الهجرة النبوية ليست انتقال من مكان إلى آخر، لكنها عبر ودروس أخلاقية مهدت الطريق لإقامة الدولة الإسلامية، وتكوين أعظم حضارة إنسانية فى تاريخ البشرية. مضى على هجرة المصطفى- صلى الله عليه وسلم- أكثر من 1400 عام، وما زلنا نستلهم من سيرته العطرة الدروس والعبر التى تضىء لنا الطريق، مهما كانت المعوقات إلى تواجهنا؛ فقد ترك لنا- صلى الله عليه وسلم– ميراثا خالدا من العلم والأخلاق يكفى لتصحيح المسار، وهداية الناس إلى كل خير فى الدنيا والآخرة. وإذا كنا بصدد الحديث عن الهجرة فإننا نتحدث عن حدث فريد، أثر فى مجرى التاريخ البشرى ليعلن عن ميلاد فجر جديد حاملا معه الخير لكل البشر؛ لأن الله أرسل حبيبه ونبيه محمدا للناس كافة، ولم يكن للعرب فقط "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين". والحديث عن الهجرة النبوية يحتاج إلى مقالات لبيان قيم هذا الحدث العظيم، لكننا نكتفى بذكر أهم الدروس المستفادة والتى لا غنى عنها لكل مسلم. 1- ضرورة الجمع بين الأخذ بالأسباب والتوكل على الله، ويتجلى ذلك من خلال استبقاء النبى صلى الله عليه وسلم لعلى وأبى بكر معه؛ حيث لم يهاجرا إلى المدينة مع المسلمين، فعلى رضى الله عنه بات فى فراش النبى صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضى الله عنه صحبه فى الرحلة، ويتجلى كذلك فى استعانته بعبدالله بن أريقط وكان خبيراً ماهراً بالطريق. -2 الدول لا تقام إلا بالفداء والتضحية. -3 النصر مع الصبر. 4- من ترك شيئاً لله عوّضه الله خيراً منه، فلما ترك المهاجرون ديارهم، وأهليهم، وأموالهم التى هى أحب شىء إليهم، لما تركوا ذلك كله لله، عوضهم الله بأن فتح عليهم الدنيا، وملّكهم شرقها وغربها. 5- التنبيه على عظم دور المرأة، ويتجلى ذلك من خلال الدور الذى قامت به السيدة عائشة وأختها أسماء رضى الله عنهما، حيث كانتا نعم الناصر والمعين فى أمر الهجرة، فلم يخذلا أباهما أبا بكر مع علمهما بخطر المغامرة، ولم يفشيا سرّ الرحلة لأحد، ولم يتوانيا فى تجهيز الراحلة تجهيزاً كاملاً، إلى غير ذلك مما قامتا به. 6- عظم دور الشباب فى نصرة الحق، ويتجلى ذلك فى الدور الذى قام به على بن أبى طالب رضى الله عنه، حين نام فى فراش النبى صلى الله عليه وسلم ليلة الهجرة. ويتجلى من خلال ما قام به عبدالله بن أبى بكر؛ حيث كان يستمع أخبار قريش، ويزود بها النبى صلى الله عليه وسلم وأبا بكر. وأخيرا.. فإن الحديث عن الهجرة لا ينتهى لأن سيرته- صلى الله عليه وسلم- باقية خالدة إلى يوم الدين، لكن المهم أن تبقى هى حية فى قلوبنا وعلى أرض الواقع فى أعمالنا. وكل عام والأمة الإسلامية بخير