مأساة يعيشها غالبية أبناء المطلقات تتجاوز مأساة أمهاتهم، ليصبحوا أطفالا لا يعرفوا معنى كلمة أب. "إيمان": بابا بيقول عليا معاقة وبيضربنى.. "نور": بابا لبس بدلة وبقى عريس وبيحب ابنه التانى وأنا لأ.. و"ماهر": بابا مش بيسأل عليا وضرب أمى عشان طلبت فلوس.. و"هاجر": أنا بكره أبويا عشان رمانى.. هذه نماذج من أقوال الأطفال أمام محاكم الأسرة بعد أن ساءت نفسيتهم وأصبحوا لا يعرفون لمن يسلمون آذانهم؟ أمهاتهم أم آبائهم أم لأبيهم؟ ففى ظل الصراع الأسرى، أصبح الأطفال هم الضحايا، وفى الغالب يكونون مرضى نفسيين أو حتى مجرمين وهو ما أثبته العلم ففى إحصائية أن 41% من أبناء رواد محاكم الأسرة يعانون اضطرابا نفسيا، بسبب الخلافات الأسرية. "اليوم السابع" يفتح ملف "أثر الخلافات الزوجية على الأطفال" ويرصد رأى خبراء الطب النفسى وعلم الاجتماع بشأن آرائهم فى حالات التقيناها أثناء جولتنا بتلك المحاكم. وفى البداية تحدثنا مع أطفال عن أثر انفصال والديهما فقال "نور" أثناء نظر دعوى الرؤية رقم 1325لسنة 2014 بمحكمة الأسرة فى مصر الجديدة: "كنت دائما بشوف بابا يضرب ماما معرفش ليه ويزعق فيا وإحنا مش معانا حد يسأل علينا ولا يصرف عليا، وأنا نفسى أشوف (بابا) خلّوه يرضى يجى عندنا البيت". الطفل نور وتابع "نور": "شفت صور الفرح وكان بابا لابس بدلة وقاعد مكان العريس، وماما قالت أنو أتجوز، ومن يومها هو مش بيتكلم معانا وأنا زعلان، وكمان مراته جابت ليه (بيبى) مشغول بيه عنى أنا نفسى نبقى أخوات وعيلة واحدة". الطفلة إيمان فيما قالت "إيمان" الطفلة التى تبلغ من العمر 16 عاما، والمصابة بمرض التوحد وهى على أعتاب محكمة الأسرة مع والداتها: بابا مبيحبنيش أنا وأخواتى البنات وبيقول عليا معاقة وبيضربنى عشان مش بفهم وبيستعر منى. وتابعت "إيمان": بحب ماما وأخواتى البنات لكن بابا (لا) لأنه مش بيسأل على. الطفل ماهر فيما قال الطفل "ماهر": "أنا عندى 9 سنين وعايش مع ماما فى الوراق، وبابا سايبنى من 4 سنين وعايش فى العتبة، ومش بشوفه خالص، بالرغم أنه بيوحشنى لكنه مش بيسأل عليا، وأنا تعبان وخايف لأحسن أموت، ماما راحت تطلب منه يساعدها فى مصاريف علاجى اتخانق معاها وضربها". الطفلة هايدى وعن "هايدى" قالت: ستى مش بتحب البنات خلت أبويا يطلق أمى ويسابنا ويبهدلنا وهو راح يتجوز عشان يجيب الولد وأحنا حالتنا صعبه وجوز أمى فقير مش معاه وأنا نفسى أروح المدرسة والبس حلو ذى العيال. الطفلة هاجر فيما قالت الطفلة "هاجر"، التى لم تتجاوز 8 سنوات، أمام محكمة الأسرة، لتحكى مأساتها وسط مشاكل لا حصر لها بين والديها: "أنا بكره أبويا عشان رمانى وحسبى الله ونعم الوكيل فيه وفى مراته اللى خطفت أبويا من ماما". وأضافت الطفلة، أن والدها تزوج سيدة بعقد عرفى، على والدتها، وهجرهما وامتنع عن الإنفاق عليهما، متابعة: "لما بيشوفنى بيعمل نفسه مش شايفنى، وأنا يوميًا أمام محكمة الأسرة مع ماما للمطالبة بالنفقة". الطفل عمرو نظر "عمرو" أثناء مشاهدته كرتون الأطفال السمكة "نيمو" وهى ترجع لتحضن والداها بتعجب فسألنه عن اسم والده ورد بمنتهى التلقائية "أنا مليش أب" وعلى وجهه ابتسامة تصيب كل من يراها بحسرة على حالته . الطفل مصطفى فيما قال"مصطفى" متحدثا عن والده: لم أعش معه ومرات قليلة أراه فيها عندما يأتى ليعطى والدتى الأموال معرفش أن كنت بحبه ولا لا بس أمى مش