نقلاً عن اليومى.. عشرات اللوحات الفنية تسجل تاريخ مصر السياسى والاجتماعى فى نصف قرن أسرة صاروخان طلبت من فاروق حسنى إنشاء متحف لأعماله ولم يهتم أحد صاروخان جاء لمصر ولم يكن معه مليم واحد وقضى ليلة كاملة وسط الحشرات لم تتخيل «اليوم السابع» وهى تنشر صفحتين كاملتين فى باب «عطر الأحباب/عدد 3 يناير الجارى» بمناسبة ذكرى رحيل صاروخان، رائد فن الكاريكاتير المصرى، أن أحد أفراد أسرة هذا الرسام العظيم سيرى ما كتبنا عنه، بل لم نتصور أيضًا أن ابنة صاروخان وزوجها سوف يتصلان بالجريدة ويطلبان التواصل معنا، استجابة لما نشرناه عنه، ثم يدعوان فريق العمل ب«اليوم السابع» إلى زيارة بيته، لنتعرف على تفاصيل متنوعة عن حياته الثرية التى لم يعرفها الكثيرون من قبل. فى استجابة سريعة ذهبنا إلى بيت صاروخان بحى مصر الجديدة - الزميل ناصر عراق المسؤول عن الباب والمصور هشام سيد وكاتبة هذه السطور - حيث فوجئنا بأن ابنته «سيتا/ 80 عامًا» مازالت تعيش فى هذا البيت برفقة زوجها «يعقوب» ذى الخامسة والثمانين سنة.. الحق أنها لم تكن زيارة عادية، إذ ستبقى فى ذاكرتنا بكل ما تحمله من تفاصيل جميلة قضيناها طيلة ساعة ونصف الساعة فى منزل هذا الفنان الاستثنائى. بيت أم متحف؟ المدهش أننا منذ وصولنا أمام المنزل أصابتنا حالة انبهار غير عادية، بداية من الواجهة الأمامية للبناية التى زخرفت بجداريات مستلهمة من النحت اليونانى، عرفنا بعدها أن الفنان النحات أفيدسيان - شقيق زوجة صاروخان - هو الذى أبدعها، لتؤكد أن صاحب المنزل شخص ذو ذائقة فنية رفيعة، ثم فتح لنا الأستاذ يعقوب الباب بهدوء واستقبلنا بابتسامة حافلة بالترحاب، فلما دخلنا اعترت الجميع حالة من الافتتان، إنه ليس منزلاً، إنه متحف لفن الكاريكاتير.. رسومات صاروخان منثورة فى كل مكان.. على الجدران.. على الأرض.. بين الطرقات.. بورتريهات بديعة.. كاريكاتيرات اجتماعية ساخرة.. إضافة إلى الكاريكاتير السياسى الساخن الذى كان يرسمه يوميًا معبرًا من خلاله عن الأحداث السياسية المختلفة. الجميل فى الأمر أنه بعد دقائق من ذهولنا بروعة المنزل وما يحتويه من أعمال فنية، جلسنا مع ابنة الفنان الراحل، وزوجها الأستاذ يعقوب الذى ولد فى حى معروف بوسط القاهرة عام 1929 من أبوين وصلا إلى القاهرة من أنقرة هربًا من مذابح الأرمن.. أتقن يعقوب العربية حديثًا وكتابة، وقد تخرج فى كلية التجارة جامعة القاهرة عام 1954. حكى لنا يعقوب كيف جاء صاروخان إلى مصر، فأخذ يسرد لنا التفاصيل ببهجة شديدة ويقول: «جاء صاروخان إلى مصر عام 1924 بعد أن تعرف على المصرى عبدالقادر الشناوى فى فيينا، والذى أقنعه بالمجىء إلى القاهرة لكى يؤسسا معًا مجلة فكاهية». ويستطرد يعقوب: «نزل صاروخان من المركب فى ميناء الإسكندرية ولم يكن معه مليم واحد، والأصعب أنه لم يجد عبدالقادر فى انتظاره، ولم يكن يعرف ماذا يفعل فى بلد لا يعرف فيه شيئًا ولا حتى لغته، حتى تعرف إلى بقّال أرمنى، وأخذ منه عشرة جنيهات تقريبًا، وذهب ليسكن فى أفقر لوكاندة بالإسكندرية تغزوها الحشرات من كل حدب وصوب، فظل طوال الليل يكابد أرقا موجعًا، وكيف ينام فى هذا المكان بعد أن كان يعيش فى فيينا؟!». الدأب والكفاح يستكمل يعقوب كلامه عن صاروخان قائلاً: فى اليوم الثانى تعرف على بعض الأرمن، واقترض منهم حفنة نقود، فجاء إلى القاهرة، وبعد مدة عرف