فتح باب التقدم للالتحاق بمدارس مصر المتكاملة للغات EiLS    جمع مليون جنيه في ساعتين.. إخلاء سبيل مدرس الجيولوجيا صاحب فيديو الدرس الخصوصي بصالة حسن مصطفى    4 بنود.. ماذا فعلت مصر ب50 مليار دولار جمعتها في النصف الأول من 2024؟    تجنبًا لكارثة وجودية.. برلمانية: يجب وضع مبادئ توجيهية أخلاقية لاستخدام الذكاء الاصطناعي    البورصة المصرية تختتم بربح 17 مليار جنيه ليغلق عند مستوى 1.752 تريليون    بنك مصر يوقع بروتوكول تعاون لدعم منظومة التحصيل الإلكتروني    لابيد: نتنياهو سيتخلى عن الجنود الإسرائيليين عندما يتعلق الأمر بمصلحته    الرئيس الأوكراني ينفي أنباء استيلاء روسيا على بلدة ريجيفكا    لجنة أوشفيتس الدولية: نتائج انتخابات البرلمان الأوروبي نقطة تحول محبطة    أنشيلوتي: ريال مدريد لن يشارك في كأس العالم للأندية بسبب فيفا    أخبار الأهلي : 5 مرشحين لخلافة علي معلول فى الأهلي    ليونيل ميسي يشارك في فوز الأرجنتين على الإكوادور    الداخلية: اتخذنا كافة التدابير الأمنية لتأمين امتحانات الثانوية العامة (فيديو)    "دع عملك يتحدث".. قبل الصفعة كيف يواجه عمرو دياب الأزمات؟    رحلة العائلة المقدسة إلى مصر حماية للمسيحية في مهدها    حورية فرغلي دكتورة تبحث عن الحُب في مسلسل «سيما ماجي»    هيئة الدواء تقدم الدليل الإرشادي لتأمين أصحاب الأمراض المزمنة فى الحج    مصر تحصد ذهبية منافسات الفرق فى بطولة أفريقيا لسلاح الشيش    رئيس الشيوخ يهنئ الرئيس السيسي بعيد الأضحى ويرفع الجلسة لموعد غير محدد    عمرو أديب عن "ولاد رزق 3": "هتشوفوا فيلم عالمي"    وزارة الأوقاف: أحكام وصيغ التكبير في عيد الأضحى    محافظ المنوفية يفتتح مدرسة التمريض الجديدة بأشمون (صور)    مستشفيات جامعة أسوان يعلن خطة الاستعداد لاستقبال عيد الأضحى    توفير فرص عمل ووحدات سكنية ل12 أسرة من الأولى بالرعاية في الشرقية    اسكواش - مصطفى عسل يصعد للمركز الثاني عالميا.. ونور الطيب تتقدم ثلاثة مراكز    «القومي للبحوث» يوضح أهم النصائح للتغذية السليمة في عيد الأضحى    وزيرة الهجرة: نعتز بالتعاون مع الجانب الألماني    الرئيس الروسي يزور كوريا الشمالية وفيتنام قريبا    أفيجدرو لبيرمان يرفض الانضمام إلى حكومة نتنياهو    إعلام إسرائيلى: قتلى وجرحى فى صفوف الجيش جراء حادث أمنى فى رفح الفلسطينية    "كابوس".. لميس الحديدي تكشف عن كواليس رحلتها مع مرض السرطان.. لماذا أخفت هذه المعلومة عِقدًا كاملًا؟    ياسمين عبد العزيز ترد على رسالة أيمن بهجت قمر لها    تشكيل الحكومة الجديد.. 4 نواب في الوزارة الجديدة    «مودة» ينظم معسكر إعداد الكوادر من أعضاء هيئة التدريس بالجامعات    مفاجأة مثيرة في تحقيقات سفاح التجمع: مصدر ثقة وينظم حفلات مدرسية    الأوقاف: افتتاح 27 مسجدًا الجمعة القادمة| صور    محافظ أسيوط يشيد بتنظيم القافلة الطبية المجانية للرمد بقرية منقباد    أمين الفتوى بدار الإفتاء يوضح آداب ذبح الأضاحي في عيد الأضحى (فيديو)    مطلب برلماني بإعداد قانون خاص ينظم آليات استخدام الذكاء الاصطناعي    البابا تواضروس الثاني ومحافظ الفيوم يشهدان حفل تدشين كنيسة القديس الأنبا إبرآم بدير العزب    تأجيل محاكمة المتهم بقتل زوجته ببسيون لشهر سبتمبر لاستكمال المرافعات    تاريخ فرض الحج: مقاربات فقهية وآراء متباينة    يوم الصحفي المصري "في المساء مع قصواء" بمشاركة قيادات "الاستعلامات" و"الصحفيين" و"الحوار