أحمد موسى: الدولة تتحمل 105 قروش في الرغيف حتى بعد الزيادة الأخيرة    انقسامات داخلية حادة تهز إسرائيل حول خطة بايدن لإنهاء الحرب    الحوثيون: تنفيذ 6 عمليات استهدفت سفن في البحر الأحمر والمحيط الهندي    أنشيلوتي: لست مغرورًا.. وحققنا لقب دوري الأبطال هذا الموسم بسهولة    شيكابالا أسطورة ومباراة السوبر الإفريقي صعبة.. أبرز تصريحات عمرو السولية مع إبراهيم فايق    عمرو السولية: لا نعرف الخوف أمام الزمالك ونهائي كايزر تشيفز الأسهل للأهلي    القسام تنشر مقطع فيديو جديدا يوثق عملية استدراج جنود إسرائيليين داخل نفق في جباليا    مدحت شلبي يكشف 3 صفقات سوبر على أعتاب الأهلي    وفاة طفل غرقاً في حمام سباحة مدرسة خاصة بكفر الزيات    بشرى سارة للمواطنين.. زيادة الدعم المقدم للمواطن على بطاقة التموين    عاجل - مجانِّي آخر موعد للمصريين للتقديم لفرص عمل مغرية بالإمارات    أستاذ اقتصاد: «فيه بوابين دخلهم 30 ألف جنيه» ويجب تحويل الدعم من عيني لنقدي (فيديو)    تشيلي تنضم إلى جنوب أفريقيا في دعواها ضد إسرائيل    عمرو أدهم يكشف آخر تطورات قضايا "بوطيب وساسي وباتشيكو".. وموقف الزمالك من إيقاف القيد    جريحان جراء غارات إسرائيلية عنيفة على عدة بلدات لبنانية    برقم الجلوس.. الحصول على نتيجة الصف الثالث الإعدادي بمحافظة الدقهلية 2024    متغيبة من 3 أيام...العثور على جثة طفلة غارقة داخل ترعة في قنا    الصحة تكشف حقيقة رفع الدعم عن المستشفيات الحكومية    عيار 21 بالمصنعية بكام الآن؟.. أسعار الذهب اليوم الأحد 2 يونيو 2024 بالصاغة بعد الانخفاض الجديد    أمير الكويت يصدر أمرا بتزكية الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح وليا للعهد    حميميم: القوات الجوية الروسية تقصف قاعدتين للمسلحين في سوريا    رئيس اتحاد الكرة السابق: لجوء الشيبي للقضاء ضد الشحات لا يجوز    الزمالك يكشف حقيقة التفاوض مع أشرف بن شرقي    بعد حديث «حجازي» عن ملامح تطوير الثانوية العامة الجديدة.. المميزات والعيوب؟    17 جمعية عربية تعلن انضمامها لاتحاد القبائل وتأييدها لموقف القيادة السياسية الرافض للتهجير    وزير التموين: أنا مقتنع أن كيس السكر اللي ب12 جنيه لازم يبقى ب18    حريق في عقار بمصر الجديدة.. والحماية المدنية تُسيطر عليه    بالصور.. البابا تواضروس يشهد احتفالية «أم الدنيا» في عيد دخول المسيح أرض مصر    من شوارع هولندا.. أحمد حلمي يدعم القضية الفلسطينية على طريقته الخاصة (صور)    الشرقية تحتفل بمرور العائلة المقدسة من تل بسطا فى الزقازيق.. فيديو    زاهي حواس يعلق على عرض جماجم مصرية أثرية للبيع في متحف إنجليزي    إجراء جديد من محمد الشيبي بعد عقوبة اتحاد الكرة    دراسة حديثة تحذر.. "الوشم" يعزز الإصابة بهذا النوع من السرطان    باستخدام البلسم.. طريقة سحرية لكي الملابس دون الحاجة «للمكواه»    طبيب مصري أجرى عملية بغزة: سفري للقطاع شبيه بالسفر لأداء الحج    تعليق من رئيس خطة النواب السابق على الشراكات الدولية لحل المشكلات المتواجدة    قصواء الخلالي: التساؤلات لا تنتهى بعد وقف وزارة الإسكان «التخصيص بالدولار من الخارج»    سعر الموز والعنب والفاكهة