الطريق إلى ورشة بربريان لعمل الزنكوغراف، فراح يرسم له بعض الأعمال، ثم عمل فى إحدى المدارس وكان يتقاضى فيها نحو سبعة جنيهات، فاستقر فى القاهرة إذ لم يكن معه مال يعود به ثانيًا إلى أوروبا! وبسؤاله عما إذا كان صاروخان فكر فى العودة لبلده بعد حل مشكلة الأرمن، وبعد أن امتلك من المال ما يسمح له بذلك، قال زوج ابنته: لا.. لم يفكر فى العودة، فقد انصهر فى المجتمع المصرى، وشعر بواجبه نحو هذا المجتمع، ولما اندلعت ثورة يوليو 1952 منحه الرئيس جمال عبدالناصر الجنسية المصرية، لكنه سافر لزيارة شقيقاته الثلاث فى أرمينيا وروسيا، ثم عاد سريعًا، وأذكر أنه كان حزينًا جدًا بعد هزيمة 1967، وفرح جدًا بانتصار 1973، فلقد كان صاروخان مصريًا حتى النخاع. عبدالناصر وصاروخان لاحظنا أن الأستاذ يعقوب يتحدث بطلاقة برغم عمره المديد، ويبدو أن عشقه لحميه أمدّه بطاقة روحية وجسدية نرجو من الله أن يديمها عليه.. سألناه عن علاقة صاروخان بالرئيس عبدالناصر، وهل تعرض إلى مضايقات أمنية بسبب رسوماته؟ فهتف بحماس شديد: «كان صاروخان يرسم العديد من الكاريكاتيرات عن ثورة يوليو، وعن الضباط الأحرار، ويعبر عنها بإخلاص، وكان يرسم عبدالناصر كثيرًا، ولابد أن زعيم الثورة شاهد هذه الرسومات، ولكن أذكر مرة أنه تم استدعاؤه إلى قسم الشرطة بسبب كاريكاتير نشره فى أخبار اليوم، لكن سرعان ما أفرج عنه لأن مسؤولية النشر تقع على عاتق رئيس التحرير، إذ كان يرسم بناء على توجيهاته». وعن الراتب الذى كان يتقاضاه صاروخان قال يعقوب: «كان يتقاضى فى أخبار اليوم نحو 40 أو 50 جنيهًا، وكان حزينا جدًا من ضآلة المبلغ، لكن أعلى راتب تحصل عليه بلغ 80 جنيهًا، ولم تكن لديه سيارة، فكان يذهب للعمل بتاكسى». اللافت للانتباه أن يعقوب، زوج ابنة صاروخان، يتحدث عنه بحب عظيم، وكأنه ابنه، أو أخوه الأصغر، فيروى لنا كيف تعرف عليه، وكيف أحب ابنته، فيقول: «كنت من المعجبين بفن صاروخان بشدة، وكنت دائمًا أذهب لأحضر محاضراته فى النادى الأرمنى، وهناك تعرفت عليه وعلى ابنته، وكنا نسافر إلى الإسكندرية معًا، وهناك بدأت قصة الحب التى توّجت بالزواج، وكانت علاقتى به حميمية لدرجة أننى كنت أناديه باسمه بلا ألقاب». ابتسمت سيتا، ابنة صاروخان، حين استمتعت إلى حديث زوجها عن رفرفة طيور الغرام بينهما، واعترتها حالة شجن على الزمن الذى كان، وبرغم أنها تبدو أصغر من عمرها بكثير، فإن نظرة عينيها تحمل آثار ثمانية عقود قضتها فى هذا المنزل الذى شيده أبوها فى عام 1934 حيث اشترى قطعة الأرض بملغ 500 جنيه بالتقسيط فى مصر الجديدة - قريبًا من ميدان سفير - أما البناء - أربعة أدوار - فقد تكلف ألف جنيه، وقد تزوج صاروخان واستقر فى هذا البيت حتى وفاته فى الطابق العلوى، كما قال لنا الأستاذ يعقوب. يسترجع الأستاذ يعقوب الأيام الخوالى، ويتذكر كيف كانت شخصية صاروخان فيقول: «لم تكن له طقوس معينة، فهو يرسم فى أى وقت، فور اشتعال الفكرة فى ذهنه، وكان سريعًا جدًا فى الرسم، لكنه كان عصبيًا قليلًا، وكنا نتفهم أن الفن يجعل المبدعين عصبيين». عاشق الكشرى يعتدل يعقوب فى جلسته ويشرد قليلاً، قبل أن يقول: «لم يكن لصاروخان عادات معينة، ففى شبابه كان يدخن السجائر، لكنه امتنع عنها بعد ذلك، وكان قريبًا من الناس، فأحبوه، وكان متواضعًا يدخل مطاعم الكشرى يأكل فيها مثل جميع المصريين، إلا