الطلاق حالة اجتماعية بين طرفين تتميز العلاقة بينهما فى أغلب الأحيان بالنفور والكراهية والعداء، وقد تصل الأمور إلى حد سافر من التآمر والغدر والتجريح وكشف المستور، دون أى مراعاة لعشرة أو أبوة أو أمومة، والأمثلة على ذلك كثيرة فى حياتنا اليومية ولكن لماذا لا نجعل هذه الحالة الاجتماعية البغيضة فوق مستوى العدوان والحرب على أساس أن يعتبر الزوج زوجته السابقة أختا له يحترم عشرتها له مهما كان فيها من سلبيات ويحترم أيضا أمومتها لأولادها فلا يذكرها أمامهم إلا بكل الخير حتى لو كانت قد أساءت إليه فهى أولا وأخيرا أم أولاده، وعلى الجانب الآخر لماذا لا تراعى المطلقة أن مطلقها رجل كانت له محاسنه بقدر ما كانت له مساوئه؟ لماذا لا تستجيب إلى صوت العقل والضمير فتبارك تربيته وتقويمه لأولاده وتقول دائما أبوكم على حق فى الشدة والحزم بدلا من أن تفسدهم بالتحريض مستخدمه أسلوب المال والحنان المفرط. المطلق والمطلقة طرفان بينهما احترام متبادل وإن فقدا الحب والعشرة الطيبة، احترام على أساس مبدأ احسان بمعروف أو تسريح بإحسان فكل منا له عيوبه وله محاسنة والطلاق إعلان صريح بأن التوفيق والتوافق متعذر مع العشرة، ليكن الانفصال ولكن يجب أن يكون انفصال سلمى متسامى، فوق مستوى العداء والمعارك بعيدا عن الفضائح وكشف المستور. المطلق يا سيدتى مهما كان، هو أب لأولادك والرقى والسمو أن تضعيه أمامهم فى مصاف الأخيار وكل ما فى الأمر أنه لم يجانبكما التوفيق فى الحياة الزوجية. المطلقة يا سيدى مهما كانت، هى أم لبناتك والمروءة والشهامة أن تعضد موقفها وكأنها أختك فلا تذكرها فى أى مناسبة إلا بكل طيب ... كم من كلمة طيبة فعلت فعل السحر... إن التنازل فى حالات الطلاق مظهر من مظاهر قهر النفس ودليل الفروسية ونبل الأخلاق... ولكن المكابرة والعناد تجعل من التنازل والتسامح ضعف إنسانى وهذا سخف التنازل للخير وحل المعضلات قوة تسمو بصاحبها إلى التحليق فى السماء... يجب أن نوارب الباب بعض الشىء ولا نغلقه تماما، فقد تكون هذه الفتحة الضيقة هى عنق الزجاجة التى يعبر منها المتضررون من الطلاق إلى أفق واسع من الحب والخير واستمرار الحياة وحسن النشأ بعيدا عن العقد ومركباتها ، والبغض وآلامه ، والعداء وأضراره. ويستحضرنى وأنا أخط بقلمى هذه الأفكار صورتان مضيئتان لحالتى طلاق تؤكد بكل الصدق إن الإنسان قادر على العطاء حتى فى حالة الطلاق، قادر على الخير ولا يبخل بأى ثمين فى سبيل ألا يكون رخيصا. الصورة الأولى مطلقة تعلم أن مطلقها طريح الفراش فى أحد المستشفيات وقد أقعده الفالج عن الحركة وتمكن منه مرض السكر وارتفاع ضغط الدم وقلب مريض- طردته زوجته الثانية التى فضلها على زوجته الأولى الوفية المخلصة بعد أن امتصت منه الغالى والثمين حتى أصبح مفلسا معدما وعظاما هالكة – لم تتردد المطلقة – الزوجة الأصيلة- لحظة وأسرعت إلى المستشفى وقد اتخذت قرار لا رجعة فيه ... يجب الوقوف معه حتى النهاية لأنه أب أولادى... أشار عليها كثيرون بأنه محّرم عليك فكيف تقومين بتمريضة؟ فلم يكن جوابها مهزوزا بل كان قويا يدل على المنبت الطيب. إذا كانت ملامستى له عند الله حراما ، فليغفر الله لى ذلك، أما إذا تركته فلن يغفر الله لى ذلك اتركونى أفعل ما يقدرنى الله عليه... وقبل أن تذهب روحه إلى بارئها ابتسم لها قائلا: سامحينى... كم كنت غبيا عندما فرطت فيك. وكان الجزاء من جنس العمل ، تنافس عليها ولداها أيهم يكفلها أكثر من الآخر، وحققا لها كل ما يتمناه الإنسان من نعم الحياة لقد لاقت من الأب صنوف العذاب والبؤس واستقبلت من الولدين بعد عشرين سنة كل ورود ورياحين الحب وسبل الحياة الرغدة السعيدة. وكانت النهاية أروع مما نتصوره الأبن الأكبر مهندس كبير ورئيس مجلس إدارة شركة مقاولات كبرى أما الأبن الأصغر دكتور وأستاذ كبير فى الجامعة. والصورة الأخرى مطلق محبوب من أهل مطلقته يدعوها هى وأشقائها إلى حفلة خطوبة ابنهما ويرحب بهم عند وصولهم أعظم ترحيب وكيف لا؟ وهى أم لابنه ولم ينسى أن يقدمهم لزوجته الثانية فالأمور لا بد أن تسير طبيعية خالية من العقد والفائز فى هذه الدنيا هو الذى يرى الناس بمنظار أبيض والنتيجة الأبن يحترم أبيه أكثر وأكثر لأنه رفع من مكانة أمة وحفظ عشرتها وكيانها وأشركها فى فرح ابنه ولم يغلق الباب تماما.