سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الحالة الاجتماعية.. الباب الخلفى لرفض التعيين فى النيابة.. الطلاب يقبلون أو يرفضون وفقاً لمهن عائلاتهم وممتلكاتهم.. وخريج 2011: تراجعوا عن قرار تعيينى بعد صدور القرار
«إنت والدك معاه مؤهل عالى؟».. هذا هو الرد الذى تلقاه محمد كمال حين سأل المستشار حامد عبدالله، رئيس المجلس الأعلى للقضاء، عن سبب التراجع فى الموافقة على تعيينه كمعاون نيابة، وهو ما دفعه إلى أن يسأله هل ذنبه بأن والده من طبقة اجتماعية أقل، ولماذا تتم معاقبته على شىء لا يد له فيه، لكن الرد كان «هو كده، لا يمكن لك الالتحاق بالنيابة إلا إذا كان والدك من الحاصلين على مؤهل عال». عدم حصول الأب على مؤهل عال، والحالة الاجتماعية، والشكل العام من وجهة نظر رئيس المجلس الأعلى للقضاء كانت أسبابًا كافية لتجاهل تفوق الكثيرين، والضرب بحصولهم على تقديرات «جيد جدًا» عرض الحائط، فأى درجة من درجات التفوق والاجتهاد لا يمكن الاعتراف بها، فقط لأن والدك «مش مؤهل عالى». موقف متكرر، وأزمة تتجدد مع العديد من خريجى دفعات الحقوق فى بلد قامت به ثورة كانت العدالة الاجتماعية أحد أهم مطالبها، وتم تطبيق دستور نصت مواده صراحة على عدم التمييز بين الأفراد على أساس الجنس أو النوع أو البعد الاجتماعى. دفعة 2011 من خريجى الحقوق تقدم منها 602 للتعيين كمعاونى نيابة عامة، وأجروا المقابلة فى المجلس الأعلى للقضاء، وتمت الموافقة عليهم، وصدر قرار فى 24 يونيو العام الماضى، وكانت الخطوة الأخيرة هى إمضاء الرئيس المعزول محمد مرسى عليها، لكنه طالب وزير العدل بتأجيلها. وأوضح محمد أن رئيس المجلس الأعلى للقضاء خلال هذه الفترة كان المستشار محمد ممتاز، والذى وافق على التحاقهم بالنيابة العامة، لكن فيما بعد حل محله المستشار حامد عبدالله، وهو الذى رفض الموافقة على تعيينهم رغم اجتيازهم الاختبارات والخطوات. مع تولى المستشار عدلى منصور الرئاسة المؤقتة، أعاد قرار التعيين للمجلس الأعلى للقضاء مرة أخرى بعد مرور خمسة أشهر على إصداره، وطلب تحريات الأمن الوطنى عن هذه الدفعة. تحريات الأمن الوطنى أثبتت انتماء 73 للإخوان المسلمين، وتم استبعادهم، إلا أنهم فوجئوا باستبعاد 138 آخرين لأن أهلهم ليسوا من حملة المؤهلات العليا. ويضيف محمد كمال: تحريات الأمن الوطنى الخاصة بى وبزملائى كانت سليمة، وقالت ورقة التحريات التى حصل محمد على نسخة منها نصًا: «الكشف عن المرشح المذكور وأقاربة المدونة أسماؤهم بوثيقة التعارف مركزيًا بالإدارة العامة للمعلومات والمتابعة الجنائية والإدارة العامة لمباحث تنفيذ الأحكام وأمن «اسم المحافظة» لم يستدل لأى منهم على معلومات مسجلة». تحريات الأمن الوطنى أضافت حسب رواية محمد: أكدت التحريات أنه سبق للسيد المستشار مدير التفتيش القضائى استطلاع الرأى تجاه ترشحه لشغل وظيفة معاون نيابة عامة بتاريخ 2 سبتمبر، حيث تم الرد بعدم الاستدلال على معلومات سياسية مسجلة له. ويتابع محمد قصته: بالتالى فإن السبب الوحيد لاستبعادنا هو عدم حصول الوالدين على مؤهلات عليا، وهو ما يعد ظلمًا بينًا نتعرض له أنا وزملائى، مضيفًا: «أنا والدى أصيب بجلطة ومات بعدما عرف أننى استبعدت بسبب هذا القرار».. ويكشف كمال عن تفاصيل لقائه برئيس مجلس القضاء الأعلى قائلًا: التقينا أنا وزملائى المستشار حامد عبدالله، رئيس المجلس الأعلى للقضاء، وسألته: هل من المطلوب أن أخرج والدى من القبر وأزور له شهادة مؤهل عال لتحقيق حلمه بالتحاقى بالنيابة بعد نجاحى بتفوق؟، لكنه بعد مناقشة طويلة قال نصًا: «والدك مش مؤهل عالى، وبالتالى لا مكان لك هنا فى النيابة» وأضاف كمال الدين: ما يحدث معنا غير قانونى، خاصة أن قرار التعيين صدر منذ 24 يونيو العام الماضى، وأى قرار قضائى يصبح ساريًا إذا لم يتم الطعن عليه أو رفضه خلال 60 يومًا من إصداره، فى حين أن رفض التعيين تم بعد مرور خمسة أشهر على القرار، ما يعنى أن هذا غير قانونى. وأشار إلى أنه لا توجد أى شروط فى القانون أو الدستور متعلقة بالتمييز بين أشخاص على أساس خلفيته الاجتماعية، وبالتالى رفض التعيين مخالف للدستور والقانون. واستطرد كمال الدين: «حتى شروط التعيين فى الهيئات القضائية، والتى توصى بصفاء التحريات وارتفاع الدرجات، وهو ما تحقق معنا، خاصة أن تحريات الأمن الوطنى الخاصة بنا جاءت سليمة، وجميعنا حاصل على تقدير جيد جدًا». ناصر أمين، رئيس المركز العربى