أنه لم يكن يحب الجلوس على المقاهى، ربما لأن وقته لم يسمح له بذلك، لكنه كان يجلس فى النادى الأرمنى بوسط البلد، إذ يذهب له بالمترو، وحين نُقل النادى لمصر الجديدة لم ينقطع عنه، حتى أصبح رئيس مجلس إدارته». وأما علاقة صاروخان بالفن المصرى، فيذكر يعقوب: «لم تكن علاقته بالفن المصرى عميقة، فلم يكن يدخل السينما إلا نادرًا، ولا أتذكر أنه دخل المسرح يومًا، ولكنه كان يسمع الراديو، خاصة أم كلثوم وعبدالوهاب». وإذا ما كان صاروخان يكتب بالعربية يقول يعقوب: «لم يكن يكتب أو يقرأ بالعربية إلا بنسبة لا تتجاوز %10، لكنه كان يتحدث خمس لغات هى الأرمينية، والروسية، والفرنسية، والألمانية، والإنجليزية». المثير أيضًا أننا لم نشعر أبدًا أن يعقوب يتحدث عن شخص فارقه منذ 37 سنة، إذ تجد كل التفاصيل حاضرة فى ذهنه، يجيب عن كل أسئلتنا بسرعة وسلاسة شديدتين. جاهين يرسم صاروخان تتذكر سيتا، ابنة صاروخان، وزوجها يعقوب وفاته، فيذكران أن جنازته كانت كبيرة، حضرها عدد لا بأس به من الناس الذين يحبونه سواء عرفوه شخصيًا أم لا؟ وقد دفن فى مقابر الأرمن بمصر الجديدة، وبعد وفاته بيومين نشر صلاح جاهين فى الأهرام كاريكاتيرًا يعبر فيه عن حبه وحزنه لفقد صاروخان. بمرارة شديدة يقول يعقوب: «أرسلت عشرة خطابات لوزير الثقافة الأسبق فاروق حسنى، أناشده فيها إنشاء متحف لفن الكاركاتير المصرى، يضم أعمال صاروخان، ومصطفى حسين، ورخا، وغيرهم، ولكن لم يرد علينا أحد، وتجاهلونا تمامًا». كما يستكمل يعقوب شكواه: «أرسلت جوابًا لمحافظ القاهرة أطالبه بتغيير اسم الشارع الذى نسكن فيه إلى شارع صاروخان لأنه عاش فيه ما يزيد على خمسين سنة، فقال المحافظ إنه لا يمكن تغيير اسم الشارع، لكن بإمكاننا إطلاق اسم صاروخان على شارع آخر أكبر وأوسع، وبالفعل تم لنا ذلك، وأعددت أربع لوحات تحمل اسم صاروخان كلفتنى الواحدة منها مائة جنيه، وذهبت مع أحد العاملين بالحى، وقمنا بتعليق اللوحات، ولكن للأسف بعد شهرين مررت بالشارع ففوجئت بسرقة لوحتين، والثالثة تلفت، ولم تتبق سوى واحدة، فأرسلت جوابًا آخر للمحافظ، وللأسف لم يهتم». الرائع أيضًا أن يعقوب وزوجته سيتا كانا يعاملاننا على أننا لسنا أغرابًا عنهما، فأدخلانا فى كل مكان بالمنزل، لنشاهد اللوحات البديعة لصاروخان، لكن حين سألنا يعقوب عند عدد الأرمن فى مصر الآن قال بأسى: «كنا أربعين ألفًا فى الأربعينيات، والآن لا نتجاوز ألفين وخمسمائة إنسان». عند خروجنا من بيت صاروخان اكتشفنا كم ظلمنا هذا الفنان الموهوب، لذا نرجو من وزارة الثقافة أن تسرع فورًا للملمة تراث هذا الرسام الفذ، قبل أن تبدده الأيام! للمزيد من أخبار التحقيقات بالفيديو والصور..الإرهاب الأسود يضرب قلب العاصمة.. استشهاد 3 وإصابة 47 فى تفجير سيارة مفخخة استهدفت مديرية أمن القاهرة.. تهشم أبواب المبنى الرئيسية وتحطم واجهة دار الوثائق ومتحف الفن الإسلامى أحزاب سياسية تعلن مشاركتها فى إحياء ذكرى 25 يناير بمسيرات ل"التحرير".. ويعلنون زيارتهم لأهالى الشهداء والمصابين.. التجمع: سنتصدى لتخريب الإخوان.. والمؤتمر يدعو الأطراف ألا تكون مطية للإخوان طوارئ ب"الصحة" استعدادا لذكرى "25يناير".. الوزارة توزع 2500 سيارة إسعاف على المحافظات.. ورفع درجة الاستعدادات للقصوى بالمستشفيات ومنع الإجازات.. وتشديدات لتوفير الأدوية وأكياس الدم