أول ما يلفت النظر فى التشكيل الوزارى لوزارة المهندس إبراهيم محلب هو احتفاظها بتسعة عشر وزيرًا من وزارة الببلاوى بما فيهم المهندس إبراهيم محلب، الذى انتقل من الإسكان إلى الرئاسة، وبقيت الوزارات السيادية الرئيسية بنفس الأشخاص. والوزراء الثمانية الجدد جاء اختيارهم بناء على رؤية لسياسة جديدة فى وزارات محددة، ورغم أهمية بعضها مثل المالية والكهرباء والتموين والتضامن إلا أنها كلها تقريبًا تصب فى الإصلاح الداخلى وعلاج مشكلات هيكلية سببت قصورًا مؤثرًا فى أداء هذه الوزارات مثل الفشل فى علاج عجز الموازنة ماليًا والانقطاع المستمر للتيار الكهربى دون رؤية مستقبلية لخطط علاج حقيقية مما سبب سخطًا شاملاً بين الجماهير، وأثر على الإنتاج خاصة فى المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، وانفلات أسعار السلع عامة والمواد الغذائية خاصة وانعدام الرقابة عليها؛ وأخيرًا إهمال رعاية الفقراء والمهمشين؛ وفوضى جمعيات المجتمع المدنى وحقوق الإنسان ومشكلات تمويلها من الخارج، أما الوزارات الأربعة الأخرى (الإسكان/ القوى العاملة والطيران المدنى والإنتاج الحربي). فالأولى والأخيرة تغير اضطرارى، والثانية والثالثة تغير وزيراهما لقصور فى الأداء كان واضحًا واتجاه أحدهما إلى تلميع شخصه خارج نطاق مسئولياته، إضافة إلى التخلص من وزير الرياضة المشكل بضمها لوزارة الشباب، إضافة إلى التعليم العالى والبحث العلمى وأخيرًا الرى والموارد المائية، وهى وزارات شديدة الأهمية والخطورة فى المرحلة الحالية، ويعتذر عنها كل من يرشح لها، ونتمنى لرئيس الوزراء الجديد التوفيق فى شغلها فمصر لم تعقم وهى مليئة بالوطنيين الشرفاء العلماء القادرين على العبور بالوطن إلى بر السلامة. تبقى الوزارات الثمانية عشرة التى ظل وزراء حكومة الببلاوى فى مناصبهم نفسها فى الوزارة الجديدة وبقاؤهم يثير تساؤلا مشروعًا، هل كان أداؤهم متميزًا فتم الإبقاء عليهم قد يصدق هذا على وزراء الدفاع والداخلية والخارجية والسياحة والتنمية المحلية. مثلا ويمكن أن يقال ذلك عن وزراء الزراعة والتعليم والأوقاف، ولكن وزارات مثل البترول والآثار والشباب والإعلام والنقل والعدالة الانتقالية وغيرها لم يكن أداءها فى مستوى يناسب تحديات المرحلة؛ وهنا يثور تساؤل جديد، هل كان ضعف الأداء راجعًا إلى شخص الوزير أم إلى تسيب وضعف رئاسة المجلس السابقة وبصراحة أكثر هل كان أسلوب الببلاوى معوقًا لعمل الوزراء أم أن الوزراء أنفسهم تنقصهم المقدرة والحزم من الواضح أن إعادة اختيارهم لنفس المناصب يرجح أن عملهم كان يعوق من خارج سلطتهم، ولعل الأيام القادمة تحسم إجابة هذه التساؤلات. إن رئيس الوزراء الجديد أمامه مشكلة عاجلة هى إتمام التشكيل الوزارى بما يناسب رؤيته للمرحلة القادمة التى سيكون مسئولاً عن كل ما يحدث فيها من إنجاز أو تقصير وأمامه مشكلة شاملة تتمثل فى تحويل الأداء الحكومى إلى أداء ثورى يتغلب على مشكلات الروتين الحكومى المرتعش والعمل بجرأة وتصميم على تحقيق الأهداف العاجلة بيد قوية واثقة منطلقة، وأن تضع كل وزارة خططا وبرامج سريعة وحاسمة لحل المشكلات التى لا تحتمل الانتظار مع وضع خطط متوسطة وطويلة المدى بعناية وحرفية دون النظر إلى الفترة الزمنية التى ستقضيها الوزارة فى الحكم، بحيث تجد الوزارة القادمة أمامها سبيلاً ميسرًا، للعمل وتنفيذ خطط وضعت على أساس علمى متخصص وواقعى قابل للتنفيذ بصرف النظر عن شخص الوزير الذى يتولى المسئولية الآن أو الذى سيتولاها فى المستقبل. واضعين نصب أعيننا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم "اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدًا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدًا " فنفهمه على أن نعمل فى الوزارة كأننا سنبقى فيها أبدًا، وأن نعمل لتاريخنا بعد تركها كأننا سنغادرها غدًا فتكون مغادرتنا بعد أن نترك بصمة واضحة تبقى مشعل ضوء فى تاريخ كل وزير حتى بعد أن يترك منصبه. وليذكر كل وزير التاريخ الناصع الذى يحفظه المصريون لوزراء مثل عزيز صدقى، وسيد مرعى، وزكريا محيى الدين، وصدقى سليمان، وغيرهم، الذين تركوا بصمة مشرفة فى العمل التنفيذى كل فى مجاله، ولعل تذكرنا لوزراء مثل الدكتور محمد صلاح الدين، والدكتور محمود فوزى، اللذين قادا السياسة الخارجية المصرية فى عصور كانت مشكلاتها أشد وطأة وأكثر خطورة من الفترة التى نعيشها اليوم. إن مصر رائدة الحضارة ومصنع الرجال العظماء فى كل مجالات الأداء الإنسانى على مر العصور، فلينظر كل وزير إلى هذا الوطن بثقة المصرى الوطنى وليعلم أنه ابن أعظم حضارتين عرفهما تاريخ الإنسانية الحضارة المصرية الفرعونية والحضارة العربية الإسلامية وأنه قادر على اجتياز الصعاب وحل المشكلات والتغلب على العقبات فهو ابن الذين: كانوا الشهب حين الأرض ليل.. وحين الناس جد مضللينا. مشت بمنارهم فى الأرض روما.. ومن أنوارهم قبست أثينا.