بالأسواق اليوم الأحد 2 يونيو 2024    عضو أمناء الحوار الوطني: السياسة الخارجية من أهم مؤشرات نجاح الدولة المصرية    وزير الخارجية السابق ل قصواء الخلالي: أزمة قطاع غزة جزء من الصراع العربي الإسرائيلي وهي ليست الأولى وبدون حل جذري لن تكون الأخيرة    ضبط 4 متهمين بحوزتهم 12 كيلو حشيش وسلاحين ناريين بكفر الشيخ    السفير نبيل فهمى: حرب أكتوبر كانت ورقة ضغط على إسرائيل أجبرتهم على التفاوض    حظك اليوم برج السرطان الأحد 2-6-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    المستشار محمود فوزي: نرحب بطلب رئيس الوزراء إدراج مناقشة مقترحات تحويل الدعم العيني لنقدي    «أمن الجيزة» يحبط ترويج كمية كبيرة من مخدر «الكبتاجون» في 6 أكتوبر (خاص)    الفنان أحمد عبد القوي يقدم استئناف على حبسه بقضية مخدرات    مصرع سيدة وإصابة آخر في تصادم مركبتي توك توك بقنا    موازنة النواب: الديون المحلية والأجنبية 16 تريليون جنيه    صحة الإسماعيلية: بدء تشغيل حضانات الأطفال بمستشفى التل الكبير    مجلس حكماء المسلمين: بر الوالدين من أحب الأعمال وأكثرها تقربا إلى الله    مصر تشارك في مؤتمر العمل الدولي بجنيف    تكريم الحاصل على المركز الرابع في مسابقة الأزهر لحفظ القرآن بكفر الشيخ    رئيس جامعة أسيوط يتفقد اختبارات المعهد الفني للتمريض    تعرف على صفة إحرام الرجل والمرأة في الحج    «مفيهاش علمي ولا أدبي».. وزير التعليم يكشف ملامح الثانوية العامة الجديدة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 1-6-2024 في المنيا    شروط ورابط وأوراق التقديم، كل ما تريد معرفته عن مسابقة الأزهر للإيفاد الخارجي 2024    قبل الحج.. تعرف على الطريقة الصحيحة للطواف حول الكعبة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وادى الخيانة..الحلقه الثالثة..الإخوان اتفقوا مع أبوغزالة على دعمه فى انتخابات الرئاسة 2005 ثم باعوه لمبارك..يحيى الجمل لعب دور الوسيط بين «الجماعة» و«المشير»
نشر في اليوم السابع يوم 19 - 12 - 2013

قيادات الإخوان ورجال مبارك فى الداخلية والمخابرات والمجلس العسكرى.. شركاء فى الحكم والمصير
جهة أمنية اتصلت بخيرت الشاطر لمعرفة موقف الجماعة من أبوغزالة وإمكانية مساندة مبارك فى الانتخابات الرئاسية
هذه واقعة لا تزال تمثل لغزا كاملا بالنسبة لى.. دارت أحداثها قبل شهور من الانتخابات الرئاسية التى جرت فى العام 2005، وكنت شاهدا على الكثير من فصولها، ومعظم من سترد أسماؤهم هنا لا يزالون أحياء، لكننى أصدقكم القول: لا أستطيع أن أحدد الحقيقى فيها من غير الحقيقى، اللهم إلا ما شهدت عليه بنفسى من وقائع. كنت قد جلست إلى رجل الأعمال المصرى سيد الباز، الذى قدم لى نفسه على أنه كان أحد المقربين من الرئيس السادات، وقدم لى ما أكد ذلك من صور جمعتهما معا، ومقالات نشرها عنه فى عدد من الصحف، ومناسبات كان يقف فيها إلى جوار السادات، وكان الكاتب الراحل محمود فوزى قد أكد لى هذه العلاقة، عندما قال لى إنه كان يرى الرئيس السادات يتحدث كثيرا إلى سيد الباز، ويخصه ببعض الأسرار، للدرجة التى كنا نتعامل معه على أنه أحد الصناديق السوداء التى يحتفظ فيها السادات بالكثير الذى لديه.
