انتهى موسم العيد بأفراحه السينمائية القليلة وأحزانه الأكثر، ولم يبق لنا إلا أن نعود لسينما تتكلم بلغة غير لغتنا، وتحتل دور عرضنا، ومنها الجيد ومنها الردىء أيضاً. فى زمن ولى ومضى كان شجيع السيما بالنسبة للجمهور هو ذاك الذى يدخل البار أو المقهى أو حتى الحارة فى مصر أو حى بروكلين الفقير فى نيويورك ويستطيع أن يصرع كل أعدائه بقبضة يده، أو مسدس من نوع المسدسات التى كان يحملها جون وين نجم وشجيع السينما الأمريكية، ولم تتغير رغم مرور السنين فكرة الجمهور عن شجيع السيما وحبه له فقط تغيرت الأدوات والأسلحة وأماكن الصراعات وأطرافها. فى أحدث أفلام النجم الهوليوودى «كيانو ريفز» الذى يعرض حاليا بالقاهرة «جون ويك» مثال واضح على أن الفكرة عن شجيع السيما لم تتغير، فقط تغيرت الأدوات، فالفيلم يحكى عن جون ويك الذى تموت زوجته الحبيبة بمرض السرطان وبعد موتها تصله هدية عبارة عن كلب صغير وخطاب من زوجته الراحلة تقول فيه إنها أهدته الكلب حتى لا يعيش وحيداً، ثم تسوقه الظروف لمقابلة شاب روسى وأصدقائه يعرض عليه شراء سيارته فيرفض فيقرروا متابعته والسطو على بيته وسرقة السيارة بعد ضربه وقتل كلبه، فيقرر جون ويك أو كيانو ريفز الانتقام وهنا ندرك أن هذا الشاب اللص الروسى ما هو إلا ابن شريك جون ويك فى الإجرام سابقا،ً و«طاخ بوم طيخ طاخ» لتستمر أحداث الفيلم فى حالة قتل وعراك ودائما ما يفوز جون البطل والقاتل المحترف على أى عدد من الرجال، مستخدماً أحدث الأسلحة ويديه فى بعض الأحيان، وينتهى الفيلم بجون يأتى بكلب جديد يصحبه لبيته بعد أن تخلص من الجميع. الفيلم كتبه ميشيل نيكفيت وأخرجه فى تجربتهما الأولى ديفيد ليتش وشاد ستاهلسكى، ولو عرفت أن المخرجين للفيلم هما فى الأصل يعملان دوبلير للنجوم فى أفلام الأكشن ستفهم لماذا قدما هذا الفيلم دون اهتمام برسم أى تفاصيل للشخصيات التى قدموها سوى أنهم ماكينات قتل، فحتى النساء فى الفيلم يتجهن للأكشن، ويبدو للمشاهد أن العالم الذى يصوره الفيلم عالم منفصل تماماً عن واقع المدينة التى تدور فيها الأحداث أو أى مدينة، فحتى ضابط الشرطة الذى يدق باب جون ليسأل عن سبب الضجة حين يشاهد عددا من القتلى على الأرض ينظر له ويقول هل من خدمة أؤديها لك ثم ينصرف! كاتب ومخرجا الفيلم أرادوا صناعة فيلم أكشن وقد صنعوه ولكن من قال إن الأفلام الجيدة للأكشن لا يجب أن تحمل ملامح الدراما الصحيحة وتفاصيل أخرى تعطيها قيمة، وفى فيلم جون ويك ليس هناك من تفاصيل سوى تفاصيل الأسلحة والقتل وذكرى امرأة تركت كلباً ومن أجله قتل شجيع السيما نصف المدينة. «كيانو ريفز» فى هذا الفيلم ككل أبطال سينما الأكشن فقط لم يكن مطلوبا منه إبداع أو اجتهاد فى الأداء بقدر ما هو مطلوب من الدوبلير والذى منحه المخرجان البطولة لتاريخهما مع المهنة، فأحدهما مدرب كونغ فو، والآخر ملاكم سابق ودوبلير لبراد بيت وفان دام فى كثير من أعمالهما. ويبقى عنصر واحد فى الفيلم يجب الإشارة إليه وهو عنصر هام لا يجب إغفاله، وهو أن أشرار هذا الفيلم والعصابة الرئيسية فيه روسية، فرغم أن القاتل المحترف وبطل الفيلم أمريكى إلا أنه تائب محب، وكانت السينما الأمريكية منذ سنوات قد قل أو اختفى فيها الإشارة إلى أن الرجل الروسى هو العدو، وحل بدلا منه نموذج العربى أو الصينى أو غيرهما، ولكن عودة ظهور نموذج الروسى فى السينما كقاتل ومجرم وأيضا مهزوم ربما يكون مقصوداً، فروسيا التى اختفت أو ظنوا أنها اختفت بنهاية الحرب الباردة، ظهرت ثانية على الساحة السياسية والحربية، وها هى تظهر على الشاشات الأمريكية، ولكنها تظهر مهزومة مقتولة غبية. فلا تنسوا وأنتم تشاهدون فيلما، مجرد فيلم فيه طاخ طيخ بوم، أن لا شىء تتركه هوليوود دون أن تستفيد به دولتها حتى لو كان فيلما غير جيد.