنك الأفريقي للتنمية    اليوم.. محاكمة 7 متهمين باستعراض القوة والعنف بمنشأة القناطر    مساعد وزير الصحة: قطعنا شوطًا كبيرًا في تنفيذ آليات مواجهة تحديات الشراكة مع القطاع الخاص    رفع مستوى الإنذار وإغلاق مطار دولي.. ثوران بركان جبل إيبو في إندونيسيا|فيديو    هل ذهب الأم المتوفاة من حق بناتها فقط؟ الإفتاء تجيب    نجم الزمالك السابق: جوميز مدرب سيء.. وتبديلاته خاطئة    برج القوس.. حظك اليوم الثلاثاء 30 أبريل: يوم رائع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ساعتها أحسست بوجع الفقد
نشر في اليوم السابع يوم 18 - 06 - 2010

لأيام زمان حلاوتها ولو كانت لا تعرف غير وابور الجاز، مع أكواب الشاى المعتبر، التى أحن إليها فى كل ليلة باردة، عن نفسى حتى الآن اسمى البوتاجاز الوابور، وغالباً ما تضحك زوجتى عندما أتحدث عن البوتاجاز باعتباره وابور جاز وهى لا تعرف أننى ربما أحن لأيام كنا نجتمع فيها حول الوابور المشتعل فى غرفة ضيقة تكاد تسعنا بدون الوابور، كنا نتحلق حوله كأنه نقطة المركز فى دائرة غير منتظمة، ويخرج الواحد منا يديه من تحته بالعافية لكى يكمل مص عود القصب فى برد يناير القارس، وكان عمى غفر الله له ورحمه يقود السهرة بحنكة الحريص على ألا ينام أحد أفراد الأسرة قبل أن يطفئ الوابور حتى لا يختنق وهو نائم، وعندما كانت تغيب شعلة الوابور وتبقى رائحة الجاز مع موجات الدفء التى صنعتها أنفاسنا المجتمعة فى مكان مغلق مع حرارة الوابور الذى يبقى مشتعلا طوال الربع الأول من الليل، كان يسمح لنا بالنوم الهنيء ويفاجئ كل واحد منا كل ليلة بالأمر السامى بالانتقال إلى غرفنا بعد أن انقضت نوبة الدفيان، وكنا نترك الوابور ونحن نكاد نبكى الدفء الذى سيضيع علينا رغم الألحفة والبطاطين الميرى التى كان يجلبها لنا عمى من السبتية.
فى تلك الليالى الباردة كان عمى يتألق فى سرد الحكايات التى ترد على ذاكرته من تاريخ ما عاشه وشاهده بنفسه، وكنت أناقشه فيما يقول، فيشجعنى مرة، ويسكتنى مرة ويقول لى اسكت انت خايب مش عارف حاجة، اذكر من هذه المرات أنى ذكرت كلمة فى حق الرئيس جمال عبد الناصر فيها تساؤل عن ما فعله لكى يحبه كل هذا الحب، ولا أنسى ليلتها وهو يعلو صوته فى وجهى مؤنباً وهو يقول بصدق: يكفى أنه طلع الانجليز م البلد ياخايب، ياللى عامل لى شاطر وبتطلع الأول، وراح يحكى تجربة خاصة جداً أعترف أنها هى التى جعلتنى أفهم المعنى الحقيقى عند كل مصرى عاش زمن الاحتلال الانجليزى فى مصر، وفهمت يومها أن مشكلة جيلى والأجيال التى جاءت من بعدنا أنهم ولدوا وعاشوا فى بلد غير محتل، لم نر بأعيننا انجليزياً واحداً يتجول فى شوارع المحروسة والبندقية فوق كتفه، وكأنه هو صاحب هذه الأرض ومالكها، وكان المواطن المصرى مواطناً من الدرجة الثانية فى بلده، قال عمى والدمعة تكاد تطفر من عينيه، يا خايب أنا مرة فى طنطا كنت ماشى وبصحبتى امرأة عمك، وتعرض لنا جندى إنجليزى يريد أن يأخذها منى وكدت أشتبك معه متوقعاً أن يرمينى برصاصة واحدة تنهى حياتي، ولولا ستر الله، لكان مصيرى إما السجن أو الموت، فقبل أن يتصاعد الموقف بيننا هلت علينا تباشير مظاهرة وطنية آتية من الشارع الكبير فالتفت إليها العسكرى الإنجليزى فانتهزت الفرصة وفررت بسرعة من أمامه أحمل زوجتى على أقرب حنطور صادفته عند أول منعطف، ولم أشعر بالأمان إلا وأنا فى قريتى على بعد كيلو مترين من المركز حين وصلت فى بيت جدك، ساعتها عرفت معنى أن يكون بلدك محتل.
هذا البيت الذى تربيت فيه لم يكن من مسايرى النظام الناصرى، فلم أعرف أحداً من أهلى دخل الاتحاد الاشتراكى ولا منظمة الشباب، ولا انضوى أحد منهم بأى شكل فى نشاط سياسى رسمى، بالعكس كنت أشارك وأنا طفل صغير مع أبناء عمومتى الشباب وهم يحفرون فى الأرض إلى عمق عدة أمتار ثم يضعون فى الحفرة المربعة صفائح مليئة بالكتب التى كانت ممنوعة فى ذلك الوقت بعد أن يغلفوها من كل جانب من الداخل بأوراق الكراتين الثقيلة، واذكر من بين هذه الكتب كتاب فى ظلال القران لمؤلفه سيد قطب الذى ملأ وحده صفيحة كاملة.
ورغم ذلك لا زلت أذكر أن بعض أفراد أسرتى هذا صاحب الكتب المعادية لعبد الناصر بكى لحظة أذيع نبأ رحيله، وسألته بطفولة، لا أقصد البراءة ولكن السذاجة، وكثير من الاستغراب مستنكراً: لماذا تبكى عليه؟، رمقنى بنظرة مازلت أحس بالخجل منها حتى الآن، وبعد لحظات قال بصوت ملؤه التأثر والصدق: لست أبكى عليه، إنما أبكى مصير بلدٍ ارتبط به بما لم يرتبط بأحد من قبله، ولست أظن أنه سوف يرتبط بأحد من بعده بمثل ما ارتبط بجمال عبد الناصر، ساعتها أحسست بوجع الفقد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.