"«فور أن تُخطئ، ينسى الجميع أنك قدَّمتَ كثيرًا إليهم، وأنهم كانوا يَثنون عليك يومًا ما ». قالتها والدموع تملأ عينيها، فهى كثيرًا ما احتملت وقدَّمت كثيرًا من الأعمال الرائعة التى أثنى عليها الجميع. ومع حدوث الخطأ جاءت الكلمات القاسية أيضًا من الجميع، كأنه غير وارد فى حياة البشر! توقفت الكلمات والأفكار عند آلام تشعر بها فى أعماقها وسؤال يطرح نفسه: أيمحو الخطأ كل الخير؟ ويظل السؤال يتردد، وتنطلق أصداؤه عبر الحياة". يتساءل البشر: لماذا ينسى بعض الناس ما يقدَّم من خير إزاء خطأ يحدث؟ وهنا أجد أن الإجابة هى ضعف/ فقدان المحبة. نعم، فالمحبة العميقة الكامنة فى قلوب البشر هى الوقود الذى لا يتوقف فى فكر الإنسان ليتذكر ما قدَّمه الآخرون إليه من أعمال حسنة. فمع أن الحزن الذي يتولد عن أخطاء أناس نحمل إليهم المحبة يكون أشد من غيرهم حين يُخطئون، إلا أن المحبة العميقة لهم تجعلنا نفكر فى أعمال الخير والود التى قدَّموها يومًا ما. وربما يكون السبب الكامن من مواقف لآخرين، حين يصدر منك خطأ ما، هو رغبتهم فى الابتعاد فقط؛ قيل: "بعض البشر لم يرحلوا من حياتك لأنك أخطأتَ، لٰكنهم فقط كانوا ينتظرون أن تُخطئ كى يرحلوا". ومن ينسى الأعمال الطيبة هو لا يهتم بالإنسان إنما بالموقف فى حد ذاته، وبأسلوب منفرد عن سائر المواقف، ما يجعل حكمه على الأمور غير دقيق؛ وهو فى هٰذا يحاول فصل الإنسان عن تأثره بما مر به من ظروف فى الحياة تؤدى إلى حدوث الخطأ. لذا يجب أن نتذكر أن الناس من حولنا بشر ولهم أخطاؤهم، إذ لا بشرى كامل. ولٰكن ما يُعد خطأً حقيقيًّا فى حياة الإنسان، هو عدم تعلم الإنسان من أخطائه، لأن التعلم يَزيد إلى خبراته مزيدًا من الدُّروس والوعى والخبرات والحكمة التى تساعده على تخطى فرص الأخطاء المستقبلية. يقول الكاتب المسرحى "برنارد شو": "النجاح ليس عدم فعل الأخطاء، بل هو عدم تكرارها". وهنا يأتى سؤال آخر: "أيعنى هٰذا ألا نحدِّث الآخرين عن أخطاء نراها أو نشعر بها منهم فى الحياة الخاصة أو فى العمل؟ بالطبع: لا! هناك فارق شديد بين أن تحادث إنسانًا فى محبة، موضحًا له خطأه، أو مستفسرًا عن موقف ما له، وبين أن تعاقبه أو تحاسبه على هٰذا الخطأ ناسيًا، وأحيانًا متناسيًا، الجوانب الأخرى المضيئة من حياته، فيكون موقفك وكلماتك غير ملائمين لما صدر منه من أخطاء! وكما أن المحبة تقود الإنسان إلى احتمال أخطاء الآخرين ومساعدتهم على تخطيها، فهى أيضًا الطريق إلى كيفية معالجة أخطاء أناس آخرين ربما لا يُدركون أخطاءهم وأحيانًا يبررونها بكلمات براقة؛ إن هؤلاء يجب أن نتوقف معهم قليلًا ونستميلهم ليُدركوا ويتعلموا بأسلوب هادئ حساس. عزيزى: كُن طبيبًا فى علاج الخطأ، يحاول أن يعالج الخطأ لا المخطئ! * الأسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى.