وهل تحلو صورة المدرجات بدونهم؟!.. ينفخون فيها من روحهم، تتحول اللعبة من مجرد تمريرات مملة بين أقدام اللاعبين، إلى حياة، حماس، روح نابضة، وصورة تسر الناظرين.. ابتهجوا فلقد عاد الألتراس إلى المدرجات مرة أخرى. فى عام 1954 جلس الأستاذان نجيب محفوظ والسيد بدير يكتبان سيناريو وحوار الفيلم الشهير «جعلونى مجرما»، ولعب دور البطولة فريد شوقى مع هدى سلطان ويحيى شاهين فى فيلم خالد بذاكرة السينما المصرية أخرجه عاطف سالم، ناقش قضية خطيرة عن تحويل برىء إلى مجرم، إما بسبب الظروف أو بسبب أفعال الآخرين. منذ العام 2009 تقريبا جلس الأساتذة مقدمو البرامج الرياضية داخل استديوهاتهم المفتوحة لساعات طويلة دون رقابة ودون حساب، ودون معايير مهنية يكتبون سيناريو تجريم الألتراس ووصفهم بالعنف والفوضى والعمالة والخيانة من أجل إرضاء وزارة داخلية حبيب العادلى التى دخلت مباراة فى العند مع شباب الألتراس بسبب عمليات التفتيش غير الآدمية للشباب، حتى تصاعدت العداوة رويدا رويدا وأصبح العنف متبادلا بين الألتراس ورجال الأمن. جعلوهم مجرمين، هكذا أرادوا أن يراهم الناس، هكذا فعل أساتذة الإعلام الرياضى، خلقوا صورة مزيفة لمجموعة من الشباب المحبين لكرة القدم، قدموهم للمجتمع فى صورة البلطجية والفوضويين، وناشرى العنف، بينما هم فى أصل الحدوتة مجموعة أصدقاء اعتادوا اللقاء فى أركان مدرجات الدرجة الثالثة، ولكنهم قرروا أن يخرجوا من جلباب المجتمع المصرى ويصنعوا بأنفسهم ولأنفسهم أول كيان منظم داخل هذه الأرض التى لا تعرف النظام. الأهلى مثل جمهوره، لا يحب الفوضى، هو فقط يصنع البهجة، منذ قامت الثورة والكل يتحجج بغياب الإنجازات بسبب الوضع غير المستقر، يفعلها الرؤساء والوزراء ورجال الأعمال والفنانون والمثقفون وغيرهم، تسأل أحد الوزراء أين الإنجازات؟ أين الأداء الجيد؟ يرد عليك قائلا: «اصبر شوية، الوضع الداخلى صعب، إحنا لسه بنتعافى من آثار أحداث ما بعد الثورة». كلهم يفعلون ذلك إلا النادى الأهلى يسير فى هذا الوطن مثل القطار، لا شىء يوقفه، عاش نفس الظروف الخاصة بعد الاستقرار بسبب تغيير الإدارة، وتغيير جيل كامل من اللاعبين، وأزمة مادية، ولكنه لم يقف متحججا مثل باقى مؤسسات الدولة، بل سار فى طريقه يحصد البطولات، لدرجة أنه فى السنوات الأربع الماضية، التى لم تحقق فيها أى جهة مصرية إنجازا ملموسا نجح النادى الأهلى فى الفوز ب5 بطولات أفريقية. ومثل الأهلى يكون جمهوره، الألتراس الذين اتهمهم الجميع بنشر الفوضى والرغبة فى إفساد المباريات، وكأنهم كائنات فضائية تم تأجيرها لهدم الدولة المصرية ووقف نشاط الكرة، ومع ذلك ظهروا فى مباراة نهائى الكونفدرالية بين الأهلى وسيوى سبورت، ضاربين أروع الأمثل فى الوطنية والنظام، مؤكدين للجميع أن الكرة فى مصر بدون إخلاصهم ونظامهم ووجودهم فى المدرجات لا معنى لها، مثلها مثل الطبخة التى غفل صانعها عن إضافة الملح والفلفل. نهائى الكونفدرالية كانت خير دليل على أن النظام وحب هذا الوطن واحتواء الألتراس من قبل الدولة وجهازها الأمنى هو الحل، وليس العنف أو المنع، لأن الهدف فى النهاية كان واحدا، فوز الأهلى ببطولة تكون السبب فى سعادة مصر، ولعل هذا الأمر كله تجسد فى تلك الصورة الرائعة التى التقطها الزميل عمرو عبدالله، لمجموعة من ضباط الشرطة وهم ينفعلون على الحكم مثلهم مثل جماهير الألتراس بسبب خطأ لم يحتسبه لصالح النادى الأهلى، تأمل الصورة جيدا وستعرف أن الروح واحدة والملامح واحدة، وركز مع تلك اللحظة التى قام فيها قيادة أمنية كبيرة وقدم تحية عسكرية لجماهير الألتراس على التزامهم، ورد عليه الجمهور التحية لتعرف أن الاحتواء هو الحل، كما قال الرئيس عبدالفتاح السيسى فى معرض تهنئته للأهلى بفوزه حينما حرص على توجيه كل التحية للألتراس. هذه الصورة تدعوك إلى ضرورة إعادة النظر فى العلاقة بين الداخلية والألتراس، بل تدعوك إلى إعادة النظر فى جماهير الألتراس مرة أخرى مع ضرورة النظر إليهم على أنهم جماهير كرة قدم مثلهم مثل باقى جماهير العالم يتعصبون، ويغضبون، ويتجاوزون أحيانا، المهم كيف تتعامل معهم؟! لابد من إعادة النظر فى حقيقة الألتراس التى غيبها الإعلام ومقدمو البرامج الرياضية خوفا وإرضاء لوزارة داخلية مبارك وقتها، ليعرف الناس أن شباب الألتراس خريجو جامعات، متحمسون، منظمون، مخلصون لفكرة ربما يراها البعض تافهة أو مضيعة للوقت، ولكن يبقى أنهم مخلصون فى زمن أصبح فيه هذا النوع من البشر نادرا. الألتراس ليسوا بلطجية يا سيدى، ولا مرتزقة، انظر إلى صور وملامح شهدائهم، وراجع بياناتهم الشخصية، وسوف تكتشف ذلك بنفسك، سوف تكتشف أن كل أزمة الألتراس الذين تم تشويه صورتهم فى عهد مبارك، أنهم الفئة الوحيدة التى كسرت شوكة داخلية حبيب العادلى، وأخرست وفضحت وكشفت مقدمى البرامج الرياضية، وأباطرة الكرة واتحادها فى مصر. لا تقل إنهم فوضويون وسبب المشاكل والمعارك التى شهدتها البلاد، لأنهم أكثر نظاما وإخلاصا لفكرتهم من كل القوى والتيارات السياسية التى ظهرت بعد الثورة، والتى كانت قبلها، يكفى أنهم القوى الوحيدة المنظمة فى مصر الآن، هل تصدق أن كيانا يقدر على أن يوحد هتاف مئات الآلاف فى بلد يفشل أهل السياسة فيه فى توحيد هتاف العشرات، من الممكن أن يكون كيانا للبلطجة؟! هل تصدق أن كيانا أعاد للمدرجات والحياة الرياضية بهجتها بما ينظمه من إبداعات وابتكارات، من الممكن أن يكون كيانا للبلطجة؟! هل تصدق أن هؤلاء الشباب الذين يدفعون من جيوبهم وينفقون من أموالهم من أجل تحقيق أهدافهم بلطجية، ونحن نعيش فى وطن لا ينفق فيه أهل السياسة مليما واحدا من جيوبهم من أجل إعلاء شأن أحزابهم وحركاتهم، بل يستغلون السياسة للحصول على تمويلات تذهب لجيوبهم الخاصة؟! تأمل مشاهد المدرجات بدونهم، وتأمل ثورة مصر وميدان التحرير بدون صخبهم وشعاراتهم وأغانيهم، هم مصدر البهجة والحماس والإخلاص كما قلت لك، راجع أناشيد ألتراس أهلاوى، وستدرك ذلك، وستدرك أن الموت والتضحية دائما حاضران فى كل أناشيدهم وشعاراتهم، فهل تتخيل أن شبابا لديهم الاستعداد للتضحية من أجل ناديهم لا يملكون نفس المشاعر وأكثر للتضحية من أجل وطنهم؟! راجع شريط ذكرياتك مع المباريات وستتذكر نشيدهم القائل: «من تالتة شمال، بنهز جبال، وبأعلى صوت دايما بنشجع الأبطال.. فريق كبير، فريق عظيم، أديلو عمرى وبرضو قليل»، وهم أيضا الذين يغردون فى المدرجات بالتالى: «عمرى ما أحب غير الأهلى، ولا فى غيره يفرحنى.. دايما معاه ولآخر الكون.. عمرى علشان الأهلى يهوون»، وهم أيضا أصحاب النشيد الذى يهز المدرجات: «أعظم نادى فى الكون.. لو كل الدنيا ضده هفضل أحبه بجنون.. يوم نصره ليا عيد.. عمرى ما هكون بعيد.. ويوم ما أبطل أشجع.. هكون ميت أكييييييييييييد». فهل سمعت يوما واحدا من أهل السياسة أو من أهل السلطة يغنى لمصر بكل هذا الإخلاص كما يغنون هم للأهلى.. إنهم يملكون الإخلاص الذى نبحث عنه فى قلوب أهل السياسة تجاه أحزابهم وأفكارهم وهذا الوطن، ولا نجده، لا تتخيل أن السابق من الكلام أمر تافه لأنه يخص ناد رياضى أو جمهور كرة قدم، لأن المبادئ لا تتجزأ، ومن يملك كل هذه القدرة على التضحية بالمال والجهد والنفس من أجل فكرة، حتى لو كانت ناديا رياضيا، فمن المؤكد أنه يملك أضعافها من أجل وطن، ومن أجل فكرة أكثر سموا وعلوا.. والقادرون على التضحية يا سيدى لا يمكن أبدا تصنيفهم تحت بند البلطجية.. تذكر هذا جيدا، وادعُ بالغفران لضحايا الألتراس فى مذبحة بورسعيد التى تحين ذكراها فى كل فبراير، والصبر لإخوانهم، والستر لمصر.