أثار الهبوط الحاد فى أسعار النفط العالمية احتمالات بخفض قيمة العملة، وتسجيل عجز فى الموازنة فى نيجيريا فى الوقت الذى تستعد فيه الدولة صاحبة أكبر اقتصاد أفريقى لإجراء انتخابات رئاسية مكلفة فى فبراير. وتعتمد نيجيريا، أكبر منتج للنفط فى القارة على الخام، فى تحقيق 14% فقط من الناتج المحلى الإجمالى، لكنه يشكل 95% من النقد الأجنبى، ونحو 80% من إيرادات الحكومة وكلاهما انخفض سريعا مع هبوط سعر خام برنت أكثر من 25% منذ يونيو. وانسحب مستثمرو المحافظ الأجانب الذين يخشون من خسائر كبيرة بسبب العملة من السوق، ونزل المؤشر الرئيسى للبورصة إلى أدنى مستوياته فى 16 شهرا، وارتفع العائد على السندات الحكومية عشر نقاط أساس الأربعاء. وفقدت النايرا النيجيرية نحو أربعة بالمائة من قيمتها هذا العام، وهو ما دفع البنك المركزى لطرح عطاءات إضافية لبيع الدولار، وخفض حد الاقتراض بالعملة الصعبة من البنوك فى مسعى لدعم العملة المحلية. وبوصول سعر صرف العملة النيجيرية إلى حوالى 167 نايرا للدولار فإنها تبعد كثيرا عن النطاق الذى يستهدفه البنك المركزى، والبالغ 155 نايرا للدولار تزيد أو تنقص ثلاثة بالمائة، كانت آخر مرة وقع فيها سعر النايرا داخل هذا النطاق فى أواخر يناير. وتراجعت احتياطات النقد الأجنبى سريعا منذ بلوغ ذروتها 48.9 مليار دولار فى مايو 2013، لتصل إلى 36 مليار دولار فقط فى يونيو، وتعافت الاحتياطات قليلا بعد ذلك وتبلغ حاليا نحو 38.3 مليار دولار. ورغم هذه الخسائر يقول بعض المحللين إن خفض قيمة العملة قبل الانتخابات التى سيسعى فيها الرئيس جودلاك جوناثان إلى فترة ولاية ثانية سيثير استياء شعبيا، بل إنه مستبعد ما لم يستمر هبوط سعر النفط الذى يبلغ حاليا 82 دولارا للبرميل، بما يجبر البنك المركزى على اتخاذ هذه الخطوة. وقال ماثيو سيرل، المحلل لدى بيزنس مونيتور إنترناشونال، إن استنزاف الاحتياطات الأجنبية لن يبدأ قبل مرور فترة من الأسعار المنخفضة نسبيا. وأضاف "إذا شهدت أسعار النفط مزيدا من الهبوط إلى مستوى يقرب من 60 أو 70 دولارا للبرميل، سيصبح البنك المركزى حينها هو المصدر الرئيسى للدولارات"، وسيضطر لاتخاذ قرار بشأن طول فترة التدخل، ويصعب التنبؤ بالحد الذى سيستسلم عنده البنك. ويرى آلان كاميرون، الخبير الاقتصادى لدى فرست سيتى مونيومنت، بنك فى نيجيريا، أن من المرجح عدم النظر فى "الخيار الأخير" المتمثل فى خفض قيمة العملة قبل اقتراب الاحتياطيات من 30 مليار دولار. وكانت آخر مرة خفض فيها البنك نطاقه المستهدف للعملة فى أواخر عام 2011، بعد أن تعرضت النايرا لمضاربات كبيرة وعجزت السياسة النقدية المتشددة عن حمايتها، وبالإضافة إلى ضعف العملة تواجه نيجيريا ضغطا متزايدا على المالية العامة لحكومتها. وقالت وزيرة المالية نجوزى أوكونجو ايويلا للصحفيين، الأسبوع الماضى، إن نيجيريا لا تنكسر، ويتفق بعض المحللين مع الرأى القائل بأن البلاد ما زال أمامها طريق طويل قبل أن تجد صعوبة فى تلبية التزاماتها. ورغم ذلك بدأ ظهور علامات تشير إلى ضغوط على التمويل، وقال مصدر فى البرلمان إن الأموال المخصصة للمشروعات لا تنفق بالسهولة التى كانت تنفق بها قبل هبوط أسعار النفط، وقال مسئول بشركة بناء طلب عدم ذكر اسمه إن هناك مستحقات متعلقة بعدد من المشاريع تأخر سدادها. ولا يتوقع بعض المحللين المختصين بشئون النفط أن يتعافى سعر برنت إلى أكثر من 100 دولار للبرميل ويتوقعون أن يبلغ متوسط سعره 93.70 دولار للبرميل فى عام 2015، ويبدو من المستبعد أن تقرر منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) خفض إنتاجها. وتفترض مسودة الموازنة النيجيرية لعام 2015 أن يبلغ متوسط سعر النفط 78 دولارا للبرميل ارتفاعا من 77.5 دولار فى الموازنة السابقة مع توقع إنتاج 2.27 مليون برميل يوميا، ويقل ذلك عن توقعات 2014 لكنه يظل فوق متوسط المستويات المعلنة لهذا العام والبالغ 2-2.5 مليون برميل يوميا. وذكر تقرير أصدرته مؤسسة تشاتام هاوس العام الماضى أن ما لا يقل عن 100 ألأف برميل يوميا سرقت فى الربع الأول من 2013، وتعطل كثير من الإنتاج أثناء إغلاق بعض خطوط الأنابيب لإصلاحها. وتسبب ذلك مع هبوط أسعار النفط فى تراجع إيرادات الحكومة 16.5 بالمائة فى سبتمبر، وذكر تقرير أصدره مؤتمر وطنى برئاسة جوناثان فى مارس أن البلاد تخسر ما يقدر بنحو 35 مليون دولار يوميا بسبب سرقة النفط. ومن المفترض على نطاق واسع أن جانبا من سرقة النفط يرتبط بمتطلبات تمويل سياسية، ومن ثم يتوقع محللون أن تزيد السرقة مع اقتراب الانتخابات. ويقول محللون إن سعر النفط اللازم للوصل إلى نقطة التعادل فى الموازنة أعلى بكثير إذ يتجاوز كثيرا 100 دولار للبرميل وتقدره رينيسانس كابيتال عند 111 دولارا للبرميل فى عام 2014. لكن بعض الخبراء الاقتصاديين يقولون إن نيجيريا ما زالت بعيدة عن الوقوع فى أزمة، وفى سياق عالمى يعانى فيه كثير من الاقتصادات الكبرى من الديون لا تزال نيجيريا تبلى بلاء حسنا. وقال سمير جاديو رئيس استراتيجية أفريقيا لدى بنك ستاندرد تشارترد فى لندن، إن ديون نيجيريا تقل عن اثنين بالمائة من الناتج المحلى الإجمالى أو نحو تسعة مليارات دولار. وأضاف "فيما يتعلق بالقدرة على تلبية الالتزامات تبلغ الديون الخارجية على نيجيريا مستوى منخفضا للغاية إلى حد أنها لا تواجه أى مخاطر بشأن التخلف عن السداد."