بتحبه لانه كان بيضربها" . الطفلة أروى فيما قالت "أروى": أمى بتقولى إنها شالت الهم عشان خلفتنا وخايفة نبقى ذيها ومنلقيش ناكل واتجوزنا وأحنا صغيرين، هى بتقولى وهى غضابنة أنتى مش فاهمه حاجه بس أنا فاهمه كل حاجه ودائما بعيط وأنا نايمة". الطفلة مريم فيما تحدثت "مريم" عن معاناتها قائلة: "أنا عندى 8 سنين وجايه مع ماما عشان القاضى يسالنى عايزه أعيش مع مين مع بابا ولا ماما وأنا زعلانه أنا بحبهم هما الأتنين ومش عارفه هرد أقول ايه". وتابعت "مريم": حاولت أقنع ماما بالرجوع للبيت ولكنها مصممة على رايها أصلى وبتقولى أن بابا وحش.. هو فعلا كان بيضربها كتير. الطفلة عزة فيما قالت الطفلة "عزة" 13 سنة: "ماما كانت بتخاف تسبنى لوحدى فى البيت مع بابا لأنه دائما بيشرب وسكران عشان كدا ذهبت لمحكمة الأسرة وطلبت الطلاق". وأكملت: أنا عمرى ما شوفت والدى فايق، دائما سكران وبيضربنى، لما بشوف أصحابى قلبى بيتقطع من الحزن والحسرة". الطفل حسن بينما قال الابن الأكبر "حسن"، 15 سنة: "ماما ملهاش حد أنا الراجل بتاعها دلوقتى، بحاول أساعدها وبشتغل ميكانيكى عشان إخواتى يعرفوا يعيشوا". وأكمل: "لما بشوف أصحابى وهما عيشين فى سعادة بتحسر على حالى وأنا طوال عمرى فى الغلب.. بس الحمد الله على كل حال". عرضنا مأساة هؤلاء الأطفال على الدكتورة مها توفيق، أخصائى علم النفس، فقالت: "يجب أن يتعامل الآباء والأمهات الذين قررا الانفصال بالشرح إلى أطفالهم طبيعة الحالة التى يمران بها وصعوبتها وإيجاد البدائل والحوار واللغة السهلة لكى يتغلبوا على الحالة النفسية التى من الممكن أن تؤثر عليهم سلبًا لكى نحميهم وللخروج من هذه التجربة الأليمة دون تشوه وبأقل الخسائر". وأكملت: "يجب أن يدرك الوالدان هنا أنهما أمام "طفل" حرم من ميزة "الأسرة" ويكون لديهما مهارات التحكم عند الغضب لكى لا يتأثر الطفل فى هذا التنازع". وأشارت إلى أنه من الجيد فى مثل هذه الحالات التى تلجأ لمحاكم "الأسرة" أن يجدوا البديل للطفل الذى يستطيع أن يتحدث معه ويحاول أن يكون طرفًا محايدًا ليحاول أن يمتص التأثير السلبى الذى يقع على أطراف النزاع. وعلقت الدكتورة "نورهان جمال" أخصائى فى علم الاجتماع: "حالة تعرض الطفل لهذه التجربة "الانفصال" يجب حجب الخلافات بين الأب والأم والتعامل بصورة فيها الكثير من الحنان لكى نحاول أن نجعله يشعر بالأمان والسيطرة على الخوف الذى ينتابه". وأكملت: "الخلافات الأسرية تحول الطفل إلى "عدوانى" سواء على أصدقائه أو المجتمع والبعض منهم يتجه للعنف أو يصبح طفلاً حقودًا ليعاقب غيره على الأزمة التى يمر بها ونجد منهم من يتجه للكذب لكى يتغلب على ما يمر به". وأشارت إلى أن الحالة التى يكون فيها الطفل "رأى سلبى" لأحد الأطراف سواء أمه أو أبيه فيجب أن يكون رد الفعل عليه الهدوء وإشعاره أنه خاطئ لكى لا تحدث له انتكاسة أكبر مما هو فيها. لاشك أن ظاهرة التفكك الأسرى تزايدات فى السنوات الأخيرة بمختلف محافظات مصر نتيجة لعدة أسباب يأتى فى مقدمتها الخلافات الناجمة عن الفقر وقلة الحيلة، إضافة إلى سوء الاختيار من كلا الزوجين للآخر، ناهيك عن انتشار وسائل التواصل الاجتماعى مثل "فيس بوك" و"تويتر"، والتى يتواصل من خلالها الرجال مع سيدات أجنبيات يوهمهن بأن زواجتهم مقصرات، ومن هنا تحدث المشكلات التى تنتهى عادة بالطلاق ليدفع الأطفال الثمن طوال حياتهم.