«محمد» سيد الكونين والثقلين والفريقين من عرب ومن عجم.. رسول اجتمعت عليه البرية كلها، فهو الحبيب الذى ترجى شفاعته... ولم تكن الشفاعة بالشعر عند الشعراء المسلمين، بل شاركهم الشعراء العرب من المسيحيين الذين لم يعميهم التعصب والطائفية السائدة هذه الأيام، فقالوا كلمة الحق فى حق سيد البشر عليه الصلاة والسلام، قصائد تنوعت، فيها الحب والشفاعة والمطالبة بعودة دولة الإسلام القوية التى عاش فيها الجميع مسيحيين ويهودا ومسلمين الجميع رفعوا رايات النصر... ولم يكن غريبا أن يكتب الشعراء المسيحيون قصائد مدح فى مولد الرسول وفى هجرته الكل يسعى لشفاعته راضيا. فهناك من الشعراء المسيحيين فى مصر والعالم العربى من أحب النبى محمد عليه السلام بشكل مختلف، يحبونه على فطرتهم، تسرح العقول فى ذكر الرسول بالشعر وقصائد المديح ويختفى التعصب الدينى والطائفية المريضة، فالشعراء عرفوا هوى الناس للرسول محمد فاختاروا دون نفاق كل ماهو طيب حتى لو لم يكونوا مؤمنين بهذا الرسول الكريم، فهم يمدحونه لأنه عربى الدم وواحد من الفقراء الذين خرجوا بدعوى من الرحمن فيها العدل والتسامح والمحبة، أخذوا كل الصفات التى وجدوها فى المسيح واعتبروا هو مسيح الغلابة والأحلام، لم يضعوا أمامهم الفتن والتعصب الدينى، ولو قرأ المسلمون والأقباط فى مصر ماذا كتب الشاعر المهجرى مطران خليل مطران فى قصيدة الحب فى رسول المحبة، وهو المسيحى الذى شرب فى الصغر آيات الإنجيل، لتأكدوا أن التعصب والطائفية هى بدعة مستوردة وسنة غربية لا وجود لها. قصائد الشعر التى ألفها الشعراء المسيحيون استهوت الفقراء فاستخدموها فى مديحه، وأغلبهم لا يعرف أن من كتبها شاعر مسيحى، ولكنهم هاموا بها لحبهم فى الكلمات الطيبة التى تتغنى فى حب الرسول صلى الله عليه وسلم فى مصر مثلهم مثل المداحين والشعراء يهيمون فى ذكر رسول الله، ويتسابقون لإعلان أشواقهم ولهفتهم لرؤياه، عن وجهه الحسن يتكلمون، ونور وجهه الإلهى يتحدثون، وبأخلاقه يتغنون.. ننشر البعض منها لعله يكون مصباح نور لكل من يريد أن يوقظ الفتنة فى قلوب أهل ذلك الوطن. ومن أشهر شعراء المهجر الجنوبى يبرز لنا اسم رشيد سليم الخورى الذى اشتهر بالشاعر القروى. وقد صاغ قصيدة بعنوان عيد البرية يستحث فيها المسلمين لاستعادة مجدهم القديم منها، ويقرئ رسول الله صلى الله عليه وسلم سلاماته وحبه، داعيًا إلى التحاب والتآخى بين المسلمين والنصارى، خدمة لأوطانهم والشرق كله، فيهتف: يا فاتح الأرض ميداناً لدولته صارت بلادُك ميداناً لكل قوى يا قومُ هذا مسيحىٌّ يذكّركم لا يُنهِض الشرقَ إلا حبُّنا الأخوى فإن ذكرتم رسول الله تكرمة فبلّغوه سلام الشاعر القروى وهو نفسه الذى طلب من كل قائد للأمة أن يقاتلوا أعداء الأمة بسيف محمد، لا أن يديروا لها خد المسيح - رغم أنه نصرانى مؤمن بدينه - فهذا هو ما تُحمى به الأوطان، ويُدفع به العار، فيقول: فتى الهيجاء لا تعتب علينا وأحسِن عذرَنا تحسنْ صنيعا تمرستم بها أيام كنا نمارسُ فى سلاسلنا الخضوعا فأوقدتم لها جثثًا وهامًا وأوقدنا المباخر والشموعا إذا حاولتَ رفعَ الضيم فاضرب بسيف محمدٍ واهجر يسوعا! أحبوا بعضكم بعضًا وُعظنا بها ذئبًا فما نجَّت قطيعا ولم يقتصر مديح الرسول على الخورى، بل إن الشاعر الكبير خليل مطران كتب قصيدة من أروع القصائد المديح فى الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم قصيدة طويلة مشحونة بالعاطفة والنصح والغيرة يقول فيها: عانى محمد ما عانى بهجرته لمأرب فى سبيل الله محمود وكم غزاة وكم حرب تجشمها حتى يعود بتمكين وتأييد كذا الحياة جهاد والجهاد على قدر الحياة ومن فادى بها فودى أدنى الكفاح كفاح المرء