تكونت لدى سيد الباز علاقات عديدة بسبب قربه من السادات - هو أيضا صاحب إمبراطورية اقتصادية ضخمة فلديه منطقة صناعية باسمه - وكان من أهم هذه العلاقات علاقته بالدكتور مصطفى خليل الذى كان أحد رؤساء الوزارة فى عصر السادات، والذى ظل أحد رجال الحزب الوطنى الكبار فى عصر مبارك، «كان آخر منصب شغله هو نائب رئيس الحزب الوطنى».
وضع سيد الباز أمامى تفاصيل رغبة عدد من السياسيين ورجال الأعمال فى ترشيح المشير أبوغزالة للرئاسة فى منافسة واضحة مع الرئيس مبارك فى انتخابات 2005، وقد بدأت القصة برسالة قصيرة من زكريا محيى الدين «أحد الضباط الأحرار الذى أراد عبدالناصر تنصيبه رئيسا لمصر بعد نكسة 67» طالبه فيها بترشيح نفسه، باعتباره كان أحد الضباط الأحرار «أبوغزالة كان يشغل بالفعل الخانة الأخيرة فى القائمة الرسمية للضباط الأحرار التى أصدرها مجلس قيادة الثورة»، وبذلك تكون الانتخابات الرئاسية اختيارا بين شرعيتين، الأولى هى شرعية ثورة يوليو التى انقلب عليها السادات، وواصل مبارك انقلابه عليها، والثانية هى شرعية حرب أكتوبر التى صادرها مبارك بالكامل لنفسه، باعتباره صاحب الضربة الجوية الأولى.
وصلت المعلومة لعدد من قيادات الحزب الوطنى، فأرادوا إفساد الخطة من جذورها، جرت اتصالات مع الدكتور رفعت السعيد رئيس حزب التجمع وقتها، لإقناع الزعيم التاريخى للحزب خالد محيى الدين، أحد الضباط الأحرار، وصاحب الرصيد السياسى الكبير لدى النخبة السياسية والثقافية المصرية لنزول الانتخابات، لكن خالد - ورغم محاولات رفعت - رفض العرض من الأساس لإدراكه أن الانتخابات الرئاسية ستكون مجرد ديكور، وأنه ورغم ثقله التاريخى والسياسى فإنه لن يستطيع منافسة مبارك الذى يمتلك الدولة والأجهزة الأمنية السيادية بين يديه.
بدأت مجموعة من رجال الأعمال والسياسيين العمل من أجل أبوغزالة، كانوا يدركون أنهم لن يستطيعوا جمع توقيعات من 250 عضوا من مجلسى الشعب والشورى والمجالس المحلية لترشيحه، فقرروا أن يبحثوا عن أحد الأحزاب القائمة لترشيح أبوغزالة من خلالها.
وهنا حدث اللقاء مع أحمد حسن الأمين العام للحزب الناصرى وقتها على مائدة فى مقهى «أبوعلى» بفندق النيل هيلتون - وأشهد أن الرجل كان شجاعا ووطنيا وواثقا من نفسه إلى أبعد مدى - عرض عليه سيد الباز تبنى ترشيح أبوغزالة فى الانتخابات الرئاسية، فوافق الرجل على الفور، واعتبر المشير قامة وطنية لابد من الوقوف خلفها، وقال وقتها: هو فى النهاية أحد الضباط الأحرار، وابن المؤسسة العسكرية، ولا يزال الجيش يحمل حنينا خاصا تجاهه، ولو كان جادا فإننى على استعداد لدعوة الهئية العليا للحزب لاجتماع عاجل وإعلان انضمامه إلى الحزب، تمهيدا لترشيحه.
