معرفة المصطلحات مهم لمعرفة الكثير عن المجتمع المحيط بنا، والاهتمام باكتشاف تلك المصطلحات يدل على إنسان يملك وعيا ثقافيا متسعاً، ويهتم بالمنطق، والناشر عادل المصرى نائب رئيس اتحاد الناشرين، يكتشف مصطلحات النقد الحديث والبلاغة القديمة مع أحمد مجاهد من خلال كتابه "خارج السياق". ويروى لنا عادل المصرى نائب رئيس اتحاد الناشرين، أن كتاب "خارج السياق" يوضح أن العمل الأدبى العظيم يظل جثة هامدة لا تعرف طريقها للحياة إلا عندما تمتد إليه يد القارئ لتعاوده، وبقدر عدد القراء عبر العصور، بل بقدر عدد القراءات المتعددة حتى للقارىء الواحد نفسه فى أوقات مختلفة، يستمد النص حيواته المتجددة. ويسرد المصرى أن بين طيات الكتاب نرى أن النقد الحديث قد كرس منذ رولان بارت فى ستينيات القرن الماضى لموت المؤلف، أى لانقطاع صلة المؤلف بالنص فور الإنتهاء من كتابته والسماح بنشره من جهة، ولإنكار المناهج النقدية التى تحاول تحليل النصوص اعتمادا على العودة لتاريخ المؤلف الاجتماعى أو النفسى من جهة أخرى، فإنه يجوز لنا أن نقر بأن النقد الحديث منذ القرن الماضى قد كرس لموت الناقد أيضا، على يد ياوس وآيزر ومن لف لفهما من أصحاب نظرية التلقى. ويحكى المصرى أن "خارج السياق" يبين أن النظرية الديموقراطية أسقطت للابد سلطة الناقد الديكتاتورية، بوصفه قارنا مثاليا مميزا يحق له دون غيره الجهر بوجهه نظره الشخصية فى تفسير النصوص، بل يحق له أن يملى على القارىء المسكين تحليلاته العبقرية، وكأنها حقيقة يقينية خالدة لا فكاك منها، ومنذ سقوط هيمنة السلطتين (المؤلف والناقد) على النصوص، أخذ الأدب حريته الكاملة، ليصبح المعنى نفسه نقطة تماس متحركة ومتجددة، تقف فى منطقة وسطى بين النص وثقافة المتلقى. وتابع أن الكتاب يثبت عكس ما قيل إن القارئ محدود الثقافة أو متوسطها لا ينتج فهمه الخاص للنصوص الأدبية التى يطالعها؟ ومن الذى يتجاسر على استبعاد مثل هذه القراءات الممكنة من القاموس التاريخى لتفسير النصوص، وبخاصة أن هذه النوعية قد تمثل النسبة الغالبة من قراءات النص على أيدى الهواة؟ كما أن هذه القراءات هى فى الواقع حدث ثقافى مادى قد تحقق بالفعل عند مزاولة هؤلاء القراء البسطاء لتلك النصوص؟ وربما أثر فى مشاعرهم، بل ومستقبلهم أيضا هذا الفهم الذى قد يراه جهابذة النقد مغلوطا. ويقول المصرى أن كتاب "خارج السياق" يتسأل من الذى قال إن المؤلف هو القارئ الأجدر بتفسير نصه ؟ فكثيرا ما يكتب المؤلفون نصوصا، يتأثرون فيها بنصوص مؤلفين أخرين دون وعى منهم، والقارئ الذى طالع هذه النصوص المرجعية، هو الذى يستطيع كشف تلك الخيوط المنطمسة بين النصين، مما يثرى تفسير النص، ويسمح للمبدع أحيانا بمعرفة أشياء لم يكن يعرفها عما كتبه. ولفت المصرى أن الكتاب يأتى بوصفه محاوله شخصية فى قراءة النصوص، خارج سياق النقد التداولى المألوف الذى يسمح للناقد بالحكم على الأعمال الأدبية حكما قيميا بالجودة أو الضعف، فهى قراءة تجتهد فى تفسير النصوص من وجهة نظر صاحبها، والاختلاف معها أيسر من الاقتناع بها، بل أكثر فائدة للنص الإبداعى ذاته الذى يثبت فى هذه الحاله قدرته اللامحدودة على تعدد الدلالة، وقراءات هذا الكتاب تتنوع بين الأدب الحديث والقديم، فستجد فيها تحليلات لإبداعات شعر التفعيلة وقصيدة النثر، لكنك لن تعدم وجود أخرى عن قصاند عنترة وعبقرية المتنبى، أما شعر العامية فستجد له ميدانا فسيحا يمر بالموال والرباعية وفن الواو والزجل، حتى يصل إلى قمة الإبداع الشعرى الحداثى عند رواده فى مصر، مقدما للقارىء أحيانا نماذج من إبداع شعراء لم يكن يعرفهم من قبل، وهو يتجاوز هذا كله ليقدم بعض القراءات لنماذج شعرية من أكبر موسوعة لشعر العامية، وأكثرها إهمالا فى المتابعة والنقد، وهى الأغنية المعاصرة. ويروى المصرى أن الكتاب يقدم قراءة شارحة لكثير من مصطلحات النقد الحديث والبلاغة القديمة، فى أسلوب بسيط يربط بين المصطلح النظرى وتجلياته فى الإبداع الفنى، مما يخرج الأمر من إطار الخصوصية الأكاديمية الباردة، إلى رحابة الفهم الإنسانى المستمتع بالإبداع وبالمعرفة فى آن. ويكمل المصرى كما أن الكتاب لا يتجاهل التحليل التفصيلى لبعض المعارك النقدمة الشهيرة، مثل ملك المعركة بين الرومانسة والواقعية، والتى تجسدت فى الصراع بن الدكتور عبد القادر القط والأستاذ محمود أمين العالم، وهو يحاول أيضا التوثيق لحسم بعض الصراعات المعلقة فى مجال البحث النقدى، مثل تحديد تاريخ ميلاد أحمد شوقى، وتحديد تاريخ نشر قصيدة (أحلام الفارس القديم) للشاعر صلاح عبد الصبور أول مرة، وتارخ نشر قصيدة (الفارس الغريب) للشاعر كمال نشأت، لتحديد من منهما كان متأثرا بالآخر،بعد أن أشاع نشأت وأنصاره فى الأوساط الأدبية وعلى مواقع الإنترت أنه كان صاحب السبق، ويناقش الكتاب أيضا - حتى لا يصبح خارج التاريخ - علاقة الإنترنت بالإبداع والنقد الأدبى، محاولا استشراف خصانص أدب الإنترت، ورصد مزايا ومسالب الاعتماد على مواقعه فى البحث العلمى المتعلق بالأدب والنقد. وفى النهاية يقول المصرى ربما يرى المتلقى أن بعض القراءات النادرة فى هذ الكتاب تخرج عن سياق مباشرة الأعمال الأدبية إلى الواقع السياسى المعيش، والحق معه من الناحية الموضوعية، ومع المؤلف من الناحية المنهجية، لإنها أيضا قراءات نقدية ولكن فى مادة مختلفة.