اجتمع المسلمون الأوائل فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفى عصر الصحابة، رضوان الله عليهم، فى فهمهم للدين على منهج منضبط، يستمد فهمه وفكره من المنهج النبوى القويم، إلى أن ظهرت الفتن الجانبية التى أحدثها البعض نتيجة لفهم خاطئ وغير صحيح للدين، للدرجة التى أوصلت البعض منهم إلى تكفير أصحابه من المسلمين بالمعاصى والذنوب، ثم خبت هذه الظاهرة، لكنها سرعان ما تعاود الظهور بين الحين والآخر. ولقد حذرنا الله تعالى من الفتن فقال الله تعالى: «وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً»، ووصف الدواء لنا للنجاة من الوقوع فيها فقال تعالى: «وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا»، كما أرشدنا النبى صلى الله عليه وسلم إلى الاستعاذة بالله من الفتن، وشرها، وسوئها، ومضلاتها، وبين أنها تأتى مظلمة، ربما أخطأ المسلم تمييزها فقال صلى الله عليه وسلم: «بادروا بالأعمال فتنًا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنًا ويمسى كافرًا، أو يمسى مؤمنًا ويصبح كافرًا، يبيع دينه بعرض من الدنيا»، فقد يصبح المرء مع هذه الفتن كمن يسير فى الظلام الدامس لا يرى فيه موضع قدمه، ولا يستبين فيه الحق من الباطل، حتى إن بعض السلف كان دعاؤهم: اللهم إنا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا أو أن نُفْتَن. ولعل الطائفية الذميمة التى ابتليت بها المجتمعات كانت سببًا كبيرًا ومباشرًا فى إحداث الفتن وإثارتها، وتهديد المجتمعات وأمنها، وظهر بسببها القتل والهرج، مما جعل الخطاب الدينى أمام مسؤولية كبيرة فى التصدى لهذه الفتن، وعلى رأسها الطائفية، والهجمة الشرسة على أهل السنة، وظهور جماعات تعبث بإرادة الأمة، وتسوقها إلى ما لا يحمد عقباه، حيث إن تلك الطائفية كانت سببًا أو إحدى أدوات المستعمر فى احتلال الأمم السابقة، وصفحات التاريخ تشهد بذلك. إن هدف الطائفية هو تمزيق الأمة وتفريقها وإثارة البغضاء لقوله تعالى: «مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ»، وهذا التفريق يجعل الأمة صيدًا ثمينًا وفريسة سهلة لأعدائها. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يوشك الأمم أن تتداعى عليكم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها، فقال قائل: أمن قلة يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل»، كما أن هذه الطائفية تتغذى على الصراع بين طوائف المجتمع، والذى يكون من نتائجها سفك الدماء، وإزهاق الأرواح، وما يحدث فى البلدان العربية التى ابتليت بهذا الداء غير بعيد. لذا يجب التصدى لهذه النزعة الطائفية التى لم تكن يومًا من الإسلام، لأن الإسلام حارب كل أشكال التعصب، وحث على التعاون والتواصل وإشاعة روح التسامح، فهو الذى أكد أن الناس مهما اختلفوا وتباعدوا لا ينبغى ألا ينسوا أنهم من أب واحد وأم واحدة لقوله تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا»، وحث على الرفق واللين فى الأمر كله، والبعد عن التشدد والغلظة، فقال صلى الله عليه وسلم: «إن الرفق لا يكون فى شىء إلا زانه، ولا ينزع من شىء إلا شانه». ونهى عن الغلو فى الأشخاص، وإنزالهم فوق منزلتهم، فقال تعالى فى حق الأمم السابقة: «اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ»، كما أنه قرر أن أساس التفاضل بين الناس التقوى والعمل الصالح، وليس اللون أو الجنس أو العرق، فقال صلى الله عليه وسلم: «يا أيها الناس ألا إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربى على عجمى، ولا لعجمى على عربى، ولا أحمر على أسود، ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى». كما أمرنا الله تعالى بالعدل والإنصاف مع النفس ومع الآخرين، فقال تعالى: «وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ»، وحرم الظلم والبغى فقال تعالى: «وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى»، وأمرنا بقبول الحق مهما كان مصدره، فالحكمة ضالة المؤمن.. ينبغى أن يتوحد الجميع ضد الطائفية التى تبعث الفتن فى جسد الأمة فتصيبها بالوهن والضعف، واتباع جميع السبل للحيلولة من أن تنال من المسلمين فى أى مكان. موضوعات متعلقة.. - المفتى تعليقاً على الأعمال الإرهابية بسيناء: مرتكبوها مفسدون فى الأرض