لم يطالب أحمد حسن بشىء، لا لنفسه ولا لحزبه، طلب أولا أن يجلس مع أبوغزالة ليسمع منه بنفسه رغبته فى الترشح، وبعد ذلك يكون لكل حادث حديث.. تم الاتفاق على موعد مع المشير حدده سيد الباز بنفسه، لكن وقبل الموعد بساعات تم تأجيله - فى الحقيقة تم إلغاؤه - دون أسباب معلنة.
انزعج أحمد حسن مما جرى، وطلب منى تليفون منزل المشير، وعندما تحدث مع أبوغزالة وجده يقول له إنه لا ينتوى الترشح للرئاسة، ولم يتحدث فى كثير أو قليل بعد ذلك، ولما سألت سيد الباز وقتها عن رد المشير الغامض والمريب فى الوقت نفسه، قال إن تليفونات منزل الرجل كانت كها مراقبة، وإن اتصالات جرت بينه وبين الرئاسة لإثنائه عن الترشح، وأوفد له مبارك عددا من أصدقائهما المشتركين على رأسهم اللواء محمد الشحات الذى كان وقتها محافظا لمرسى مطروح، وطلب من أبوغزالة بشكل رسمى أن يتراجع عن أى نية يمكن أن تكون لديه فى منافسة مبارك.
ما علاقة الإخوان المسلمين بهذه القصة؟
- العلاقة بدأت ربما قبل الاتصال بالحزب الناصرى وأمينه العام أحمد حسن، فبعد أن استجاب أبوغزالة لرسالة زكريا محيى الدين ولضغوط أصدقائه من رجال الأعمال وزملائه القدامى الذين خدموا معه فى القوات المسلحة، بعد أن دخلوا له من مدخل أنه الوحيد الذى يمكن أن ينقذ البلد من توريثها لجمال مبارك، فكر فى القوة الوحيدة التى يمكن أن تتمكن من مساندته، ويكون لديها الدافع القوى لمواجهة مبارك، والوقوف فى وجهه، وتم الاستقرار على أن جماعة الإخوان هى الوحيدة التى يمكن أن تقف إلى جواره.
كان هناك تحفظ وحيد أبداه أبوغزالة على الإخوان، رغم أنه هو من اقترح الاستعانة بهم، قال إنه لا يثق فيهم إلى درجة كبيرة، وإنهم يمكن أن يبيعوه للنظام إذا ما لوح لهم بأى مصالح حتى لو كانت هزيلة، لكنه كان مضطرا للتواصل معهم، ليرى على الأقل ما الذى يمكن أن يقدموه.
طلب أبوغزالة من أحد أصدقائه المقربين أن يستطلع رأى الإخوان، وأن يذهب إليهم بصحبة الدكتور يحيى الجمل، الذى كان أبوغزالة يعرف أن له علاقات قوية مع الإخوان، ثم إنه من ناحية يمكن أن يقنعهم بضرورة مساندتهم لأبوغزالة، ومن ناحية ثانية يكون شاهدا على الاتفاق الذى سيتم بينهم.
استطاع يحيى الجمل أن يأخذ موعدا مع مرشد الإخوان وقتها مهدى عاكف، الذى أرسل له سيارة إلى مكتبه أخذته هو والدكتور سيد الباز إلى مكتب الإرشاد فى منيل الروضة، وكان موجودا فى المكتب وقتها نائب المرشد الأول الدكتور محمد حبيب والثانى خيرت الشاطر، وتواجد أيضا الدكتور محمد مرسى الذى كان مسؤولا عن الملف السياسى داخل الجماعة وقتها.
