إذا انحرفت فطرة المرء عن استقامتها، خرجت عن منظومة القيم التى تمثل مطلق الأخلاق البشرية الحميدة، والتى بها عمارة الأرض، وبها معيار الحكم على الأشياء من حيث حسنها وقبحها، وما نراه اليوم من جماعات الإرهاب الأسود من قتل وترويع الآمنين، ما هو إلا انحراف بالفطرة عما خلقها الله لأجله، بحيث تخاصمت أفعالهم مع الأخلاق الحميدة، والدين الصحيح، فأهم صفة اتصف بها هؤلاء القتلة هى صفة العدوان، والتى نهى عنها الله بنهى صريح مباشر، صار كالقاعدة المطردة «ولا تعتدوا» فالعدوان يفسد نفس الإنسان، ويولد هذه النفسية التى نراها عند الطغاة عبر التاريخ، غباوة فى التصرف، وسوء تقدير للأمور وبلاء فى النتيجة، مهما زين الطاغية المعتدى بكلامه أفعاله، وبرر هذه الأفعال، فما دامت فى نطاق العدوان كانت عدوانًا، وقد عظَّم الشرع الشريف دم المسلم ورهَّب ترهيبًا شديدًا من إراقته أو المساس به بلا حق، قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾، والنبى صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ»، كما حرم الله قتل النفس مطلَقًا بغير حق، فقال عز وجل: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ﴾. وما نراه اليوم من دماء تراق وطغيان عظيم خير دليل على ذلك، فقنبلة واحدة يفجرها الإرهابيون تهلك العشرات من الأبرياء، وقذيفة واحدة تهلك المئات، فليتكلم كل البشر فى تبرير ذلك بما يشاءون من ترهات لا يقرها عقل سليم، إلا أن الحقيقة الباقية هى: {إن الله لا يحب المعتدين}، ولذلك تتم المؤاخذة من المعتدين فى الدنيا، ثم يرجعون إلى الله فيوفيهم حسابهم، والتبرى من صفة العدوان، يجب أن يتخلق به الإنسان على مستواه الشخصى وفى تربيته لأبنائه وعلى مستوى المجتمع، بل على مستوى الدول والعلاقات بينها، لذلك فإن الله لا يحب الفساد ولا المفسدين، والفساد ينتج من العدوان، كما أنه لا يحب الظالمين، والظلم هو التصرف فى ملك الغير بدون إذنه، والعدوان فيه تصرف فى ملك الغير بدون إذنه، ونتيجة الفساد والظلم وهو مشتق من مادة الظلام التى هى ضد النور وعاقبتها هى مخالفة مراد الله من خلقه فليبارز الله بالمعصية من أراد حرب: {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ}. كما أن المعتدى الذى لا يرتدع فيه صفات كلها يكرهها الله ولا يحبها: الكفر «وهو ستر القلب عن استماع موعظة الخالق، بدرجات الستر المختلفة التى تنتهى بإنكاره أو إنكار وحيه»، والإثم «أى طلب الإثم وعدم الاهتمام بأنه إثم ما دام ينفذ ما يريد، لأنه يفهم أن الحياة الدنيا نهاية علمه وغاية أمله {يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون}، ولا يهتم بأمر الله فهو مختال بنفسه فخور بفعله مستكبر فى نفسه، مستكبر فى الأرض بغير الحق، فشأن الإنسان الضعف، ولذلك أمر بالحلم والأناة وليس بالكبر الذى يعمى بصيرته، فلا يرى سوى نفسه ورأيه ولا يرى الواقع على ما هو عليه، ولا يرى المستقبل بعقل راجح قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأشج عبد قيس: «إن فيك لخصلتين يحبهما الله: الحلم، والأناة». والسمات السابقة تولد صفات مذمومة ذكرها لنا الحق تبارك وتعالى فى معرض التنبيه عن أحوال المنافقين فى قوله تعالى {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِى الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِى قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِى الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ}. يجب أن ندفع عن ديننا كل ما ألصق به من تشدد أو تطرف أو عدوان على الإنسان والبنيان بدعوى تفسير منحرف لمفهوم الجهاد فى سبيل الله، الذى له ضوابطه المعتبرة فى ديننا الحنيف، فحياة المسلم كلها جهاد فى عبادته لله تعالى وعمارة الأرض وتزكية النفس، وادعاء هؤلاء المنحرفين عن الجهاد هو ادعاء مخالف للحقيقة، وهذا الادعاء هو المطية التى يركبها المرجفون والمتطرفون فى سوء فهمهم للإسلام، مع أن منهج الإسلام بعيد عن أفعالهم المنكرة وإفسادهم فى الأرض التى يريدون إلصاقه بالجهاد، فالجهاد ليس إفسادًا فى الأرض بل الإصلاح لها.