الوطني" و"المتحدة"    ضياء رشوان: لولا دور الإعلام في تغطية القضية الفلسطينية لسحقنا    "أتمنى ديانج".. تعليق قوي من عضو مجلس الزمالك بشأن عودة إمام عاشور    خادم الحرمين الشريفين يأمر باستضافة 1000 حاج من ذوي ضحايا غزة    سرقا هاتفه وتعديا عليه بالضرب.. المشدد 3 سنوات لسائقين تسببا في إصابة شخص بالقليوبية    صندوق مكافحة الإدمان يستعرض نتائج أكبر برنامج لحماية طلاب المدارس من المخدرات    مناسك (4).. يوم التروية والاستعداد لأداء ركن الحج الأعظم    هل الغش في الامتحان يبطل الصوم؟.. «الإفتاء» توضح    «الصحة»: خدمات كشف وعلاج ل10 آلاف حاج مصري من خلال 24 عيادة في مكة والمدينة    وزير التعليم العالي يستقبل وفدًا من مجموعة جنوب إفريقيا للتنمية «SADC»    جالانت يتجاهل جانتس بعد استقالته من الحكومة.. ما رأي نتنياهو؟    أخبار الأهلي : ميدو: مصطفى شوبير هيلعب أساسي على الشناوي و"هو ماسك سيجار"    جامعة القاهرة تطلق قافلة تنموية شاملة لقرية الودي بالجيزة    حالة الطقس المتوقعة غدًا الثلاثاء 11 يونيو 2024| إنفوجراف    النسبة التقديرية للإقبال في انتخابات الاتحاد الأوروبي تقترب من 51%    جمال عبدالحميد يكشف أسباب تراجع أداء منتخب مصر أمام بوركينا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصر بين ثورة المطربشين وغضبة النقاب وأهله
نشر في اليوم السابع يوم 28 - 03 - 2010

مع مطلع القرن التاسع عشر لم يكن معروفا للمصريين زيا نموذجيا ينال رضاهم وإجماعهم، فقد كان للماليك قمصانهم الخفيفة تغطيها جاكيت من قماش سميك فوق بنطلون واسع من اعلى وضيق من اسفل، مما لا يعوق ركوبهم للخيل او اعمال القتال بوجه عام، كما كان للازهريين زيهم التقليدى من العمة والقميص والكاكولا، أما الفلاحون فقد كان لفقرائهم سروال قصير يغطيه قميص من الكتان بينما عرف اثريائهم الجلابيب والعبايات من الصوف والكشمير.
وعندما تولى محمد على حكم مصر شرع فى إرسال البعثات إلى أوربا تلك البعثات التى عرفت فى اوربا الجاكيت والبنطلون فاصطحبته معها عندما عادت لتعمل فى خدمة الوالى مكونة فئة الأفندية، والتى شاءت ان تتميز عن الفئات الاجتماعية الأخرى من فلاحين ومماليك وأزهريين بذلك الرداء المكون من جاكيت قصير وبنطلون ورابطة عنق معقدة وطربوش، وأصبح هذا زيا موحدا للافندية التى راحت تتسع قاعدتهم بفتح المدارس الحديثة، وقد أصبحوا أهم عناصر السكان فى القاهرة الجديدة التى أسسها الخديوى اسماعيل واصبح منهم الإداريين والوزراء ورجال الدولة وأعضاء مجالس النواب والصحفيين والمحامين وغيرهم من أصحاب الوظائف المستحدثة فى البلاد، وراح ذلك الذى أوربى الأصل يتطور تبعا لتطور المودة هناك فيقصر الجاكيت وتتحول رابطة العنق المعقدة إلى " كرافته" بسيطة أو بابيون، وأصبح لزى الأفندية هذا جاذبية خاصة حتى لدى الازهريين أو الذين الفوا الذى الأزهرى، ولدينا صور للكثير من صناع نهضتنا الوطنية، بالزى الأزهرى فى مطلع شبابهم وقد استبدلوه بالزى الأفرنجى بعد أن تقدم بهم الشباب ومنهم طه حسين وسيد درويش واحمد امين وغيرهم، وفى ثورة 1919 كان معظم القادة من اصحاب هذا الزى، أو من "المطربشين" كما كان يطلق عليهم فى ذلك الوقت، سعد زغلول، مصطفى النحاس، محمد محمود، فخرى عبد النور، ويصا واصف.. وغيرهم.
المهم أنه لم يكد العقد الثانى من القرن العشرين يستقر حتى كان هذا الزى الحديث نموذجا للحداثيين والمتعلمين، من دعاة التقدم والنهضة ومواكبة العصر بمتغيراته.