تجاوبت قيادات الجماعة جدا مع الطرح الذى حمله يحيى الجمل مندوبا عن المشير أبوغزالة، وطلب مهدى عاكف أن يأتيهم الرجل بنفسه إلى مكتب الإرشاد ليسمعوا منه «لاحظ أن الجماعة كانت تشترط على من يدخل بيتها فى منيل الروضة أن يخلع حذاءه فى إشارة إلى أنه يخضع لقوانينها ورغباتها أيضا»، وكى يطمئنوا إلى أنه جاد فى عرضه، لأنهم يخشون إعلان تأييدهم له فيتعرضون لانتقام النظام، وبعد ذلك ينسحب أبوغزالة فيفقدون كل شىء.
عندما استمع أبوغزالة لرغبة الإخوان فى أن يذهب إليهم أعاد التأكيد على أنه لا يطمئن لهم بشكل كامل، بل أدرك أن فى الأمر مناورة، لكن الإخوان أكدوا أنهم صادقون فى تأييدهم لأبوغزالة، وهو ما خرج به يحيى الجمل من المقابلة.
فى اليوم التالى لهذه المقابلة وحتى يتأكد المشير من صدق نوايا الإخوان تجاهه سرب سيد الباز الحكاية كلها إلى الكاتب الصحفى الكبير مصطفى بكرى، وعلى الفور اتصل بكرى بمهدى عاكف وسأله بشكل مباشر: هل سيؤيد الإخوان المشير أبوغزالة فى انتخابات الرئاسة القادمة؟ وكانت الإجابة بالنفى سريعة جدا، وأكد عاكف أن الإخوان لا يمكن أن يفعلوا هذا.
ما الذى حدث خلال أقل من أربع وعشرين ساعة، فى أولها الجماعة ترحب وتوافق وتدعم، وفى آخرها تعلن أنها لن تؤيد أبوغزالة، الذى علق على نتيجة مكالمة بكرى مع مهدى عاكف بقوله إن الإخوان طول عمرهم خونة ولن يقفوا بأى حال من الأحوال معه.
جرت اتصالات بين الإخوان المسلمين ورموز من نظام مبارك، وتم فتح ثلاث قنوات بشكل عاجل للتشاور وعرض الأمر والحصول على مكاسب أيضا.
القناة الأولى كانت مع صفوت الشريف والتقى بالفعل فى منزله مع عصام العريان وعبدالمنعم أبوالفتوح، وكان الاختيار موفقا، فعبدالمنعم وعصام كانا على معرفة سابقة بصفوت، وكانا يجيدان التعامل معه.
القناة الثانية فتحها خيرت الشاطر مع مسؤول بجهة أمنية سيادية، وجرت بينهما اجتماعات عديدة، شرح فيها خيرت موقف الجماعة من أبوغزالة وإمكانية مساندة مبارك فى الانتخابات الرئاسية.
القناة الثالثة أشرف عليها خيرت الشاطر أيضا، وكانت مع مجموعة من ضباط وقيادات أمن الدولة، فلم يكن للجماعة أن تتجاهل الجهاز الذى يشرف بشكل مباشر على عملها.
انتهت مفاوضات القنوات الثلاث على أن يسمح النظام للجماعة بالحصول على مقاعد فى مجلس الشعب من 25 إلى 30 مقعدا، فى مقابل دعم مبارك فى الانتخابات الرئاسية ليس من خلال تصويت أعضائها له فقط، ولكن من خلال الدعوة للرئيس والحشد له، ثم بعد ذلك أن تكون الجماعة سندا لجمال مبارك سياسيا خلال الفترة التى تعقب الانتخابات الرئاسية، حيث كان الحزب الوطنى قد انتهى من قراره بدفع جمال كمرشح رئاسى فى انتخابات 2011.
مرت الانتخابات الرئاسية فى 2005 من خلال مسرحية هزلية حقق فيها أيمن نور رئيس حزب الغد وقتها المركز الثانى، وكان قد مد حبال الود مع جماعة الإخوان المسلمين قبل الانتخابات وزار مكتب الإرشاد - كل المرشحين فعلوا ذلك بشكل أو بآخر - وصلى وراء المرشد طلبا للبركة والأصوات، لكن الجماعة خذلته ولم تقف إلى جواره، فهاجمها بعد ذلك عندما وجد نفسه سجينا من قفص المحكمة، واتهمها بأنها جماعة خائنة لا تفى بوعودها.
