هل كان يخطر ببالى أن تحقق جائزة البابطين، التى أسهمتُ فى وضع لبنتها الأولى، هنا فى القاهرة قبل ربع قرن، كل هذا الذيوع، وتمتلك كل هذا التأثير فى الساحة الشعرية العربية والغربية أيضًا؟ سألت نفسى هذا السؤال وأنا أهبط من الحافلة فى مدخل مكتبة البابطين المركزية للشعر العربى، ومن حولى شعراء ونقاد متخصصون فى فن العربية الأول، وفدوا جميعهم إلى الكويت متزامنين مع القمة العربية الأخيرة للاحتفاء بربيع الشعر العربى فى دورته السابعة التى تحمل اسمى اثنين من رموز الشعر العربى: السورى عمر أبوريشة، والكويتى محمد الفايز. وأمام كاميرات قناة «البوادى»، التى تمتاز بين الفضائيات بانحيازها للشعر بمختلف فنونه وتجلياته، اعترفت بأن خيالى لم يمتلك القدرة على الجنوح إلى حدود ما ألمسه فى الواقع اليوم، فالشعراء العرب المعاصرون ظفروا بأول معجم يلم شملهم فى مجلدات عدة، ورقية ومرقمنة، تشهد الإسكندرية خلال هذا الشهر حفل توزيع أحدث مجلداته، فيما تستعد «فاس» العاصمة العلمية للمملكة المغربية لاحتضان احتفالية اليوبيل الفضى لجائزة البابطين للإبداع الشعرى، فى أكتوبر المقبل، هذه الجائزة التى نالها العديد من شعراء العربية المجيين بدءًا ب: خليل فواز، وإسماعيل عقاب، وعبداللطيف عبدالحليم، وحسان عطوان، وعلية الجعار، ومحمد جواد الغبان، مرورًا ب: محمد الفايز، وإبراهيم عيسى، وعبدالعليم القبانى، وصولًا إلى: فدوى طوقان، ونازك الملائكة، وسميح القاسم، وغيرهم من المبدعين والنقاد الذين شهدت تكريمهم: القاهرة، وبيروت، والمنامة، وأبوظبى، والكويت، وقرطبة، وباريس. ويتجاوز ربيع الشعر حدود الطقوس الاحتفالية، فإلى جانب الجلسة الافتتاحية التى رعاها الشيخ جابر مبارك الحمد الصباح رئيس مجلس الوزراء الكويتى، وتحدث فيها الشيخ سلمان صباح السالم الحمود الصباح، وزير الإعلام ووزير الدولة لشؤون الشباب، كانت الحلقات الدراسية، والشهادات، والإصدارات التى لفتنى منها: «الأعمال الشعرية الكاملة لمحمد الفايز» التى تقع فى مجلدين أشرف عليهما وقدم لهما الدكتور عبدالله المهنا، وكتاب «محمد الفايز.. شاعر العاطفة المفكرة» الذى أعده وقدمه الدكتور عباس يوسف الحداد، ويشير البابطين إلى أن هذه الأعمال الشعرية للفايز تضم قصائد لم ترد من قبل فى دواوينه المطبوعة: «مذكرات بحار»، «النور من الداخل»، «الطين والشمس»، «رسوم للنغم المفكر»، «بقايا الألواح»، «ذاكرة الآفاق»، «لبنان والنواحى الأخرى»، «حداء الهودج»، «خلاخيل الفيروز»، «تسقط الحرب»، «خرائط البرق». ويكشف أن الدكتورة شذا الفايز، ابنة الشاعر الراحل، بذلت جهدًا مخلصًا فى معاونة الأمانة العامة للمؤسسة كى تخرج هذه الأعمال الكاملة متضمنة ما تفرق من نصوص فى مجموعات شعرية، وما توزع بين الصحف السيّارة والمجلات المتخصصة، وما يغلب الظن