لم يكن مستغربا ذلك الهجوم الذى شنه الإعلامى أحمد موسى على ثورة يناير وثوارها وشهدائها وأسرهم، والذى وصل إلى حد قوله: "اللى يقول إن المتظاهرين كانوا سلميين هديله على قفاه أو أعلمه حاجة تانية، لأن ثورة يناير ليس لها أى علاقة بالسلمية نهائيا". وبعيدا عن الأسلوب والمفردات التى استخدمها، فلم يكن ما قاله أحمد موسى - مندوب الأهرام فى وزارة الداخلية وعضو مجلس نقابة الصحفيين سابقا- يستدعى الشعور بأى صدمة أو ندهاش حتى وإن كان قد قال عكس هذا الكلام بعد ثورة يناير وتنحى مبارك بل وكتب مقالا يشيد فيه بالثورة. واقعة وحادثة واحدة تكفى كى يزول أى اندهاش أو تعجب أو حتى غضب مما يقوله أحمد موسى. ففور حالة الغضب والاستياء من تصريحات أحمد موسى التى وصلت إلى حد التطاول والتهديد بضرب المؤمنين بثورة يناير على قفاهم - أو فعل حاجة تانية لا نعرف ماهى - قفزت إلى ذهنى صورة زميلتنا الصحفية الراحلة "نوال"، رأيتها بابتسامتها الحزينة بعد أن أصابها موسى بما هو أكثر من ضرب القفا. ونوال على رحمها الله صحفية شابة كانت تعمل بصحيفة الجيل المصرية، لم يكن لها أى نشاط سياسى، فقط كانت صحفية تنشغل بعملها الصحفى وبالتدريب لتحسين مستواها المهنى، ولكن حظها العاثر قادها لكى تكون فريسة لانتهاك بلطجية الحزب الوطنى الذين أحاطوا بإحدى المظاهرات على سلم نقابة الصحفيين أثناء دخولها لحضور دورة تدريبية فى اللغة الإنجليزية، حيث نظم عدد من النشطاء وقتها مظاهرة للتنديد بالتعديلات الدستورية التى أراد مبارك تمريرها فى مايو 2005 والذى أطلق عليه "الأربعاء الأسود" حيث شهد انتهاكات جسدية لعدد من الصحفيات والناشطات. وما إن اقتربت نوال من سلالم النقابة حتى دفعها بلطجية الحزب الوطنى الذين احتشدوا وسط المتظاهرين على السلم وانهالت أياديهم لتمزق ملابسها وتعبث بجسدها على مرأى ومسمع من رجال الأمن فى مشهد وحشى مذرى لم تتخلص نوال من أثاره إلا بالموت. وبعد هذه الواقعة تعرضت نوال للعديد من الضغوط كى تتنازل عن قضيتها، طلقها زوجها بعد أن طلب منها التنازل عن البلاغ ولكنها أصرت على موقفها. كان أحمد موسى وقتها عضو مجلس نقابة الصحفيين وبدلا من أن يقف إلى جوار زميلته التى تعرضت لأبشع أنواع الانتهاك كتب خبرا فى صفحة الحوادث بالأهرام يؤكد فيه أن نوال وباقى الصحفيات والناشطات اللاتى تعرضن للانتهاك هن من قمن بتمزيق ملابسهن للادعاء كذبا على رجال الشرطة وإفساد عرس الديمقراطية!! وهو ما أثار غضب الصحفيين وطالبوا بسحب الثقة من أحمد موسى فى الجمعية العمومية الطارئة لنقابة الصحفيين التى انعقدت يوم 1 يونيو عام 2005. ولا أعرف إن كان أحمد موسى يتذكر تلك المسكينة التى انتهك البلطجية جسدها بينما انتهك سمعتها قلم زميلها مندوب الداخلية فى ذلك الوقت، لا أعرف إن كان يتذكر كيف كانت نوال تحارب من أجل حقها المنتهك حتى داهمها مرض السرطان بعد فترة قصيرة من هذه الواقعة. تجرعت نوال مرارة الظلم كثورة وثوار وشهداء انتهكتهم ألسنة المستفيدين من كل الأنظمة والأكلين على كل الموائد، وزادت مرارتها وقهرها عندما تم حفظ التحقيق فى بلاغها (وبلاغات زميلاتها) "لعدم الاستدلال على الفاعل!!. أكل القهر قلب نوال وجسدها، لم تتحمل الشابة التى لم تتجاوز سن الثلاثين من عمرها كل هذا الظلم وفى غضون سنوات قليلة ماتت فى هدوء، رحلت وهى على ثقة من أنها لن تحصل على حقها فى الدنيا ممن ظلموها وأنها ستذهب إلى من لا تضيع عنده الحقوق. ما قاله موسى على نوال يشبه تماما ما قاله عن ثورة يناير وشهدائها، ولكن يبدو أنه ينسى أو يتناسى ما يقوله دائما، فهل يتذكر موسى ما قاله عن نوال، وهل سيتذكر غدا ما قاله عن ثورة يناير وشهداءها؟!.