هنا لابد من التوقف قليلا أمام دور خيرت الشاطر فى التفاوض مع جهاز أمن الدولة، ومع بعض قيادات الجهات السيادية، فلم يكن غريبا أن يقوم بتزكيته السيد سامى شرف لبعض رجال مبارك من أجل التعاون معه.
لكن من أين عرف سامى شرف خيرت الشاطر؟
- المعرفة قديمة بعض الشىء، تعود لأيام عضوية خيرت الشاطر فى التنظيم الطليعى فى أواخر الستينيات، حيث لعب دورا بارزا فى جامعة الإسكندرية فى العام 1968، وكان يتعامل مباشرة مع مكتب سامى شرف، وكان خاله القيادى فى التنظيم الطليعى وقتها هو من زكاه لدى سامى.
لاحظ سامى أن خيرت الشاطر شديد الطموح ولديه رغبة فى أن يقود أقرانه، وأوقفه عند حده أكثر من مرة، والتأكيد عليه بأنه ليس أكثر من عضو فى التنظيم الطليعى، بعد سنوات طويلة اعتقد سامى أن الأيام جعلت الشاطر أكثر هدوءا وخبرة، وأنه يمكن التعامل معه، دون أن يدرى أن الأيام زادت تلميذه القديم غرورا وتكبرا.
عندما بدأت الانتخابات البرلمانية فى نهايات 2005، بدا أن الإخوان المسلمين يطمعون فى أكثر من ال25 أو ال30 مقعدا التى تم الاتفاق عليها، فقاموا بترشيح أكثر من 150 مرشحا من أعضاء الجماعة، واستطاع الإخوان أن يحصلوا فى المرحلتين الأولى والثانية على 88 مقعدا.
وهنا لابد أن نتوقف أمام اعتراف مهدى عاكف - المرشد الأكثر صراحة وشجاعة فى تاريخ الإخوان - بتفاصيل الصفقة بينه وبين نظام مبارك، لقد كان طرفا فى صفقة، فلم ينكرها، بل كان واضحا فى أنه جاهز فى أى وقت لعقد صفقات أخرى.
فى حوار مطول أجرته «المصرى اليوم» مع عاكف فى أكتوبر 2009، قال: حدث عام 2005 حيث زارنى أحد المسؤولين الكبار وكان هناك حديث عن سفر الرئيس مبارك إلى أمريكا، وقال أرجو ألا تقوموا بأى شوشرة على زيارة الرئيس هناك، وأبديت استعدادا وجاء للقائى مرتين، وطلبت فى إحداهما أن يحضر اللقاء معنا نوابى، وبالفعل تم اللقاء وكتبنا فيه بنودا كثيرة واتفقنا عليها، ثم ذهب والتزم بما اتفقنا.
ويضيف عاكف: وقتها وقبل انتخابات 2005 كان هناك عدد من الإخوان فى السجن، وعلى رأسهم عصام العريان، وكانوا يريدون أن تدخل الجماعة الانتخابات، وطلبوا ألا يكون هناك زخم فيها، وقلت أنا أيضا أريد ذلك، وقمت بترشيح 150 شخصا، وأوفيت بما وعدت به فى اللقاء الذى تم بينى وبين الأمن، واتفقنا أن تسير الأمور بشكل عادى.
يكمل عاكف: بدأ الإخوان المرشحون يعقدون الندوات وينظمون المسيرات فى الشوارع وجميع من فى السجون أفرج عنهم، وفوجئت باكتساحهم فى المرحلتين الأولى والثانية، وفى المرحلة الثالثة قال لى شخص ما إن شارون اتصل بجورج بوش وإن الأخير اتصل بمبارك، فأبلغونى أنه لن ينجح أحد فى المرحلة الثالثة، على الرغم من أننا كنا نتوقع أن ينجح 50 مرشحا وتحديدا فى المنصورة والشرقية، وهما من معاقل الإخوان، وتم ذبحنا فى المرحلة الثالثة.