وأريد قبل أن أستمر أن أعود إلى سنة 1872، حيث سعى على باشا مبارك الى تأسيس مدرسة حديثة تجمع بين العلوم العربية والشرعية والعلوم الحديثة، كالتاريخ والجغرافيا والعلوم واللغات الاجنبية، فأسس "مدرسة دار العلوم" التىكانت تحصل على طلابها من بين الازهريين ومن هنا فقد استقر هذا الزى واصبح هو الذى التقليدى لطلاب المدرسة على مدى خمسين عاما، وبعد ثورة 1919 راح طلاب المدرسة يتململون من زيهم التقليدى ويطالبون بتغييره وارتداء الزى الافرنجى والطربوش بدلا منه، وراحت ادارة المدرسة ترفض الخروج على تقاليد الزى التى استقرت، وفى سنة 1925 – كما يقول الدكتور جابر عصفور – أعلن الطلاب رفضهم القاطع الذهاب للمدرسة إلا مرتدين الزى الحديث والطربوش وأعقبوا ذلك الرفض باعتصامهم، وهو الأمر الذى أجبر إدارة المدرسة على قبول مطالب الطلاب والسماح لهم بارتداء الطربوش والزى الحديث، وترك لمن يشاء منهم الحفاظ على الزى الأزهرى، ولم تكد تمر سنوات حتى أصبح الطربوش هو زى جميع طلاب مدرسة دار العلوم.
والأمر الذى لا شك فيه هنا أن المطربشين أو الأفندية الذين بدأوا فى الظهور منذ قرن من الزمان – وقتها – كانوا قد تقدموا الصفوف فى جميع المجالات الثقافية والسياسية والوطنية واصبحوا يمثلوا بذيهم ذاك النموذج الذى يحتذى للذين يرغبون فى التقدم وفى تقدم بلادهم فى نفس الوقت بل ان الامام حسن البنا وهو درعمى اصلا وهو مؤسس جماعة الاخوان المسلمين للدعوة الى العودة للاسلام قد اتخذ من الطربوش وزى الافندية زيا له وصار هو زى جميع مرشدى الاخوان بدءا من البنا حتى الدكتور محمد بديع المرشد الحالى.
ومع ثورة يوليو صار زى الافندية هو الزى السائد لجميع سكان المدن وموظفى الحكومة والمؤسسات الاقتصادية المختلفة، رغم اختفاء الطربوش تدريجيا مع كثير من رموز الملابس النسائية كالبيشة واليشمك والبرقع واصبح الزى الازهرى قاصرا على خريجى الازهر من خطباء المساجد والمآذين وبعض معلمى اللغة العربية.
ولكن يبدو ان دوام الحال من المحال وان التراجع الى الخلف امرا محتملا دائما، فمع هزيمة يونيو اصابت الطعنة مع ما اصابت زى الافندية وهو الزى الوحيد للمحدثين والموظفين وللبيروقراطيين والتكنوقراط من رجال الثورة وموظفيها ومع الانتقال الكبير للموظفين والمهنيين الى بلاد النفط وعودتهم راح الجلباب يظهر على استحياء ويتقدم شيئا فشيئا، حتى اصبح هو الزى الاساسى لكثير من الشيوخ الدعاة الذين احتلوا شاشات التليفزيون وساعات ارساله الطويلة فاصبحوا بما يقدمونه من منطق بسيط واسلوب جذاب نماذج تحتذى ليس فى الفكر فحسب بل فى الملبس والسلوك، كما انساح هؤلاء الدعاة فى ثنايا الريف والاحياء الشعبية فى المدن.
ومع عجز الافندية عن تقديم مشروع وطنى يجتمع الناس حوله بفعل هيمنة نظام سياسى فاسد ومستبد،اختلطت المعارضة السياسية للحركة الاسلامية للنظام السياسى برفضها للدولة والمجتمع والثقافة المصرية نفسها برموزها وشعاراتها وملابسها، ولذلك عرفت بلادنا ومؤساساتنا الزى الباكستانى الافغانى للرجال وراح الحجاب ينتشر بين النساء فى اعقاب انتشار الجلباب بين الرجال، وتبعه الخمار فالاسدال فالنقاب، كل هذا والدولة واجهزتها ومنابرها لاتحرك ساكنا ولا تر اى علاقة بين اللباس والثقافة والدولة، حتى انتهينا، فى مطلع القرن الواحد والعشرين الى ذلك المشهد من هيمنة النقاب وانتشاره وهو المشهد الذى اعادنا الى تراث القرن الثامن عشر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.