طال الاغتراب وأنشد لحظة تخلد بها أمالى، فلا يغتالها سلاح ولا يذبحها تطرف، ويبكى بعضى على بعضى فى صمت مستجيرٍ، ولكن ما من مجيب يرد استجارتى فيرضيها. سيناء يا مهد الأمة.. سيناء يا ابنة العرب.. سيناء يا عروس الصحراء.. سيناء يا أرض الفيروز.. سينائى وهكذا يحلو لى مناجاتها. متى تعودى تسدلين ضفائرك فى زهو الصبا، وترمقينى فى حنو الأمومة المتدفقة، لا ترنو بتلك النظرة الكسيرة، فألمح الدمع يفتر من مقلتيك ويشق نهراً للآلام.. ذلك النهر ذو الحمرة القاتمة تموج به دماء شهدائك الأبرار. ها هم يصطفون بالسماء فى حلتهم البيضاء، يقسمون فيهز دوى قسمهم رواسى الجبال، يعاهدونكِ بألا تحزنى، والوعد لابد له من وفاء. يهمسون مناجين العنان: "ستعود الجميلة يوماً تطل من شرفتها لتحتضن السماء، رافعة هامتها أمام طامعيها فى استعلاء، مباهية بعرقها الأصيل وانتمائها للشرفاء، مفاخرة بعزتها مهما توالى الأعداء". أخال إحساسى قد جرفنى نحو منثور الكلمات، ورحت أغازل الجميلة تارة، وأرثيها تارة.. أتعهد لها بتقديم القرابين، ثم أعود وأعتذر عما حف بها من أذى، فإنها الجميلة دوماً ومقلة الوطن وربيع الأوطان وياقوتة الفؤاد "سيناء....". وعلى الرغم من انقضاء ما يربو على شهر منذ وقوع هجوم "كرم القواديس" بمدينة العريش، ذلك العمل الإرهابى الأكثر تنظيماً وسط سلسلة الإعتداءات الإرهابية الواقعة مؤخراً بحق أفراد الجيش والشرطة المصرية، إلا أن النوايا المظلمة قد تجلت بعدها أكثر فأكثر، بدءً من إعلان مبايعة "أنصار بيت المقدس" لتنظيم الدولة الإسلامية، وانتهاءً بأعلام "داعش" التى رفعها أنصار "الإخوان المسلمين " فى مسيرات 28 نوفمبر. وبالطبع أثارت تحركات جيشنا الأبى فى سيناء لضرب معاقل الإرهاب وهدم أنفاق ظلت لأعوام تروى رمال سيناء بالتطرف والكراهية حفيظة هؤلاء واستشاطوا فى صحوة الأشاعث المُغبرين ليرددوا وعيد مهترئ بحرق مصر.. فقد طال صبر الطامعين وتعتقت شِباك الغواية انتظاراً لسقوطها فى البراثن، وراح المتأمرون جميعاً يحتشدون من أجل إيقاعها وضربها ضربة موجعة فى صميم القلب. إنه الطموح السرطانى فى الإطاحة بمصر وانتزاع سيناء.. ولكن ستظل "مصر" قلعة العرب الحصينة ولن تكون "سيناء الحبيبة" أرضاً مقفرة تتطوقها الجبال من كل صوب كما يخالونها، وليراها الجميع تصيح فى جوف الصحراء مُطلِقة نفير طبولها، حتى يَهم لصوص الشرف ومرتزقة الجهاد الأسود بالخروج من جيوبها الغائرة، واهمين بأنها لحظة الانقضاض الثمين، فإذا بها تعدهم بصفعتها اللاطمة. أَفيق أيها اإيسلام السياسى من ضلالك المبين؟ ليست مصر فتاة ليلك، وأبداً لن تكون "سيناء" ساحة لخيالات وضلالات أصحاب الأمراض العقلية والخلل السلوكى الذين يرون على مشارفها قباب "دولة الخلافة" الكرتونية، فأنا أتعجب حقاً من ذلك الفكر المبتور، وأطالب هؤلاء.. دُعاة الإستقامة ومبعوثين الدين أن يعيدوا قراءة القرآن الكريم ويتذكروا قسم الله عز وجل فى قوله العزيز: (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ وَطُورِ سِينِينَ وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ )، فوالله لن تمسسها يد بأذى وسياج إلهى سيظل يلفها ويحفظها. سيناء يا من انطلق من جبلك وواديك المقدس أولى الرسالات السماوية.. سيناء يا معبر أنبياء الله عز وجل (إبراهيم وإسماعيل ويعقوب ويوسف وموسى)، سيناء يا من احتضنت جبل الطور وعيون موسى ودير سانت كاترين وتعانق بأحضان طبيعتها الهلال الوضاء والصليب المقدس.. اطمئنى "جميلتى" ولا تفزعى، فلن تُخطِئنا النبؤة الألهية وستظلى ومصر فى أمان إلى يوم الدين!!