قلت لكم إن مهدى عاكف هو الأكثر صراحة بين مرشدى جماعة الإخوان - فكلهم كانوا يحترفون الكذب - لكنه فيما قاله هذه المرة لم يكن صريحا بشكل كامل، بل حاول أن يصور الأمر على أنه كان مؤامرة أمريكية- إسرائيلية حالت دون أن يحققوا أى نتائج تذكر فى المرحلة الثالثة، رغم أن ما جرى كان مخالفا لهذا تماما.
قاد الاتفاق الأخير مع الجماعة عناصر من مجموعة جمال مبارك - رغم أن صفوت الشريف كان حاضرا فى الاتفاق - التى كانت قد بدأت تسيطر على مفاصل الحزب الوطنى، ولم تكن هذه المجموعة تعرف حقيقة الإخوان بشكل كامل، إلا أن صقور الحزب عندما وجدت أن الجماعة تكتسح ب88 مقعدا فى الجولة الأولى والثانية وقفت بقوة أمام مواصلة الاكتساح، ووقتها عقد صفوت الشريف اجتماعا موسعا فى مقر الحزب على الكورنيش، وخلع الجاكت وشمر القميص، وقال بالنص: لا... إحنا لازم نشتغل شغل زمان، وقد كان فلم يستطع مرشحو الجماعة أن يحققوا أى مقعد فى الجولة الثالثة، فقد لعب الأمن بأوراقه القديمة ضدهم، ومنعهم من مواصلة الزحف.
اعتبر نظام مبارك ما حدث من الإخوان صفعة قوية لقوته وكبريائه وادعائه السيطرة على الأمور، فقرر أن يرد الضربة، بعد شهور قليلة، وبعد أن منح معتقلى الإخوان إفراجا كاملا، عاد ليجمعهم مرة أخرى فى السجون، مستغلا أحداث جامعة الأزهر، حيث قام عدد من شباب الجماعة باستعراض عسكرى فى ساحة الجامعة، تم تصويره على أنه إعلان حرب من الجماعة على خصومها، واستعراض قوتها لإرهاب من يخالفها، فتم القبض على رأس الجماعة خيرت الشاطر ومعاونيه من رجال الأعمال الإخوان، بتهمة تمويل الاستعراض العسكرى، وكان الهدف الأكبر هو تجفيف منابع تمويل الجماعة.
حاولت جماعة الإخوان بعد وفاة أبوغزالة فى 2008 أن تصور سجن الشاطر على أنه كان نوعا من تصفية الحسابات، لأنه فكر فى يوم من الأيام فى مساندة المشير ضد مبارك فى الانتخابات الرئاسية، رغم أن ما حدث فعلا كان عملية بيع كاملة من الشاطر لأبوغزالة من أجل مقاعد فى مجلس الشعب، حددها النظام ب30 مقعدا فى حدها الأقصى، فإذا بالشاطر يعمل من أجل الحصول على 150 مقعدا، وهو لم يغفره النظام له، فقرروا قطع رأس غروره والزج به فى السجن مرة أخرى، وهو السجن الذى لم يخرج منه إلا بعد قيام ثورة يناير، وبعفو من المشير طنطاوى فى مارس 2011، ليبدأ عصر آخر من الصفقات بين النظام والإخوان.
ظلت الأمور باردة بين النظام والإخوان، حتى تحدث عاكف عن الصفقات القديمة، معلنا عن أمنيته فى عقد صفقات جديدة مع النظام، لكن رجال مبارك لا يرحبون.