على كونه لا يزال مخطوطًا لم يسمع به الناس من قبل، وقد كانت ابنة الفايز شديدة الاحتفاء بإبداع والدها، حريصة على المحافظة على إرثه الشعرى، فقامت بتزويد المؤسسة بديوانين فريدين من آخر ما كتب قبل وفاته، لم يسبق نشرهما من قبل، وكانا مخطوطين فى كراستين بخط والدها، يحمل أولهما عنوان «كتابات فوق الأبواب القديمة» ويشتمل على أربع وعشرين قصيدة، أما ثانيهما فيشتمل على اثنتى عشرة قصيدة أخرى، وعنوانه: «قباب الوادى الأخضر». وفوق ذلك قدمت الدكتورة شذا مجموعة كبيرة من قصائده، أكثرها مما نشرته الصحف والمجلات فى حياة والدها، وبعضها مما نشر بعد رحيله. ويؤكد الدكتور محمد مصطفى أبوشوارب، مساعد أمين عام المؤسسة، أنه تمت مراجعة هذه القصائد ومقابلتها بما نشر فى دواوين الشاعر السابقة، وقد وصلنا إلى سبع وتسعين قصيدة لم يسبق نشرها فى دواوين الفايز الأخرى، ينفرد هذا الديوان بنشرها فى ملحق خاص مرتبة ترتيبًا زمنيًّا من الأقدم إلى الأحدث. وفى تقديرى أن أهم ما أصدرته هذه المؤسسة حول عمر أبوريشة، فارس الاحتفالية الآخر، عدة كتب مثل: «عمر أبوريشة بين شعراء عصره» للدكتورة نسيمة الغيث، و«عمر أبوريشة.. شاعر أمة» لمصطفى عكرمة، و«مختارات من ديوان أبوريشة» الذى قدمه الدكتور محمد حسان الطيان، و«عمر أبوريشة فى ضوء النقد الأدبى» للدكتورة لطيفة إبراهيم برهم. وقد مكنتنى أمسيات الاحتفالية من الاستمتاع بقصائد ثلاثة شعراء مصريين: اثنان منهما مقيمان فى الكويت منذ سنوات: نادى حافظ، ومحمد عبدالحميد توفيق، الذى صدر له مؤخرًا ديوانه الجديد «سيرة أخشاب تتهيأ للملكوت»، والشاعر السكندرى فؤاد طمان، الذى دعى من مصر خصيصًا للمشاركة فى ربيع الشعر، وافتتح ثانى الأمسيات، وكان سعيد الحظ إذ تلقى دعوتين للاشتراك فى أمسيتين، إحداهما فى العاصمة الفرنسية، والأخرى فى «جبيل» بلبنان. وممن لفتوا اهتمام الجمهور: الشاعر العراقى عمر عنّاز، الذى سبق أن رشحه شاعرنا الكبير أحمد عبدالمعطى حجازى لنيل المركز الأول فى مسابقة «دبى الثقافية»، والتونسية نادية التركى، القادمة من لندن التى تولت تقديم حفل الافتتاح، كما ألقت فى إحدى الأمسيات عدة قصائد زاوجت فيها بين الفصحى، والدارجة التونسية، على خلاف المعهود فى أمسيات هذه المؤسسة المنحازة تمامًا للفصحى، والسودانية منى حسن، التى امتلكت أداءً قربها من الجمهور، والشاعر اللبنانى الدكتور جورج طربيه، الذى استهل أولى الأمسيات بقصيدة عنوانها «حديقة الرخام». وقد حرص البابطين على مشاركة العديد من الأصوات الكويتية الشابة لضخ دم جديد فى أمسياته وندواته. بقى أن أقول إن هذا الربيع الشعرى الكويتى اجتذب إليه شخصيات سياسية بارزة فى مقدمتها: ستيبان ميسيتش، رئيس جمهورية كرواتيا السابق، والدكتور خضير الخزاعى، نائب رئيس جمهورية العراق الحالى.