عن سفه للاحتفاظ بعمر رهن تحديد ومن عدا الأجل المحتوم مطلبه عدا الفناء بذكر غير ملحود لقد علمتم وما مثلى ينبئكم لكن صوتى فيكم صوت ترديد ما أثمرت هجرة الهادى لأمته من صالحات أعدتها لتخليد وسودتها على الدنيا بأجمعها طوال ما خلقت فيها بتسويد وتغنى الشاعر المسيحى السورى وصفى قرنفلى بالرسول ولقد خاف قرنفلى أن يوصف بمجاملة المسلمين، أو مداهنتهم لحاجات فى نفسه، فبدأ بالدفاع عن نفسه، وتبرير مدحه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيعلن أن طائف الحب طاف به، فأترع كئوس الهوى، والإعجاب بالنبى العربى والعروبة عندهم وشيجة مهمة - فقال: قد يقولون: شاعرٌ نصرانى يرسل الحب فى كِذابِ البيانِ يتغنى هوى الرسولِ.. ويهذى بانبثاق الهدى من القرآنِ ينتحى الجبهة القويةَ يحدوها رياءً والشعر (لا وجدانى) كذبوا والرسولِ لم يجرِ يومًا بخلاف الذى أكن لسانى ما تراءيتُ بالهوى بل سقانى طائفٌ من الحب والهوى ما سقانى أوَعارٌ على فتىً يعربى أن تغنى بالسيد العدنانى؟! أوليس الرسول منقذَ هذا الشرق من ظلمة الهوى والهوانِ؟ أفكُنا لولا الرسول سوى العبدان بئست معيشة العبدان؟! أوليس الوفاء أن تخلِص المنقذ حبًّا إن كنت ذا وجدان؟! فالتحيات والسلام أبا القاسم تُهدى إليك فى كل آن وكتب الشاعر المهجرى جورج صيدح قصيدة رائعة فى مدح النبى باسم: حراء يثرب، يستنهض فيه الأمة، مذكرًا إياها بما بعث النبى صلى الله عليه وسلم من الحمية، والهمة، والأنفة، مشيرًا إلى تدنيس القدس الشريف؛ حتى إنه ليقتبس آية من القرآن من سورة الرحمن تبارك وتعالى يضمنها القصيدة، فيقول: يا من سريتَ على البراق وجُزت أشواط العَنان آن الأوان لأن تجدّد ليلة المعراج.. آن عرّج على القدس الشريف ففيه أقداسٌ تهان ماذا دهاهم؟ هل عصوْك فأصبح الغازى جبان؟ أنت الذى علمتهم دفع المهانة بالسنان ونذرت للشهداء جنات وخيرات حسان يا صاحبىّ: بأى آلاء النبى تكذبان؟ ويكتب الشاعر اللبنانى مارون عبود مطولة كبيرة فى مدح النبى صلى الله عليه وسلم يقول فيها: لولا كتابُك ما رأينا معجزًا فى أمةٍ مرصوصة البنيانِ حملت إلى الأقطار من صحرائها قبسَ الهدى ومطارفَ العمرانِ هادٍ يُصوَّر لى كأن قوامه متجسدٌ من عنصر الإيمان أما الشاعر الشهير إلياس فرحات فيقول فى قصيدته: «يا رسولَ الله»، مادحًا ومنبهًا، ومشيرًا إلى أنه جاء سراجًا منيرًا ظلام الدنيا المدلهم، ليخرج الأعراب الجفاة من حمأة البداوة والجفاء، ويطالب بأن يتعرف الناس على الإسلام، ليتعرف على معالم الدين، ثم يستصرخ، ناعيًا التضليل الذى ترتكس فيه الأمة، والجهل العاتى الذى يكتسحها، مطالبًا بالعلم والقوة، حلاًّ لتردى حال الأمة، فيقول: غَمَرَ الأَرْضَ بِأَنْوَارِ النُّبُوَّةْ كَوْكَبٌ لَمْ تُدْرِكِ الشَّمْسُ عُلُوَّهْ لَمْ يَكدْ يَلْمَعُ حَتَّى أَصْبَحَتْ تَرْقُبُ الدُّنْيَا وَمَنْ فِيهَا دُنُوَّهْ بَيْنَمَا الكَوْنُ ظَلاَمٌ دَامِسٌ فُتِحَتْ فِى مَكَّةَ لِلنُّورِ كُوَّةْ وَطَمَى الإِسْلاَمُ بَحْرًا زَاخِرًا بِأَوَاذِىِّ الْمَعَالِى وَالفُتُوَّةْ مَنْ رَأَى الأَعْرَابَ فِى وَثْبَتِهِمْ عَرَفَ البَحْرَ وَلَمْ يَجْهَلْ طُمُوَّهْ إنَّ فِى الإِسْلاَمِ لِلْعُرْبِ عُلاً إنَّ فِى الإِسْلاَمِ لِلنَّاسِ أُخُوَّةْ فَادْرُسِ الإِسْلاَمَ يَا جَاهِلَهُ تَلْقَ بَطْشَ اللهِ فِيهِ وَحُنُوَّهْ يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّا أُمَّةٌ زَجَّهَا التَّضْلِيلُ فِى أَعْمَقِ هُوَّةْ ذَلِكَ الجَهْلُ الذِى حَارَبْتَهُ لَمْ يَزَلْ يُظْهِرُ لِلشَّرْقِ عُتُوَّهْ قُلْ لأَتْبَاعِكَ صَلُّوا وَادْرُسُوا إِنَّمَا الدِّينُ هُدَىً وِالْعِلْمُ قُوَّةْ