فى نفس حوار «المصرى اليوم» قال عاكف: نحن الآن فى قمة الشدة ولم يعرض علينا أحد أى صفقة، أنا لا أقدم وهم من يعرضون، ولا توجد عروض حاليا، ويا ليتهم يعرضونها سرا حتى وأنا موجود.
جاء الرد على عاكف سريعا وبعد أيام قليلة، وبشكل علنى من خلال أحمد عز أمين الحزب الوطنى وقتها، الذى كان يتحدث أمام المؤتمر السنوى السادس للحزب الوطنى فى أول نوفمبر 2009، قال عز فى كلمته: إن بعض التيارات المتطرفة لا تمارس السياسة بصورة أكثر تسامحا، فالتسامح لا يشمل رفع الحذاء تحت قبة البرلمان، ويخطئ من يؤمن أن الديمقراطية ستأتى على أكتاف أعضاء مكتب الإرشاد، تلك الديمقراطية التى تقوم على مبدأ مواطن واحد وصوت واحد لمرة واحدة، وبعدها يختفى الصوت إلى الأبد، إن هذه التيارات لا تفرض توجها اقتصاديا معينا، لكنها تفرض زيا موحدا للرجال والنساء ودينا واحدا للقيادات ومن يخالفها لا يصبح معارضا سياسيا، بل معارضا دينيا لمن يحكم بأمر الله، ومن القادر على معارضة الحاكم بأمر الله؟
أغلق أحمد عز بما قاله أى باب للتفاهم بين النظام والإخوان، لكن فى العام 2010 تغير الوضع كثيرا، وهنا أعود مرة أخرى إلى مهدى عاكف الذى يكشف صفقة أخرى وأخيرة بين الإخوان ونظام مبارك.
استقبل عاكف المؤرخ أحمد رائف، وهو أيضا صاحب دار الزهراء للنشر، وأحد الذين أوجعوا جماعة الإخوان بكتاباتهم «صاحب كتابى سراديب الشيطان والبوابة السوداء، ويكشف فيهما التاريخ السرى للجماعة»، كان رائف يحمل عرضا محددا، وهو ألا تخوض جماعة الإخوان انتخابات 2010، مقابل أن يحصلوا على ما يريدون، قال عاكف: جاءنى رائف وجلس معى وادعى أن هناك شخصية كبيرة من النظام أرسلت له رسالة مفادها أن النظام مستعد أن يعطى الإخوان كل ما يريدون مقابل ألا يدخلوا فى انتخابات 2010.
كان ذلك بالطبع قبل أن يترك مهدى عاكف مكتب الإرشاد فى نهايات 2009، رد عليه عاكف بقوله: أنا كمرشد موافق، ولكن معى مكتب إرشاد يجب أن آخذ رأيه، وبلغ هذا المسؤول الكبير أهلا وسهلا به للاتفاق، لكن رائف ذهب ولم يعد مرة أخرى.
كان هذا ما يعرفه مهدى عاكف، أما ما لم يعرفه ولم يشارك فيه، فكان صفقة متكاملة الأركان تمت فى مكتب حسن عبدالرحمن مدير جهاز أمن الدولة فى وزارة حبيب العادلى، وعقدها مرشد الجماعة الجديد الدكتور محمد بديع، الذى لم يخرج من مكتب رئيس أمن الدولة إلا ومعه هدية عبارة عن علبة شيكولاتة سويسرية.. أرسلت على بيته الذى كان رجال الجهاز يعرفونه جيدا.
موضوعات متعلقة :
وادى الخيانة .. الحلقة الأولى .. مبارك لم يذكر الإخوان صراحة إلا مرتين فقط.. الأولى فى 89 عندما قال للهضيبى: ما الإخوان بيتكلموا كويس أهه والثانية عندما كشف علاقتهم بالأمريكان فى 2005
وادى الخيانة .. الحلقة الثانية ..عمر سليمان يكشف سر كراهية مبارك الشخصية لقيادات الإخوان ..الجماعة طلبت من هيكل التوسط لدى سليمان للجلوس معه أثناء محاكمة مبارك


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.