لاستقلال القضاء والمحاماة، قال إن ما يحدث فى مصر فيما يتعلق بمعايير اختيار وتعيين القضاء مخالفة ترقى إلى مستوى الجريمة ترتكبها المؤسسة القضائية، عندما تميز على أساس المنشأ الاجتماعى، أو على أساس القرابة، أو على أساس ما يمكن أن يسمى التمييز النوعى ما بين الرجال والنساء. واعتبر «أمين» أن هذا التصرف يطعن فى سمعة الدولة المصرية، ومبادئ الأممالمتحدة بشأن استقلال السلطة القضائية، والتى تنص المادة الأولى منها أن يكون معيار الكفاءة هو المعيار الأساسى والوحيد لاختيار من يتم تعيينهم. ووفقًا للمركز العربى لاستقلال القضاء، فإنه تلقى شكاوى بشأن تعيين دفعتى كليات الحقوق، والشريعة والقانون عن العامين 2010 و2011 فى وظيفة معاون نيابة- حسب الشكاوى التى تلقاها المركز- وفقًا لمعايير لا تستند إلى التمييز القائم على الجنس، أو الوضع الاقتصادى، أو المركز الاجتماعى، أو الرأى السياسى فحسب، بل امتدت إلى التمييز القائم على الوضع الثقافى والتعليمى لذوى المتقدمين لشغل هذه الوظيفة، واشتراط أن يكون المتقدم لشغل هذه الوظيفة قد حصل أبواه على مؤهل عال، الأمر الذى يشير إلى أنه لا يوجد ثمة توجه إلى تقليص أسباب التمييز والحد منها، بل يتم التوسع فيها واستجلاب المزيد من أسباب وأسانيد التمييز. كما طالب المركز السلطات المصرية المعنية بوضع معايير واضحة بشأن القبول والتعيين والعمل فى الهيئات القضائية، وإنشاء معهد أو أكاديمية قضائية لقبول خريجى وخريجات كليات القانون، ممن يتوافر فيهم عنصر الكفاءة، ومن الحاصلين على أعلى الدرجات فى كليات الحقوق، وتكون الدراسة فيه لمدة عام أو عامين، يخضع بعدها الخريجون لاختبارات تحريرية وشفوية، واختبارات نفسية واحدة، يعين بعدها من يجتاز هذه الاختبارات للعمل فى الهيئات القضائية. وفقًا للمادة التاسعة من الدستور المصرى: تلتزم الدولة بتحقيق تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين دون تمييز. وتنص المادة 53 على أن المواطنين لدى القانون سواء، وهم متساوون فى الحقوق والحريات والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدين، أو العقيدة، أو الجنس، أو الأصل، أو العرق، أو اللون، أو اللغة أو الإعاقة، أو المستوى الاجتماعى، أو الانتماء السياسى أو الجغرافى، أو لأى سبب آخر.. التمييز والحض على الكراهية جريمة يعاقب عليها القانون، وتلتزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للقضاء على جميع أشكال التمييز، وينظم القانون إنشاء مفوضية مستقلة لهذا الغرض. قانون السلطة القضائية رقم 46 لسنة 1972 أيضًا لم يشترط معايير محددة لكيفية اختيار معاونى النيابة العامة، حيث جاءت المادة 38 من القانون بالنص على أنه «يشترط فيمن يولى القضاء أن يكون متمتعًا بجنسية جمهورية مصر العربية، وكامل الأهلية المدنية، وألا تقل سنه عن ثلاثين سنة إذا كان التعيين بالمحاكم الابتدائية، وعن أربعين سنة إذا كان التعيين بمحاكم الاستئناف، وعن ثلاث وأربعين سنة إذا كان التعيين بمحكمة النقض. أن يكون حاصلًا على إجازة الحقوق من إحدى كليات الحقوق بجامعات جمهورية مصر العربية، أو على شهادة أجنبية معادلة لها، وأن ينجح فى الحالة الأخيرة فى امتحان المعادلة طبقًا للقوانين واللوائح الخاصة بذلك. ألا يكون قد حكم عليه من المحاكم أو مجالس التأديب لأمر مخل بالشرف كان قد رد إليه اعتبارًا، وأن يكون محمود السيرة، حسن السمعة. كما جاءت المادة 116 من الباب الثالث فى الفصل الأول الخاص بتعيين النيابة العامة مقصورة على ألا يقل سن معاون النيابة عن تسعة عشر عامًا، ولايقل عمر مساعد النيابة عن واحد وعشرين عامًا. المستشار أحمد جلال، عضو مجلس إدارة نادى النيابة الإدارية، قال إنه لا توجد أى قواعد تم تحديدها فى الهيئات القضائية توجب حصول الأب على مؤهل عال للموافقة على التعيين. وأضاف «جلال» ل«اليوم السابع» أنه بالنسبة لتعيينات النيابة الإدارية شروطنا هى الكفاءة، والدرجة العلمية، ومعيار الصلاحية الاجتماعية. وأوضح أن الصلاحية الاجتماعية لا تعنى اشتراط حصول الأب أو الأم على مؤهل عال، إنما تعنى صلاح الصحيفة الأمنية والجنائية للمتقدمين للتعيين فى النيابة، مضيفًا أنه لا يمكنه التعليق على رفض تعيين الخريجين فى النيابة العامة، مؤكدًا أن الدفعة التى تقدمت للتعيين فى النيابة الإدارية تمت الموافقة عليها وفقًا لمعيار الكفاءة، ولم يكن هناك أى اشتراط للمؤهل الدراسى للأهل.