فى الخامس والعشرين من أبريل من كل عام نحتفل بذكرى استرداد سيناء الحبيبة وعودتها إلى حضن الأم الغالية مصر، وما أجمله من احتفال! وما أعظمها من مناسبة! فى هذا اليوم من عام 1982 انسحبت إسرائيل من سيناء، بعد توقيع اتفاقية السلام فى كامب ديفيد والتى جاءت تتويجا للعبور العظيم فى العاشر من أكتوبر 1393هجرية، السادس من أكتوبر 1973 ميلادية. سيناء لها مكانتها الدينية، فعن طريقها دخل الإسلام مصر، حينما عبر الصحابى الجليل عمرو بن العاص بجيشه أرض سيناء ودخل العريش جاءته رسالة من فاروق الأمة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب جاء فيها: (إذا كنت قد دخلت مصر فسر على بركة الله وإذا كنت لم تدخلها فعد بسلامة الله) وذهب من العريش إلى الفرما ثم إلى بلبيس ثم إلى الفسطاط، حاملا للمصريين دين السلام، فاستقلبه المصريون بالترحاب لأنهم علموا أن الإسلام هو دين التسامح والعدل والمساواة. وسيناء معبر وممر الأنبياء، منهم من اجتازها ومنهم من أقام فيها، بدءا من أبى الأنبياء إبراهيم وإسماعيل ويعقوب وأيوب وشعيب ويوسف عليهم الصلاة والسلام. جاء إليها سيدنا إبراهيم مع زوجته سارة وابن أخيه لوط عليه السلام عام 1890 ق.م وتزوج هاجر المصرية، كما اجتازها سيدنا يوسف عليه السلام عام 1780 ق.م الذى التقطه بعض السيارة وباعوه لعزيز مصر، كما مر بها سيدنا يعقوب عليه السلام وأولاده عند قدومهم للحياة فى مصر عام 1706ق.م، وسيدنا أيوب عام 1300ق.م، وشعيب الذى عاش بين أرض مدين وأرض سيناء عام 1250ق.م، وعاش على أرضها سيدنا موسى الذى ناجى ربه من فوق جبل الطور، وعلى أرضها الطاهرة تلقى الرسالة ونزلت آيات الله لليهود عام 1218ق.م وخرج بالتوراة من مصر مع أخيه هارون، كما تقابل مع الخضر فى جنوبسيناء عند مجمع البحرين، وعلى أرضها عاش النبى داود عام 1005ق.م وحمل أناشيده وقام اليهود بترتيلها فى صلواتهم وأطلقوا عليها مزامير داود، ومن أرضها دخلت السيدة العذراء مريم ومعها السيد المسيح طفلا إلى أرض الإله الآمنة، وخرج عيسى عليه السلام من مصر بعد قضائه سبعة عشر عاما فى أحضان العقيدة حاملا رسالة الإنجيل إلى العالم. يشغل مثلث جزيرة سيناء حيزا استراتيجيا فى خريطة التوازنات الدولية والإقليمية منذ فجر التاريخ نظرا لموقعه الحاكم فى خريطة الشرق الأوسط، حيث يعتبر رقعة اليابسة الوحيدة التى تقسم المنطقة العربية إلى شرق وغرب، لذا فهو بمثابة حلقة الاتصال بين الشطرين. وتعد سيناء ملتقى القارتين (أفريقيا وآسيا) والجسر البرى الذى يربط بينهما، حيث كانت منذ القدم ممرا للقوافل. تأخذ شكل المثلث تستلقى قاعدته الشمالية على امتداد البحر الأبيض المتوسط (من بور فؤاد غربا إلى رفح شرقا) بطول 200كم، أما رأسه فيقع جنوبا فى منطقة رأس محمد(تبعد عن ساحل البحر المتوسط بحوالى 390كم). ولقد ارتوى تراب سيناء بدماء الشهداء خير أجناد الأرض الذين ضحوا بأرواحهم فى سبيل تحريرها والذين حققوا أكبر معجزة على أعلى مقياس عسكرى فعبروا مانع قناة السويس المنيع وحطموا خط بارليف الحصين وقضوا على أسطورة الجيش الذى لا يقهر، فيجب علينا أن نذكرهم بكل فخر وأن ندعو المولى أن يرحمهم ويسكنهم فسيح جناته. سيناء.. أرض طيبة تمتلئ بالخيرات والخامات الاقتصادية، فينبغى علينا جميعا حكومة وشعبا بالحفاظ على سيناء بكل ما أوتينا من قوة والاتجاه إلى تنميتها وتعميرها زراعيا وصناعيا وتجاريا والاستفادة من المساحات الشاسعة فى الزراعة حتى نحقق الاكتفاء الذاتى من المحاصيل الزراعية بديلا للاستيراد. ان الاهتمام بسيناء يحقق الرخاء ويقضى على البطالة بتوفير فرص العمل للشباب والخروج من الوادى الضيق الذى نعيش فيه لزيادة كثافتها السكانية وخلق مجتمعات جديدة والحفاظ عليها ضد أى مطمع أو اعتداء. ولا يفوتنا أن نوجه الشكر والتقدير إلى جيش مصر الباسل صا حب العزيمة القوية والإرادة الصلبة الذى قدم ملحمة بطولية فى حرب أكتوبر، فكان انسحاب إسرائيل ثمرة من ثمرات هذا العبور العظيم، وما زال يقدم الكثير من أبنائه ما بين شهداء ومصابين للقضاء على الإرهاب الأسود. اللهم احفظ مصرنا الغالية من كل سوء، واجعل شعبها على قلب رجل واحد وارحم شهداء قواتنا المسلحة الشجعان.